الداعية التركي الماجن أو "المهدي المنتظر".. من هو عدنان أوكتار؟

2018.07.16 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ألقت الشرطة التركية القبض، الأسبوع الماضي، على الشخصية المثيرة للجدل عدنان أوكتار، وأكثر من 200 من مريديه. الغريب أن هذا "الداعية" كان يمارس أنشطته علناً، وعلى شاشة قناة تلفزيونية خاصة به، من غير أن يتعرض لأي مسائلة قانونية، طوال السنوات السابقة. ثم فجأةً قامت الشرطة باعتقاله، وعدد من مريدي شبكته من الجنسين، وصادرت أموالاً وأسلحة ومواداً رقمية من مقره. وتدور في وسائل الإعلام أخبار حول الاتهامات الموجهة إليه، تتراوح بين جرائم مالية وحوادث ابتزاز و"تسريب معلومات أمنية حساسة إلى دولة إسرائيل".

في اتصال هاتفي مع الصحافي الشهير أحمد هاكان، الساعة السادسة والنصف صباحاً لحظة اعتقاله، قال أوكتار إنه مستهدف "من الدولة العميقة البريطانية"! ولم يصدر، إلى لحظة كتابة هذه السطور، أي تعليق بهذا الشأن من الحكومة البريطانية. كما امتنع أركان الحكومة التركية، وممثلي أحزاب المعارضة، عن أي تعليق على الحدث، بخلاف الصحافة التي تناولت الحدث بصورة وافية، ولوحظ هجوم جماعي على الرجل وشبكته، واستحساناً لتدخل الدولة لوضع حد لأعماله الغريبة.

فمن هو عدنان أوكتار، وما الأنشطة ذات الطابع الديني والماجن، في الوقت نفسه، التي كان يقوم بها، طوال العقود السابقة، وهل لها جانب سياسي أو جنائي؟

بدأ أوكتار عمله الدعوي الإسلامي، منذ العام 1983، من أحد جوامع إسطنبول. وقد استهدف أبناء وبنات العائلات الإسطنبولية الثرية لاستقطابهم إلى حلقته الصغيرة من المريدين. يقول من يعرفونه شخصياً إنه يتمتع بكاريزما قوية وظفها لاستقطاب مريديه ممن لديهم مشكلات مع أسرهم، ويبحثون عن معنى لحياتهم. فكان من السهولة بمكان، بالنسبة له، غسل أدمغة أولئك الشباب. وفي المرحلة الأولى لنشاطه كان يطلب من الفتيات ارتداء الحجاب، ومن الشبان إرخاء اللحية. ثم، بعد فترة من توسع حلقته، حدث تغير أساسي تمثل في سفور مريداته وانكشاف ملبسهن، وحلق لحى المريدين الشبان وارتداء أحدث الملابس وأكثرها أناقة. وقد "أفلت" من يثق بهم وبهن، من المقربين إليه، بين شابات وشبان جيلهم، فارتادوا الملاهي الليلية لاصطياد أتباع جدد.

لا أحد يعرف كيف تمكن الرجل من إقناع أتباعه بالشيء وعكسه، أي بالتستر والسفور الفاضح على التوالي. لكن ما هو معروف أنه نشر، في الثمانينات والتسعينات كتباً باسمه المستعار "هارون يحيى" انتقد فيها النظرية الداروينية والماسونية والصهيونية. ويقال إن تلك الكتب ليست من تأليفه، بل هي تجميع ترجمات لمؤلفين غربيين حول تلك المواضيع، لم يضف إليها شيئاً من عنده.

بموازاة ذلك، كان "المهدي المنتظر" كما يزعم لنفسه، يدفع الشبان والفتيات من مريديه إلى ممارسات جنسية، يقوم بتصويرها ثم يستخدمها للابتزاز، مما عزز سيطرته المطلقة على أبناء وبنات الأسر الثرية، إضافة إلى استنزافهم مالياً.

لم يتوقف طموح "عدنان خوجا" عند هذه الحدود، فقد أعلن دعمه لحزب الرفاه بقيادة المرحوم نجم الدين أربكان – مؤسس تيار الإسلام السياسي في تركيا – في الانتخابات العامة والبلدية في التسعينات، بما في ذلك انتخابات العام 1994 البلدية التي انتخب فيها رئيس الجمهورية الحالي أردوغان رئيساً لبلدية إسطنبول، حيث بدأ حياته السياسية. وكان يأمل من وراء ذلك الدعم بناء علاقات مع الشخصيات السياسية الفاعلة لتأمين جدار حماية لأنشطته.

وبالفعل، حين اعتقل، للمرة الأولى، في العام 1999، بمبادرة من وزير الداخلية، آنذاك، سعد الدين طانطان، تدخل عدد من نواب البرلمان لإطلاق سراحه. ولم يطل به الأمر في السجن، فخرج ليبدأ مرحلة جديدة من نشاطه.

في هذه المرحلة تدبر ترجمة كتبه المشار إليها إلى عدد من اللغات الأجنبية، ووزع نسخها مجاناً في عدد من بلدان الغرب. ولم يتأخر في جني ثمار هذا التوسع في النشاط، ولكن بصورة مفارقة وغريبة. فبعد هجومه، في بعض تلك الكتب، على كل من الماسونية والصهيونية، أعلن عن انتسابه إلى الشبكة الماسونية العالمية، ونسج علاقات مع نواب في الكنيست الإسرائيلي، سرعان ما بدأوا يوجهون إليه دعوات لزيارة إسرائيل. وبالمقابل كان يدعو زواراً إسرائيليين إلى إسطنبول لحضور بعض فعالياته وحفلاته الباذخة التي كانت تحضرها شخصيات تركية مشهورة من نجوم المجتمع والفن والإعلام والثقافة.

في برنامجه التلفزيوني الشهير، كان الخوجا يبث تعاليمه الدينية وتأويله الغرائبي للإسلام والقرآن، محاطاً بفتيات شبه عاريات، يسميهن بـ"القطاقيط". لم يكن الرجل داعية إسلامياً بالمعنى المألوف لهذه العبارة، بل أقرب إلى أصحاب الأديان الجديدة التي تظهر من رحم المسيحية واليهودية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حيث يتم تطعيم تعاليم الدين الأصلي بشذرات من تعاليم أديان أخرى أو أفكار خاصة من انتاج مؤسس الدين الجديد، أو الطائفة الدينية كما تسمى في الغرب، وهي طوائف صغيرة منغلقة على نفسها تمارس طقوسها الخاصة التي من المفترض أن تحقق لأفرادها الخلاص.

كان لافتاً قول بعض أتباعه ممن لم يلق القبض عليهم بعد، في تصريحات إعلامية، إنهم مصدومين بهذه الحملة الأمنية الظالمة، بعدما دعموا حكم العدالة والتنمية والرئيس أردوغان! واضح من صدمتهم أنهم كانوا يأملون الحصول على حماية الحكومة لهم مقابل موقفهم المذكور.

التحقيقات ما زالت جارية لدى الشرطة، بما في ذلك الوثائق المكتوبة أو الرقمية التي تمت مصادرتها، ويحتاج الأمر إلى وقت للتدقيق فيها قضائياً. لا نعرف أي أبعاد قد تصل إليها هذه القضية، أم أن "المهدي المنتظر" سينجح، مرة أخرى، في الإفلات من قبضة القضاء والعودة إلى نشاطه في مرحلة جديدة؟ مع العلم أن هناك عشرات المجموعات الإسلامية الصغيرة في تركيا بقيادة "مشايخ طريقة"، تمارس أنشطتها الدعوية علناً. كانت قد برزت، من بينها، جماعة الداعية فتح الله غولن التي انتهت إلى مصيرها المعروف، بتصنيف الحكومة لها كمنظمة إرهابية مسؤولة عن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تحتفل تركيا بذكراها الثانية هذه الأيام.   

 

كلمات مفتاحية