الدستور الذي يهدد السوريين

2019.10.15 | 03:16 دمشق

eg0nbesw4aiquod.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تعتبر الدساتير في أنظمة الدول القانون الأعلى الذي يحدد شكلها ونظام الحكم والسلطات فيها، وينظم الحقوق والواجبات بما يرعى شؤون الشعب ومصالحه، ولذلك يبقى الدستور هو ركيزة الأمان الحقيقية للمواطن التي يعتمد عليها ويعود إليها إذا اختل ميزان من موازين السلطة والحكم في بلاده.

وبالنظر إلى سوريا ودستورها في عهد بشار الأسد ومن قبله حافظ الأسد، فبمشاهدة سريعة يمكننا أن نستنتج أنه دستور البعث، وقد عُدّل وفُصّل مراراً ليكون على مقاس الرئيس الذي تولى السلطة أساساً بعبثٍ في دستور الدولة تحت بند " التعديل" واليوم يجري العمل على تعديل آخر للدستور ليكون على مقاسٍ روسي، وبرعاية أممية، وبحضور خجول تحت ما يصنف ضمن " المعارضة السورية"، والهدف استلاب الهوية السورية، وإفراغها من مضمونها، والمطالب الروسية، وحسم القضية السورية والثورة لصالح المطامع الروسية وأهدافها في المنطقة.

إن المشروع الروسي وما يجري اليوم بشأن التعديل الدستوري أمر بالغ الخطورة، وستكون له انعكاسات سيئة على الواقع السوري في حال تحققه، فاللجنة الدستورية المختارة من قبل الأمم المتحدة، كانت  بإشراف ومباركة روسية، وبهدف المحافظة على بقاء النظام، الأمر الذي سيقود سوريا وشعبها بعد كل هذه التضحيات نحو مصير أسود، وسيكبد الشعب مزيداً من دفع الأثمان الباهظة لقاء السكوت عن بقاء النظام في السلطة، فيغدو  وكأنه مباركة للأسد ونظامه على جرائم الحرب التي ارتكبها في سوريا، كما يعتبر بمثابة الضوء الأخضر له ليتابع في منصبه مع بعض التعديلات الشكلية المفرغة من مضمونها، الأمر الذي يعتبره مؤيدو النظام نصراً مؤزراً على الإرهاب، فيما يخفت صوت المعارضة، ويفشل أعضاء اللجنة الدستورية في الوصول إلى الشعب، وفي تمثيله أيضاً، بسبب الفجوة الكبيرة وانقطاع الصلة.

فاللجنة الدستورية المختارة من قبل الأمم المتحدة، كانت  بإشراف ومباركة روسية، وبهدف المحافظة على بقاء النظام، الأمر الذي سيقود سوريا وشعبها بعد كل هذه التضحيات نحو مصير أسود

اللجنة المشكلة باسم المعارضة الهدف منها شكلي بحت، وهنا يجب أن نتوقف قليلاً لنفكر في إلقاء اللائمة، هل سنلوم الدول التي تحاول العبث بحقوقنا وحرياتنا، وفرض قوالب ونماذج جاهزة، وهي أساساً لا تسعى إلا لمصالحها؟ وهل نلوم النظام الذي استمات لأجل استمرار سلطته وسيادته بكل شكل ممكن، وبكل وسيلة ممكنة أن يسير بما يوافق ذلك كله، وهناك نصر لم يحققه، ومجد لم يبذل جهداً فيه إلا جهد المرتزقة، ليأتيه الحكم مجدداً على طبق من دماء الشعب وأشلائه؟

الحقيقة أننا لا يجب أن نلوم إلا أنفسنا، وما يسمى باللجنة التي تمثل المعارضة، والتي بدرها تفتقر للمقومات العلمية والتخصصية في مجال كتابة الدستور، كما تفتقر للتأييد الشعبي المطلوب للقيام بمهمة على هذا المستوى، ، فقد ابتعدت عن هموم السوريين ومشكلاتهم، ونأت بنفسها عن التواصل الحقيقي الفعال بهم، فيما كانت تدعي تمثيلهم في الخارج، ولعل قضية بالغة الخطورة كقضية الدستور تبدو مغيبة عن تفكير السوريين وهمومهم في الداخل السوري وفي الخارج أيضاً، فقد فشل معتنقوها بالتواصل الحقيقي مع الناس، وبالتالي فشلوا أيضاً بتمثيلهم والتحدث باسمهم.

ولعل قضية بالغة الخطورة كقضية الدستور تبدو مغيبة عن تفكير السوريين وهمومهم في الداخل السوري وفي الخارج أيضاً، فقد فشل معتنقوها بالتواصل الحقيقي مع الناس، وبالتالي فشلوا أيضاً بتمثيلهم والتحدث باسمهم

الفجوة السياسية اليوم في أشد حالات اتساعها، والخرق كبير في ثورتنا، وفيما يتكاتف العالم كله لفرض سياساته ومصالحه، نزداد شرذمة وتفرقاً، ونزداد فردية وأنانية، في الوقت الذي تتطلب فيه المرحلة روحاً وطنية عالية، وتكاتفاً وسعياً حقيقياً للنجاة.

بالتأكيد يطمح كل سوري حر شريف لتغيير دستور مليء بالعبث، دستور يعترف العالم كله بشكل مباشر أو غير مباشر أنه تهمة حقيقية لنظام طوع القوانين والتشريعات والأرض والعباد لمصالحه، هذا السوري الحر الشريف الذي ما زال يقاسي من وحشية النظام في المدن المحتلة اعتقالاً وتضييقاً، وفي المدن الثائرة قصفاً وتنكيلاً، لن يعترف بالسكين التي تذبحه، والقنبلة التي تهدده، فكل  خطوة نحو الاستقرار وبناء الدولة السورية؛ هي رهن بزوال نظام وحاكم تسببوا بانهيارها على مدى سنوات حكمهم، وسوى ذلك تبقى المحاولات زائفة، والشعارات زائفة، وفكرة بناء الوطن زائفة، ولا شيء حقيقياً سوى دماء شهداء رحلوا وجهود ثوار أحرار ضحوا ومازالوا وسيبقون حتى تحقيق أهداف ثورتهم، وبناء مستقبل آمن بعيد عن الظلم والخوف والتهديد، تستحقه سوريا وشعبها العظيم.