icon
التغطية الحية

الدراما الرمضانية.. ما بين ترويج الممنوع وتجسيد الواقع

2022.04.27 | 06:10 دمشق

86a962bd-f902-487e-ba99-1547edfa59d5.jpg
أنقرة - وضحى عثمان
+A
حجم الخط
-A

على مدار العام تتسابق شركات الإنتاج بالتعاون مع القنوات الإعلامية لتغرق المشاهدين بالأعمال الدرامية لكن مارثون الأعمال الدرامية يصل إلى قمته مع دخول الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك.

ويتراوح مضمون هذه الأعمال بين الغث والسمين كما تتضارب الآراء النقدية بين مؤيد لهذه الأعمال ومعارض لدخولها البيوت.

ولا يخفى على أحد الدور الذي تلعبه الدراما في تنشئة الجيل بكامله حيث يعمد كثير من الأطفال والمراهقين إلى تقليد ما يعرض في هذه الدراما، فهي تسلط الضوء على جوانب اجتماعية واقعية، لكنها تركز أكثر على الجوانب السلبية مما يسوق للتعايش مع هذه الأخطاء الاجتماعية لا لمحاربتها.

وأثارت المسلسلات السورية، وخاصة مسلسل "كسر عضم" كثيراً من الجدل بين من دعا لمحاربتها، ومن يرى أن مهمة الدراما عكس الواقع.

دراما مشوهة بدون قيم

فادية حريري (55 عاماً)، ناشطة في المجال الاجتماعي وقضايا المرأة، تحذر من مشاهدة المسلسلات هذا الموسم، بسبب كمية التشويه التي تصل إلى درجة "الوقاحة والفضاضة" للقيم الاجتماعية، على وصفها.

وتقول فادية، وهي أم لستة أبناء وسبعة أحفاد وتقيم منذ 22 عاماً في السويد، إنها لم تستطع إكمال حلقة كاملة من مسلسلات هذا الموسم.

وبحسب فادية ينطوي على بروباغندا سياسية تخدم سردية النظام السوري في حربه ضد الشعب.

ووصل الأمر بفادية إلى التحذير الشديد من "خطورة" مشاهدة المسلسلات وتدعو إلى مقاطعتها وبأن خطورة الأمر تستدعي ثورة ضد هذا التشويه، لافتة إلى أن الأعمال الدرامية الخالدة في السابق كتلك التي أخرجها المخرجان السوريان الراحلان حاتم علي ومصطفى العقاد، كيف أن أعمالهم لا يمل المشاهد من تكرارها لدرجة أن الأطفال حفظوها عن ظهر قلب.

أما الناشطة الحقوقية السورية رانية حسون، فترى أن هناك حضوراً واضحاً للدراما السورية في الموسم الرمضاني، وحضوراً للنفس السوري في الدراما العربية مثل مسلسل "شارع الهرم" الذي رفع من شأن الدراما الخليجية.

وتتفق رانية مع رأي فادية وتذكر حجم البروباغندا السياسية في مسلسل "كسر عضم" كان واضحاً، وتقول "بغض النظر عن الجدل حول الملكية الفكرية لنص المسلسل الذي أثار السيناريست السوري فؤاد حميرة، إلا أنه عمل متقن من الناحية الفنية.

وتضيف رانية في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا" أن "كسر عضم" يصور الفساد على أنه لفئة من المسؤولين لتبرئة رأس النظام، مشيرة إلى تدخل السلطة في تحميل ما آلت إليه البلاد هو نتيجة فساد بعض المسؤولين.

وبحسب رانية، فإن مسلسل "مع وقف التنفيذ" أيضاً، مسلسل سوري يعرض في رمضان، فيه تدخل سياسي من قبل النظام، وعلى الرغم من أنها وصفته بأنه "أكثر من رائع" من الناحية الفنية.

في حين هناك رأي آخر لجودي كتاب، طالبة سورية بالسنة الرابعة في هندسة الميكانيك بتركيا، التي تبدي إعجابها بمسلسلات هذا الموسم.

وتقول جودي إن مسلسل "كسر عضم" يعرض كل التغيرات التي حدثت بعد الحرب على المجتمع السوري، ومن وجهة نظرها، المسلسل يظهر أن النظام السوري نظام وحشي وظالم وهدفه المصالح الشخصية.

وتكمن أهمية المسلسل، بحسب جودي، بتطرقه إلى قضايا المرأة السورية ومعاناتها، وكيف أثرت الحرب على النساء المطلقات والأرامل والضائقة الاقتصادية.

وترى جودي أن المسلسل يفضح جرائم النظام، وكيف أنه مستعد للقتل والتدمير والسرقة كأدوات من أدوات الحكم.

الترويج للممنوع

حول هذا الموضوع يقول الدكتور محمد عصام محو، خبير الإعلام التربوي: في كل عام نكون في مواجهة مع كمٍّ من الأعمال الدرامية التي تتنوع بين الهادف، والمبتذل، وللأسف بتنا نرى طغياناً كبيراً للأعمال من النوع الثاني، والتي تطرح علامات استفهام كثيرة.

ويضيف الدكتور محمد عصام، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: نتساءل لماذا غالباً يتمُّ اختيارُ الشاب الأكثرِ وسامة وجاذبية ليكون دوره رئيس عصابة! رغم ما تقوم به هذه الشخصية من أفعال إجرامية، لتجعل المشاهد متوحّداً معها، ومحاكياً لها، لذا فإننا نرى ذلك التعاطف الكبير مع تلك الشخصيات، والخوف عليها، وتقليدها، وهي النتيجة الكارثية غير المُستغربة.

تساؤلٌ آخر يطرحه خبير الإعلام التربوي: لماذا هذا الترويج المبتذل لمفاهيم الخيانة؟! فيضعونها أمامنا وكأنها طبق اعتدنا رؤيتَه بين أطباقنا الحياتية، إلى درجة أنك ترى المشاهد وهو يراقب حياة ذاك الخائن بكل تفاصيلها، ويخشى عليه من انكشاف أمره، ويتمنى سلامته، وكل ذلك مع تلك الموسيقا التصويرية.. ذلك السلاح الخفيّ الذي يدخل قلوبنا وعقولنا، ويُحدث تلك المشاعر فيها، وإن واجهنا كُتابَ الدراما بتلك الأسئلة، رفعوا لنا تلك اللافتة (نحن نجسّدُ الواقعَ فحسب)، لنبادرهم بسؤال جديد: هذا الواقع الذين تسعون لتجسيده، هل هو الواقع السليم، أم ذاك المليء بالسوء والجرائم، والابتذال؟ لماذا يتم تسليطُ الضوء على تلك البقع السوداء، وجعلها أكبر وأعمق! فتعشّشُ في عقول وقلوب الشباب.

ويرى الخبير التربوي أن ذريعة تجسيد الواقع لا تجميله لا تعني تسليط الضوء على النصف الفارغ من الكأس.

تجسيد الواقع

بدورها الصحفية السورية والباحثة النسوية هدى أبو نبوت ترى أن مهمة الدراما تجسيد الواقع وليس تجميله، ولكن ضمن ضوابط تراعي الحساسيات الاجتماعية.

وتقول في حديثها لموقع تلفزيون سوريا: "إن هدف الدراما هو تجسيد الواقع وليس تجميله، ولا يجب منع هذه الأعمال بل تشجيعها لأكثر من سبب أهمها حث العقول على التفكير جيدا بمشكلاتنا التي اعتدنا أن نخفيها وندّعي عدم وجودها وكأننا نعيش في المدينة الفاضلة، ونحن مثل كل المجتمعات تعاني كل أنواع المشكلات الاجتماعية والسياسية بل من الواجب طرحها عبر وسيلة تصل إلى أكبر شريحة من المجتمع وهي الدراما".

وأشارت أبو نبوت إلى ضرورة أن تراعي الدراما بعض الضوابط مع مراعاة الحساسيات الاجتماعية، لا سيما أن أهمية الدراما تكمن بسعة انتشارها وعمق تأثيرها لأنها تعرض على التلفاز ومن ثم دخولها إلى كل البيوت لا سيما في شهر رمضان، على عكس السينما التي تعالج الأحداث والظواهر بجرأة أكبر وأن جمهورها نخبوي يذهب بقدميه إلى السينما.

وأضافت: إن قضايا حساسة مثل الخيانة والعرض والزنا، لا يجب منعها لأنها أمور موجودة لدى كل المجتمعات، ولكن السؤال كيف تطرح هذه القضايا؟ بالطرق المبتذلة التي نراها في الدراما السورية بالسنوات الاخيرة؟! والتي أصبحت تطرح كل القضايا المحقة بأساليب لا أخلاقية ولا تتناسب مع جمهور التلفاز حيث لا يتم مراعاة أن هناك أطفالاً ومراهقين ستصل إليهم هذه الأفكار مشوشة ومقتطعة من السياق بحيث يصبح التأثير عكسياً.

وأوضحت أن هذا الواقع المتردي للدراما جاء لأسباب تتعلق بالربح المالي وضعف الإنتاج الإبداعي مقابل السعي وراء الربح، فأنتجت نصوص ضعيفة، وأمام غياب الموهبة الفنية والرسالة الاجتماعية باتت القضايا تطرح بطريقة مبتذلة، فبدل نقاش قضية الخيانة من كل جوانبها الإنسانية والاجتماعية أصبحت تظهر بأسلوب يشجع عليها ويسهلها... مثلاً بدل التركيز على قضايا الاغتصاب وزنا المحارم كمشكلة اجتماعية تهدد الأسرة تحولت إلى شو إعلامي يظهر كل الآباء أو الإخوة متحرشين أو كل الرجال مغتصبين ومستغلين جنسياً وكل النساء سلعة جنسية تثير غرائز الرجال.

وترى الصحفية أبو نبوت أن الدراما السورية تحولت بمعظمها إلى محتوى لا يلائم أي أسرة تجتمع للمشاهدة لأن الصورة الجمالية التي تعالج أي قضية مهما كانت خطاً أحمر اختفت وحل محلها الصورة المبتذلة التي تتم معالجة القضايا فيها وهي صور خادشه للحياء العام ولا تتناسب مع جميع الأعمار في المنزل ولا يجب عرض القضايا الجدلية بدون معالجة درامية جيدة بحيث تظهر الدور الصحيح لتناول الدراما لهذه القضايا وتؤدي إلى النتيجة المطلوبة.

ويتساءل كثيرون كيف للأهل أن يحدوا من التأثير السلبي لما يصل إليهم عبر شاشات التلفزة، لا سيما في ظل العولمة والانفتاح على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي خرجت تقريباً عن السيطرة؟!

وأكد متحدثونا على ضرورة قرب الأهل من أطفالهم ومراقبة محتوى ما يشاهدون، وتوعيتهم، وتثقيفهم، وتغذيتهم بالقيم الإنسانية لضمان المحافظة على النسيج الاجتماعي وحمايتهم من تشويه القيم الاجتماعية في التسامح والاستقرار الأسري والنفسي والعاطفي.