الدراما السورية.. ملاحظات

2020.03.09 | 23:02 دمشق

d8d304ee-65d3-4770-be5a-5857d06098b5.jpg
+A
حجم الخط
-A

جرى نقاش بيني وبين الصديق الشاعر عبد الكريم بدرخان حول الدراما السورية. هو يرى أنها ساهمت، منذ ظهورها عام 1960، وحتى اليوم؛ في نشر كثير من المعلومات الخاطئة والأفكار المغلوطة في التاريخ والفقه والقانون والطبّ. وحينما طلبتُ منه أمثلة محددة، عرضَ، مشكوراً، بعضَ الأمثلة، وبالأخص من الأعمال المصنفة تحت اسم "مسلسلات البيئة الشامية" التي تختصر مدينة دمشق بمجموعة من الزعران والقبضايات، وتخلو من المتعلمين والسياسيين والأحزاب والجمعيات، إضافة إلى تقديم عناصر الجيش الذي يحارب "الثوار" على أنهم جنود فرنسيون أجانب، بينما كان في الجيش أثناء الانتداب الكثير من السوريين، وبعض الضباط حكموا الدولة السورية بعد الاستقلال.

وقال عبد الكريم إن بعض المسلسلات، مثل "أخوة التراب" و"أيام شامية" تناغمت مع الخطاب البعثي الذي يعمد إلى إعلاء شأن العنصر العربي وتحقير كل ما سواه، وبالأخص العنصر التركي. وهذه المسلسلات تصور الحَمَاةَ وهي تضع الحجاب أمام صهرها، وتحكي معه من وراء الباب.. وأضاف أمثلة عن أخطاء قانونية وشرعية يتعلق بعضها بنوم الزوج بعد طلاق زوجته في الدكان وليس في بيته، ويتعلق بعضها الآخر بتخفيض حكم القاتل بعد إسقاط الحق الشخصي من عشرين سنة بقفزة واحدة إلى ستة أشهر!

من الطبيعي أن عبد الكريم يتحدث عن "بعض" الأعمال الدرامية التي "ساهمت" في نشر معلومات خاطئة وليس "كلها".. ومن هنا يمكنني أن أدخل إلى الموضوع، أقدم زعماً أولياً بأن للدراما السورية فضلاً كبيراً في تطوير المجتمع السوري، بل وأثرت تأثيراً إيجابياً في المجتمعات العربية الأخرى..

أقدم زعماً أولياً بأن للدراما السورية فضلاً كبيراً في تطوير المجتمع السوري، بل وأثرت تأثيراً إيجابياً في المجتمعات العربية الأخرى..

وإليكم تفصيل ذلك:

أولاً- الأعمال التي أُنتجت في التلفزيون السوري، منذ تأسيسه في 23 تموز يوليه 1960، وبالأخص الأعمال الكوميدية التي أبدعها الثلاثي خلدون المالح ونهاد قلعي ودريد لحام، خلقت نوعاً من المشاهدة المحمومة، وحولت الإنسان السوري من شخص لا يعرف التلفزيون البتة إلى متسمر أمام شاشته يرى برامجه "من العَلَم إلى العَلَم".. شوارع بلدة معرتمصرين الصغيرة وأزقتها، على سبيل المثال، كانت تخلو من البشر تماماً في ساعة عرض مسلسل حمام الهنا، أو مقالب غوار، أو مقهى الانشراح، وكان الناس يخرجون من مقهى محمد قدور بعد انتهاء المسلسل كما لو أنهم خارجون من الملعب البلدي بعد مباراة بكرة القدم.. هذا الإنجاز الكبير في جذب الناس إلى الشاشة منح كتابَ الدراما والمخرجين والعاملين في الإنتاج التلفزيوني جمهوراً عريضاً متشوقاً، متلهفاً، جاهزاً لتلقي الأفكار، والمعارف، وتعلم العادات غير المألوفة في مجتمعه.

ثانياً- تولى عملية الإبداع التلفزيوني أناس مثقفون، على الأغلب، ومتنورون، أمثال هيثم حقي وداوود شيخاني وعبد العزيز هلال وعلاء الدين كوكش وشكيب غنام ومحمد فردوس الأتاسي ومأمون البني، واحتل هيثم حقي مركزاً قيادياً، فهو لم يكتفِ بتقديم أعمال تلفزيونية مهمة، بل إنه كان شبيهاً بالمدرسة التي تخرج فيها عددٌ لا يستهان به من المخرجين الذين يقدمون اليوم أعمالاً ذات سوية فنية عالية، وللعلم فإن هيثم خاض مع الراحل داوود شيخاني (1933- 2010) أول تجربة إنتاج خاص سورية من خلال مسلسلين هما "بصمات على جدار الزمن" و"حرب السنوات الأربع".

تولى عملية الإبداع التلفزيوني أناس مثقفون، على الأغلب، ومتنورون، أمثال هيثم حقي وداوود شيخاني وعبد العزيز هلال وعلاء الدين كوكش وشكيب غنام ومحمد فردوس الأتاسي ومأمون البني، واحتل هيثم حقي مركزاً قيادياً

ثالثاً- قبل سنة 1993 كان الإنتاج الخاص يقتصر على إنتاج أعمال جبانة، تُخضع العملية الإنتاجية لشروط أكثر المحطات تزمتاً، وهي المحطة الأرضية السعودية، ولكن، مع بداية الفورة الإنتاجية 1993، اتسع الطلب على الأعمال التلفزيونية السورية، وبدأ منتجوها يتحررون من سطوة الرقابة المتشددة، ومن هنا بدأ يتشكل ما يمكن أن نسميه (المجتمع السوري الدرامي) الذي يعيش فيه الناس بجرأة أكبر من المجتمع السوري الواقعي بكثير.

رابعاً- إلى جوار الدراما التلفزيونية الجادة التي أشرنا إليها كان ثمة أعمال يمكن تصنيفها في خانة "التجارية"، وهي على الأغلب أقل كلفة، وأكثر ربحية، ومنها، بالطبع الأعمال البدوية، إضافة إلى مسلسل "باب الحارة" الذي تتبناه أكثر المحطات العربية مقدرة على التسويق (MBC)، وهو مسلسل تجتمع فيه معظم العيوب التي أشار إليها الصديق عبد الكريم، فهو ذكوري، يقدم أهل دمشق (وسوريا) بطريقة توحي بتخلفهم، فالرجال قبضايات وشجعان، والنساء حريم خانعات، ومن كان يسمع كلام زوجته أو يحاورها يُقَدَّم على أنه تشتوش، وأرنب، كشخصية أبي بدر، وفي هذا المسلسل يجري تطوير شخصية زوج الإثنتين التي قُدمت لأول مرة في مطلع التسعينات ضمن "أيام شامية" ومَثَّلَها خالد تاجا مع سامية الجزائري ووفاء موصلي، بأشكال عديدة، وأضيفت إليها حالات إمعان في التزمت العائلي، غير مشكلة ظهور الحماة بالحجاب أمام صهرها، فهناك الأخ الذي لمح زوجة أخيه بلا غطاء رأس، دون قصد منه، فكادت على إثرها أن تقع مشكلة دامية بين الأخ وأخيه.   

أخيراً، أردت أن أقول إن ظاهرة الدراما، كغيرها من الظواهر، ذات جوانب إيجابية وأخرى سلبية، ووظيفة النقد الحقيقية الإشارة إلى الجانبين في آن واحد.