الدستور واللجنة الدستورية في ندوة مركز حرمون

2019.12.26 | 16:13 دمشق

mrkz_hrmwn.jpg
+A
حجم الخط
-A

تحت عنوان (تجارب سورية الدستورية) أقام مركز حرمون للدراسات ندوة بحثية استمرت يومين (21–22–12 - 2019)، وذلك ضمن فعاليات صالون الكواكبي الذي يسعى لتفعيل الحوار المجتمعي حول مجمل القضايا الفكرية والسياسية والثقافية المعاصرة.

ساهم بالمشاركة عدد من الكتاب والباحثين السوريين، من خلال أوراق بحثية تضمنت أفكاراً ورؤى وتصورات، حول طبيعة الدستور الذي ينشده السوريون، باعتباره يجسّد العقد الاجتماعي الناظم لمستقبلهم، ولعلّ هذا ما دفع إلى تعدّد العناوين، وتنوع الموضوعات، إذ ثمة أوراق تحدثت عن المتن الدستوري (كالفرق بين النظام الرئاسي والبرلماني، وأيهما أكثر ملاءمة للواقع السوري، وكذلك الحديث عن الفصل بين السلطات، والمبادئ الوطنية فوق الدستورية، والمركزية واللامركزية في نظام الحكم إلخ)، وفي موازاة ذلك، ثمة أوراق تحدثت عن (معوّقات – ومعزِّزات) الدستور، مثل: (الحريات العامة في التعبير والتنظيم، سيادة القانون والقضاء المستقل، دور منظمات المجتمع المدني في صيانة وحماية الدستور ...).

وفي الوقت الذي أكدت فيه الجهة القائمة على الندوة والمنسّقة لها، أنْ لا علاقة مباشرة بين الندوة المشار إليها، وبين اجتماعات اللجنة الدستورية في إطار المفاوضات بين نظام الأسد والمعارضة، إلّا بالقدر الذي يمكن أن يزيل اللبس بين مؤيدي ومعارضي اللجنة الدستورية، إلّا أن هذا التوضيح من جانب القائمين على الندوة، لم يخفف من سخونة الجدل حول مشروعية، أو عدم مشروعية اللجنة الدستورية، وذلك لسببين اثنين الأول: التقارب الزمني بين انعقاد الندوة واجتماعات اللجنة الدستورية التي أنهت لقاء اللجنة المصغرة بتاريخ 25-11-2019، والثاني: هو أن اليوم الثاني للندوة تضمن أربع مقاربات سياسية لمسار اللجنة الدستورية، اثنتان منهما تعبران عن موقف وتقييم هيئة التفاوض والائتلاف، واثنتان منهما تعبران عن الموقف الرافض لمشروعية اللجنة الدستورية، باعتبارها مسعىً روسياً يهدف إلى الالتفاف على القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية من جهة، كما يهدف إلى استثمار الوقت الذي تستغرقه المفاوضات الماراتونية بغيةَ الإجهاز على ما تبقى من قوى الثورة وحاضنتها.

لا يمكن الحديث عن دولة القانون والعدل والديمقراطية دون أن يقترن ذلك بوجود ناظم دستوري يكون هو المرجعية لحفظ الحقوق

وحيال هذين الموقفين المتباينين، يبرز السؤال القديم الجديد، هل تكمن قضية السوريين في دستور قائم كان له الدور الأبرز في مأساتهم الراهنة، أم أن جوهر قضيتهم يكمن في الجهة التي تنتهك الدستور؟ ما من شك في أن الحاجة إلى دستور جديد غدت من أولويات سورية الجديدة كما يريدها السوريون، وما من شك أيضاً انه لا يمكن الحديث عن دولة القانون والعدل والديمقراطية دون أن يقترن ذلك بوجود ناظم دستوري يكون هو المرجعية لحفظ الحقوق، وكيفية تطبيقها، من خلال سنّ التشريعات والقوانين الدقيقة اللازمة، وبناء على ذلك، فإن معظم الجهود المبذولة والهادفة إلى إيجاد دستور يوازي تطلعات المواطنين ويلبي حاجاتهم العصرية التي تقتضيها دولة الحداثة والديمقراطية المأمولة، تصبح جدّ مشروعة، بل هي في غاية الأهمية، كونها تجسّد رغبة السوريين، بل واجبهم في المساهمة في صياغة مستقبل بلادهم، ولكن من جهة أخرى، يمكن القول: إن تحقّق النفع المأمول من هذه الجهود، إنما هو مرهون دوماً بالشرط الضامن لتحققها، أعني الجهة التنفيذية المناط بها تطبيق الدستور والانصياع له بآن معاً، وعند هذه النقطة، يعود الخلاف أكثر حدةً حول اللجنة الدستورية، بين مؤيدٍ يرى أنها ستكون الوسيلة التي يمكن من خلالها تفكيك النظام القائم، ومن ثم تجاوزه، نحو بناء الدولة الجديدة، كما يرى أصحاب هذا الرأي أن المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، هو الذي سيجبر النظام على الالتزام بقواعد الدستور الجديد، التي ستفضي إلى انتخابات ضمن (بيئة آمنة) تتيح للسوريين حرية الاختيار والمشاركة في تحديد شكل مستقبلهم. وواضح أن أتباع هذا الرأي، وفي طليعتهم (هيئة التفاوض والائتلاف) لا يرون غضاضة في تجاوز المسألة الجوهرية في العملية التفاوضية، وأعني مسألة (إنشاء هيئة حكم إنتقالي كاملة الصلاحيات)، تشرف هي على صياغة الدستور، ثم الانتخابات،كما هو وارد في قراري جنيف 1 ، و2254 ، بينما يرى الطرف الآخر (الرافض لمشروعية اللجنة الدستورية كبديل عن هيئة الحكم الانتقالي)، أن عمل اللجنة الدستورية إنما هو تنفيذ فعلي لمخرجات سوتشي كما أرادها الروس، كبديل للقرارات الأممية، وإن إنجاز دستور جديد لسورية لن يجسّد أيّ حل سياسي مقبول طالما نظام الأسد هو من يمسك بزمام الأمور، ذلك أن مشكلة السوريين هي مع من ينتهك الدستورأولاً، ثم مع الدستور لاحقاً، ويرى أصحاب هذا الرأي أن دستور عام 2012، وعلى الرغم من ثغراته الكبيرة، إلّا أنه لا يجيز قتل المواطنين بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيمياوي، ولا يجيز تشريد المواطنين واقتلاعهم من بيوتهم، ومع ذلك فإن نظام الأسد لا يعنيه من الدستور أي شيء.

تجدر الإشارة إلى أن الجدل المثار بين الطرفين المذكورين أعلاه، هو فاقد لأي فحوى أو فائدة، لأن الطرف الأول ( الائتلاف – هيئة التفاوض) قد حسم أمره بالانخراط في مسار اللجنة الدستورية، منذ زمن،وهو يرى أن التزاماته أمام الأطراف الدولية والإقليمية أهم بكثير من آراء السوريين.

تبقى المفارقة الأشدّ مرارةً وإيلاماً لدى قسم لا بأس به من المشاركين في الندوة، وهم يتابعون – أثناء مشاركتهم – أخبار العدوان الوحشي الروسي الأسدي على أرياف أدلب، فيرون على شاشات هواتفهم الجوالة الأخبار والصور والفيديوهات التي تردهم حالاً، وهي تحمل مشاهد حمم الموت التي تتساقط على رؤوس المواطنين المدنيين، وكذلك يرون اكتظاظ النساء والأطفال وسط شوارع معرة النعمان بحثاً عن وسيلة تمكنهم من النزوح تحاشياً للموت، فكان يتابع هؤلاء المشاركون مداخلات المحاضرين بعقول يخيّم عليها الذهول، ولكنّ قلوبهم وأحاسيسهم لا تفارق شاشات أجهزتهم الجوالة، ولسان حالهم يقول: هل نحن بحاجة إلى دستور يحمي أهلنا السوريين من القتل والدمار، أم إلى دستور يُستَثمر كغطاء لإبادتهم؟.