الدب الروسي حين توهم نفسه ثعلباً!

2021.04.17 | 06:57 دمشق

eyxparxxaaae8qz.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي، حول قرب عودة النظام إلى جامعة الدول العربية، تخوف كثيرين من أن تكون موسكو قد نجحت بعقد صفقة ما تقرب النظام أكثر من استعادة موقعه الذي كان عليه قبل العام 2011.

التخوف بلغ مستوى الفزع لدى البعض، خاصة مع ضخ إعلامي مكثف رافق تصريحات لافروف، وكم كبير من التقارير التي تحدثت عن تفاصيل ومعطيات توحي بالفعل بأن الروس لم يبق أمامهم سوى خطوة واحدة لتحقيق هذا الهدف (الحلم) بالنسبة لهم، والكابوس بالنسبة للثوار والمعارضة.

لكن قراءة متأنية لهذه التصريحات الروسية (المتفائلة جداً)، وكذلك للقمة الثلاثية التي من المقرر أن تنعقد في بغداد، وتضم ملك الأردن والرئيس المصري وقادة العراق، والتي قال لافروف إنها ستبحث في إجراءات عودة النظام للجامعة العربية، بل وحتى تصريحات وزيري خارجية مصر والعراق حول ذلك، تكشف ببساطة شديدة أن ليس هناك أي معطى جدي حتى الآن يمكن البناء عليه عند الحديث عن قرب إعادة النظام إلى الحضن العربي.

تقول الحكاية إن ثعلباً تاه في الصحراء حتى كاد أن يهلك عطشاً، لكنه في الرمق الأخير وجد بئر ماء عليه دلو، فجلس بقادوس الدلو الفارغ في الأعلى ليجد نفسه بلمحة بصر عند الماء العذب البارد، وبعد أن شرب وانتعش، تنبه إلى أنه بات عالقاً في الأسفل وأنه لن يستطيع الخروج من البئر حتى تيقن أنه هالك لا محالة.

المكاسب الاستراتيجية التي ظفرت بها موسكو جراء التدخل في سوريا يمكن القول إنها كبيرة وأكثر مما كانت تحلم به على الإطلاق

لكن فجأة أطل دب كبير من الأعلى ونظر في البئر وهو يلهث من شدة العطش، وعندما شاهد الثعلب سأله عن الماء، فعاد الأمل للأخير، الذي أجاب على الفور بأنه أطيب وأعذب وأبرد ماء في الأرض كلها.. تلمظ الدب وسأل الثعلب عن الطريقة التي يمكنه بها الشرب، فأجابه بأن كل ما عليه أن يجلس في القادوس العلوي لينزل به إلى الأسفل، وهذا ما حدث، حيث أصبح الدب في قاع البئر وصعد القادوس الآخر بالثعلب الذي نجا، وعندما هم بالمغادرة سأله الدب وقد روى ظمأه أيضاً: كيف يمكنني أن أخرج ؟ فرد الثعلب: عليك أن تنتظر دباً أكبر منك كي يأخذ مكانك.

طبعاً أنا لست مع فرضية أن روسيا في ورطة حقيقية في سوريا الآن، فلا خسائرها البشرية ولا المادية تقول ذلك، بل على العكس، فإن المكاسب الاستراتيجية التي ظفرت بها جراء التدخل في سوريا يمكن القول إنها كبيرة وأكثر مما كانت تحلم به موسكو على الإطلاق، لكن هذه المكاسب ليست آمنة أو مستقرة، كما أنها تحتاج إلى شروط ودعائم لتثبيتها، وإلا تحولت بالفعل إلى مشكلة كبيرة، وبمرور الوقت إلى ورطة حقيقية بالفعل.

ورطة روسيا الحقيقية أن وجودها العسكري ونفوذها السياسي في سوريا حالياً مهددان وبقوة، ليس فقط من أعدائها وهم كثر، بدءا من الشعب ذاته الذي شاركت موسكو في قمعه وقتله وإفقاره وتشريده من أجل الحفاظ على النظام، وليس انتهاء بالولايات المتحدة التي ما زالت مصرة على الحفاظ على وجودها العسكري شمال شرقي البلاد، بل وحتى من حلفائها، النظام والإيرانيين، الذين تعرف أنه لا يمكن الوثوق بهم وأنهم لم يأتوا بها من أجل أن تقاسمهم النفوذ والتسلط، بل لتحقيق هدف واحد هو إنقاذ النظام من السقوط الذي كان وشيكاً، والاكتفاء بقاعدتين عسكريتين بحرية وجوية في الساحل.. لا أكثر، وحتى هذه القواعد لتكون في خدمة طموحات إيرانية التوسعية.

تدرك روسيا أن انهيار مؤسسات الدولة السورية هو هدف إيراني سيحقق طموحات طهران في أن تحل أذرعها وميليشياتها محل هذه المؤسسات، من أجل ضمان ديمومة المشروع والوجود الفارسي في سوريا، كما حدث في العراق ويحدث في لبنان واليمن، ولذلك فهي تكافح وبقوة من أجل إنقاذ النظام من أزمته الاقتصادية الخانقة، وأن انهياره الذي بات سيناريو محتملاً جداً، سيعني فوضى لن تكون قواتها قليلة العدد قادرة على احتوائها، وأن أذرع إيران ستوجه قبل غيرها، تحت اسم قوات المعارضة أو جهات مجهولة، الضربات لقواعد وعساكر الروس، كما سبق أن هدد عضو مجلس الشعب خالد العبود، من أجل إجبارها على الانكفاء داخل حصون القاعدة الجوية في حميميم، التي ستكون حدود الروس في سوريا وقتها.

لذا بذل لافروف طيلة أكثر من شهر كل الجهد لإقناع العواصم العربية الرئيسية بإعادة النظام إلى جامعة الدول والتطبيع معه، لكن من دون أن يقدم مقابلاً يمكن أن يغري الدول التي لا تزال متمسكة بموقفها من الأسد، فلا هي (أي روسيا) قادرة على إخراج إيران من سوريا كما تريد السعودية، ولا هي قادرة على إجبار النظام على تطبيق القرار 2254 كما تريد قطر والأردن ودول أخرى، بما فيها مصر أيضاً.

يظن لافروف نفسه ثعلباً وهو يجول بين العواصم العربية عارضاً عليها إعادة العلاقات مع النظام وتقديم الدعم له

أما إذا كان لافروف يعول على سلطنة عمان والعراق وموريتانيا، فبالتأكيد سيكون عليه أن ينتظر طويلاً قبل أن يرى ممثل الأسد على مقعد جامعة الدول العربية مجدداً، فالأمر لا يقف فقط عند "إجراءات فنية" كما أدعى الوزير الروسي، بل يكفي أن تعترض دولة واحدة، حسب ميثاق الجامعة، على أي قرار ليصبح لاغياً حتى لو أيدته جميع الدول الأخرى، وهذا كله من دون الحديث عن عدم قدرة أي دولة على تجاوز الإرادة الأميركية التي تبدو حازمة في رفض أي تطبيع مع النظام أو اعتراف بشرعيته حتى الآن.

يظن لافروف نفسه ثعلباً وهو يجول بين العواصم العربية عارضاً عليها إعادة العلاقات مع النظام وتقديم الدعم له، مهدداً مرة بالفوضى، ومرّغباً مرة أخرى بإمكانية إبعاده عن إيران، بينما يهمس الجميع بعد لقاءاتهم معه ضاحكين أن عليه أن ينتظر دباً أكبر من الدب الروسي لكي ينتشله من البئر الذي لم يفكر جيداً قبل أن يطمع بمائه.