icon
التغطية الحية

الخيارات التركية في منطقة شرق الفرات

2019.08.06 | 17:08 دمشق

القوات التركية والأميركية خلال دورية مشتركة حول منبج (رويترز)
فراس فحام - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

صعّدت تركيا لهجتها مجدداً ملوحةً بقرب العملية العسكرية في شمال شرق سوريا، أو ما بات يصطلح عليها "شرق الفرات"، وهي المناطق الممتدة من الضفة الشرقية لنهر الفرات في سوريا وصولاً إلى الحدود العراقية، حيث تقع هذه المنطقة تحت السيطرة العسكرية والسياسية لـ "وحدات الحماية" التي تعتبر المكون الأساسي في "قوات سوريا الديمقراطية".

وأطلق الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" تهديدات بشن هجوم على "شرق الفرات"، وذلك في تصريحات صحفية له في الرابع من شهر آب / أغسطس الحالي قال فيها:" قمنا بعمليات في عفرين وجرابلس والباب بريف حلب، والآن سنقوم بعملية شرق نهر الفرات في سوريا، وأبلغنا روسيا والولايات المتحدة بذلك".

وجدد الرئيس التركي تصريحاته في السادس من آب / أغسطس قائلاً:" خطواتنا بخصوص شرق الفرات والعمليات التي بدأناها بمنطقة درع الفرات ستدخل قريباً في مرحلة مختلفة وسنقوم عن قريب باتخاذ خطوات".

وفي الخامس من الشهر الحالي تجددت المفاوضات بين أنقرة والولايات المتحدة حول "المنطقة الآمنة" التي جرى الاتفاق سابقاً على خطوطها العريضة، مع استمرار الخلافات حول التفاصيل التنفيذية بين الجانبين.

ومن جانبها رفضت وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون) أي تحرك عسكري تركي منفرد في سوريا، وتوعدت بمنع العملية المحتملة شرق الفرات، وأعربت عن أملها في التوصل إلى اتفاق مع أنقرة، وذلك بعد جولة المفاوضات الأخيرة بين الوفود العسكرية التابعة للبلدين، لتأتي هذه التصريحات كمؤشر على عدم التوصل لاتفاق مرضٍ للجانبين.

الشروط التركية

كشف مصدر عسكري مطلع – طلب عدم ذكر اسمه -  لموقع تلفزيون سوريا أن تركيا وضعت قائمة تشمل جملة من المطالب التي تعتبر أنها كفيلة بتحقيق متطلبات أمنها القومي.

وترغب أنقرة بأن يبلغ عمق المنطقة الآمنة مساحة 32 كيلومتراً، على أن تمتد من رأس العين في محافظة الحسكة إلى عين العرب (كوباني) في ريف حلب، بما يضمن تحييد وإبعاد خطر المدافع وراجمات الصواريخ التي تمتلكها "وحدات الحماية" عن الداخل التركي، مما سيفقد الوحدات ورقة تهديد مهمة يمكن أن تستخدمها في حال شنت تركيا عمليات عسكرية لاحقاً.

وتشترط أنقرة أيضاً أن تشرف بنفسها على تدمير شبكة الأنفاق التي أنشأتها الوحدات في وقت سابق، وتمتد على طول الشريط الحدودي مع تركيا بين محافظتي الحسكة وحلب مروراً بالرقة، بالإضافة إلى سحب كل الأسلحة الثقيلة التي سلمتها واشنطن سابقاً للوحدات.

وتريد تركيا أن يكون لبعض فصائل "الجيش الوطني السوري" المدعومة منها والمنحدرة من شرق سوريا دوراً أساسياً في تأسيس "المنطقة الآمنة"، وبالتالي ستحل بديلاً عن "قوات سوريا الديمقراطية" التي ستنسحب من الشريط الحدودي الذي سيجري الاتفاق على عمقه.

العرض الأميركي

قدم الوفد الأميركي خلال جلسة المفاوضات الأخيرة التي جمعته مع نظيره التركي يوم أمس الإثنين عرضاً جديداً لتركيا بهدف محاولة منع التحرك التركي المنفرد.

وتضمن العرض الجديد سحب "وحدات الحماية" من المنطقة الممتدة بين مدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، ومدينة تل أبيض بريف الرقة، بطول يصل إلى 200 كيلومتر وعمق 16 كيلومتراً.

وبحسب العرض فإن الجيشين الأميركي والتركي سيقومان بتسيير دوريات مشتركة في هذه المنطقة، على أن يتم استمرار النقاشات والمفاوضات حول المساحة المتبقية الممتدة من شرق نهر الفرات والواصلة إلى الحدود العراقية.

وتسعى الولايات المتحدة الأميركية لرعاية حل وسط يضمن لها الحفاظ على العلاقات المتأرجحة مع تركيا، دون أن تخسر شريكها الأساسي على الأرض السورية والحديث هنا عن "وحدات الحماية".

ورغم تقبل واشنطن لفكرة تهدئة المخاوف التركية لكنها لا ترغب بأن يمتد التفاهم مع أنقرة ليشمل كامل "شرق الفرات"، على اعتبار أنها تعمل وفق مقاربة جديدة لإدارة المنطقة، تقوم على التنسيق مع تركيا من جهة، والاعتماد على المكون العشائري وبالأخص في محافظة دير الزور وبتمويل سعودي من جهة أخرى، بالتزامن مع تأسيس قوة عسكرية من عشائر سنية عراقية قرب الحدود، للعمل بشكل متناغم على قطع الطريق البري لإيران مع البحر المتوسط الذي يمر من دير الزور ثم محافظة حمص وصولاً إلى بيروت.

وأعادت وزارة الدفاع الأميركية مؤخراً إحياء مشروع تدريب فصائل مرتبطة بالجيش السوري الحر تتمركز في قاعدة التنف قرب الحدود العراقية، ومن المتوقع أن يشمل برنامج التدريب الجديد 15 ألف مقاتل.

خيارات تركيا

تبدو أن احتمالية شن عملية عسكرية تركية واسعة في شمال شرق سوريا صعبة التحقق، في  ظل الوجود العسكري الأميركي المباشر في المنطقة.

ولا تقتصر العوائق التي تعترض تركيا في "شرق الفرات" على الدعم الأميركي لـ "وحدات الحماية"، ووجودها العسكري، وإنما يضاف لها المعارضة الروسية المتكررة لأن يتولى الجيش التركي بنفسه ملء فراغ القوات الأميركية شمال شرق سوريا، حيث تمتلك موسكو القدرة على خلط الأوراق على أنقرة من خلال تفاهم قد تبرمه مع الوحدات، تدخل بموجبه إلى منبج وتل أبيض ومناطق أخرى، الأمر الذي سيتطلب مفاوضات جديدة وشاقة وشاملة على مختلف المناطق بين تركيا وروسيا، لن يستثنى منها أيضاً ملامح الحل السياسي النهائي في سوريا.

ويمكن القول إن من مصلحة تركيا أن يتم الفصل بين ملفي "شرق الفرات" و "إدلب"، وتستمر بالتفاوض مع واشنطن وموسكو بشكل منفصل، بما يضمن لها مناورة أكبر لتحقيق مصالحها، وبالتالي فإنها تفضل تحقيق نتائج معتبرةً من خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة، مما سيقوي موقفها تجاه روسيا في منطقة إدلب.

وتبدو التحشيدات التركية والتهديدات الكلامية بمثابة رفع سقف المطالب بالتزامن مع المفاوضات، بهدف تحصيل أكبر مكاسب ممكنة.

وتبقى إمكانية التصعيد العسكري التركي المحدود قائمة، وستتركز في الغالب على مناطق لا تتوفر فيها الحاضنة الشعبية لـ "وحدات الحماية الكردية"، كمنطقة تل أبيض في ريف محافظة الرقة، ومنطقة منبج، ليكون دخولها في هذه المناطق المحدودة خطوة أولى قد يتبعها خطوات لاحقة في حال التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعول أنقرة على فرض سياسة أمر واقع على الولايات المتحدة الأميركية، متسلحةً بهامش المراوحة الذي تمتلكه بين روسيا والولايات المتحدة.