icon
التغطية الحية

الخطر المحدق بإسطنبول بعد زلزال سوريا وتركيا

2023.03.23 | 11:07 دمشق

ئءؤ
World Socialist Website - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تجاوزت حصيلة القتلى الرسمية التي ترتبت على الزلزالين المدمرين اللذين وقعا يوم 6 شباط وكان مركزهما في كهرمان مرعش لكنهما دمرا كلاً من سوريا وتركيا، 58 ألف قتيل، إذ هنالك 50096 قتيلاً في تركيا و8476 في سوريا، ولقد أعلن نائب الرئيس فؤاد أوكتاي في 20 آذار الحالي بأن 6807 أجانب قتلوا في الزلزال في تركيا، وغالبيتهم من السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا هرباً من الحرب الدائرة في بلدهم.

كان الضرر الذي خلفه زلزال كهرمان مرعش بالغاً، إذ عقب الزلزال الأول، حدثت 14 ألف هزة ارتدادية وصلت شدة بعضها إلى 6.7 ضمن المنطقة نفسها. وقد تضرر بسبب هذين الزلزالين اللذين كان مركزهما  قهرمان مرعش 13.5 مليون نسمة في تركيا، ضمن مساحة امتدت على ألف كيلومتر مربع، وقد شعر أهالي لبنان وقبرص والعراق وفلسطين والأردن وإيران ومصر بهذا الزلزال، ما دفعهم للنزول إلى الشوارع هرباً من خطر انهيار المباني فوقهم.

بداية عمليات إعادة الإعمار

بيد أن حجم الدمار كان هائلاً، حيث طال 11 ولاية تركية، ما دفع وزير البيئة التركي، مراد كوروم، للإعلان عن انهيار  279 ألف مبنى، و821302 بيت مستقل، أو تعرضهم لأضرار متوسطة أو شديدة، أو تقرر هدمها، وذلك في المدن التي تضررت بفعل الزلزال، ولذلك نصبت في تلك المناطق أكثر من 500 ألف خيمة، ومايزال أكثر من مليوني شخص يقيمون في هذه الخيام، في حين يحاول ما يزيد على 40 ألف شخص أن يعثر على مأوى في البيوت المسبقة الصنع الموجودة في المنطقة، بيد أن الملايين التي تضررت بفعل الزلزال تركت المنطقة بحثاً عن مأوى.

وإضافة لكل ذلك، ماتزال هنالك مشكلات في منطقة الزلزال تتصل بالقدرة على الحصول على خيمة أو بيت مسبق الصنع، وكذلك الأمر بالنسبة لتأمين المستلزمات الأساسية مثل الماء والمواد الغذائية وطرق الاستحمام وقضاء الحاجة.

وبالمقابل، تقوم حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بمعالجة مشكلات الإسكان التي يعاني منها الناس وذلك ضمن الحملة التي تسبق الانتخابات التي ستجري في 14 أيار، والتي تهدف لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة.

إذ بعد إطلاق تلك الحملة، شرعت الحكومة ببناء 27253 شقة في 11 ولاية متضررة من الزلزال منذ 21 شباط الماضي، حيث قال كوروم: "إننا نخطط لبناء 15 ألف بيت ريفي بالتعاون مع المديرية العامة للإنشاءات في آذار، كما سنشرع بتشييد 309 آلاف بيت خلال الشهرين المقبلين بالتعاون مع إدارة التنمية الإسكانية، والمديرية العامة للإنشاءات، وشركة الاستثمارات العقارية".

هذا وتقوم الوزارة بإجراء مناقصات على عقود لتشييد المساكن مع شركات إنشاءات مقربة من الحكومة، دون مراعاة المعايير العلمية الأساسية.

ولذلك حذر العلماء الحكومة من مغبة البدء بتشييد أبنية سكنية مع استمرار حدوث هزات ارتدادية في منطقة الزلزال، لأن ذلك سيؤدي بكل بساطة لخلق الشروط الملائمة لظهور كوارث جديدة، وذلك في ظل غياب مسح ميداني مفصل، ودراسة علمية وتخطيط عمراني للمنطقة.

احتمالات وقوع زلزال في إسطنبول

وفي الوقت ذاته زاد الخوف بين عامة الناس والعلماء من وقوع زلزال مرمرة في أي لحظة، وذلك بحسب ما أوردته بيانات علمية تركية.

تشير الدراسات العلمية إلى أن فالق مرمرة المركزي الذي يمر ببحر مرمرة الواقع جنوبي مدينة إسطنبول يتسبب بوقوع زلازل كبرى كل 250 سنة تقريباً، وقد وقع آخر زلزال كبير عند هذا الفالق سنة 1766، والأنكى من ذلك أنه منذ أن تحركت الصفائح فوق فالق الأناضول الشمالي في عام 1999، أطلق العلماء تحذيرات عاجلة من زيادة الضغط الكبير على فالق مرمرة المركزي.

وحول ذلك ذكر الدكتور دوغان كالافات مدير المركز الوطني لرصد الزلازل في مرصد قنديلي ومعهد أبحاث الزلازل التابع لجامعة بوغازجي أن إسطنبول معرضة لزلزال تصل شدته إلى سبع درجات قبل عام 2030 بنسبة تصل إلى 64%، أما فرصة وقوع هذا الزلزال خلال السنوات الخمسين القادمة فتبلغ 75%، وأضاف كالافات: "أما احتمال تعرض إسطنبول لزلزال كبير بحلول عام 2090 فيصل إلى 95%".

إن الدمار الهائل والخسائر البشرية التي ترتبت على زلزال قهرمان مرعش لهي خير نذير من احتمال وقوع زلزال في أشد منطقة اكتظاظاً بالسكان وبالمناطق الصناعية في تركيا، إذ يقيم في إسطنبول 15907951 نسمة وفي كوجايلي 2079072 وفي تيكرداغ 1142451، وفي بورصة 3194720، وفي بالكيسير 1257590، وفي جناق قلعة 559383، وفي يلوفا 296333، أي إن 24437500 نسمة سيتضررون بفعل الزلزال إن كان مركزه بحر مرمرة.

كما أن الولايات المحيطة ببحر مرمرة هي أكثر الولايات إسهاماً في الناتج القومي الإجمالي لتركيا، إذ تسهم إسطنبول وحدها بأكثر من 30%، ثم إن كامل منطقة بحر مرمرة تتميز بكثافتها السكانية الهائلة، لذا فإن نتائج مدمرة ستترتب على أي زلزال يقع في هذه المنطقة والتي لا تختلف أبنيتها كثيراً من حيث الجودة والمقاومة للزلازل عن تلك الموجودة في قهرمان مرعش.

إسطنبول بحاجة لمئة سنة حتى تحل مشكلاتها

عندما نتطرق للحديث عن هذه المشكلة، تتوجه الأنظار نحو أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول، من حزب الشعب الجمهوري، وذلك لنطرح عليه السؤال الآتي: "ما الذي تم إنجازه بالنسبة للاستعداد لزلزال إسطنبول؟"

في مقابلة أجراها الصحفي أوغور دوندار خلال الشهر الماضي، تحدث الرجل عن استعدادات اتخذت من أجل أي زلزال متوقع، وعندما سأله دوندار: "هل إسطنبول مستعدة لوقوع زلزال؟" أجاب: "إن تحركنا بالسرعة التي كنا عليها طوال السنوات العشرين الماضية، فسنحتاج إلى مئة سنة حتى نحل مشكلات إسطنبول".

وقد أتى تعليق إمام أوغلو ليحمل اللوم على من سلفه من إدارات البلديات التي ترأسها أعضاء من حزب العدالة والتنمية طوال عقود، كما أوضح بأن ضعف وعدم كفاية سياسات الحكومة هي التي تسببت بمقتل الآلاف في المنطقة المتضررة في الوقت الذي كان بالوسع فيه تجنب ذلك. إلا أن ما فعله إمام أوغلو بالنسبة للاستعداد للزلزال منذ انتخابه في عام 2019 ليس بكاف أيضاً.

في مطلع شهر آذار، نشرت بلدية إسطنبول خطة التعبئة التي وضعتها لتحويل إسطنبول إلى مدينة مقاومة للزلازل، ولكن في الاجتماع الذي ألقى فيه إمام أوغلو خطاب الافتتاح دار فحوى هذا الخطاب في معظمه حول الاعتراف بعدم القيام بأي شيء منذ أن تولى الرجل منصبه في عام 2019، ولهذا أعلن بعد زلزال تركيا وسوريا بأنه: "لا بد من مراجعة ميزانية البلدية المخصصة للزلازل" في اعتراف بأن نسب التمويل السابقة لم تكن كافية.

أما مقترحاته فقد شملت تأسيس مجلس معني بالزلازل، مع تجهيز مراكز إيواء مؤقتة وتحديد أماكنها، ووضع حجر الأساس لتشييد مساكن بوسع الناس تحمل تكلفتها، مع زيادة عمليات التفتيش السريعة للأبنية، دون أن يتطرق لذكر السبب الذي منعه طوال أربع سنوات من البدء بتنفيذ هذه السياسات.

هنالك 117 مليون مبنى في إسطنبول (255 ألفاً بني قبل عام 1980، و538800 بني خلال الفترة ما بين 1980-2000 و376 ألفاً ما بين 2000-2019)، وبحسب عمليات التفتيش السريعة التي أجرتها بلدية إسطنبول، تبين بأن معايير الإسمنت والحديد في الأبنية التي شيدت قبل عام 2000 لا يمكنها الصمود أمام أي زلزال عظيم، ما يعني بأن هنالك 793800 بيتاً بحاجة إلى تدعيم أو هدم وإعادة بناء.

تدعيم للأبنية دون تحقيق أرباح!

بيد أن أصعب سؤال طرحه إمام أوغلو في تصريحاته يتصل بعملية تدعيم غير ربحية للأبنية، إذ في ذلك مقترح يعرض على سلطات الدولة مساعدة المواطنين على تمويل عمليات تدعيم بيوتهم، وذلك عبر ضمان قيام شركات الإنشاءات بتنفيذ هذا العمل بتكاليفه دون تحقيق أي أرباح تترتب على عمليات التدعيم، إلا أن هذا المقترح يترك للمواطنين تجشم الكلفة الكاملة لعملية تدعيم بيوتهم ضد الزلازل.

إن هذه الخطة الخبيثة التي تقوم على فكرة تدعيم غير ربحي للأبنية تعني أنه بوسع الأغنياء تدعيم بيوتهم ضد الزلازل، مع ترك الطبقة الكادحة التي لن تطيق تحمل نفقات إعادة بناء بيوتهم ليصابوا بجراح أو ليموتوا في حال انهارت بيوتهم فوقهم عند وقوع الزلزال المرتقب.

إن طبقة العمال والفقراء لا تدري كيف بوسعها تأمين نفقات الغذاء الأساسية ليوم آخر، فكيف إذن بدفع نفقات تعديل أو ترميم الأبنية التي يعيشون فيها، كما أن سحب قرض من أجل هذا الغرض يعني بقاء غالبية الطبقة العاملة في تركيا ترزح تحت وطأة ديون خانقة طوال حياتها.

في الوقت الذي رفع فيه كوروم حد الائتمان الحكومي المخصص لخلق قفزة نوعية في المدن من 600 ألف ليرة إلى مليون ومئتين وخمسين ألف ليرة تركية، لم يكن ذلك مرضياً بالنسبة للطبقة العاملة، وذلك لأن العامل الذي يحصل على الحد الأدنى من الأجور إن خصص كامل راتبه لسد القرض، فسيحتاج إلى 147 شهراً (أي 12 عاما وثلاثة أشهر) حتى يتمكن من ذلك.

إن البحث عن الموارد اللازمة لحماية الطبقة العاملة والفقيرة من الزلازل لهي مهمة لا يمكن أن تنفذ ضمن قيود السوق الرأسمالية، وهي تتطلب حشد الطبقة العاملة في نضال سياسي، وذلك لأن إنفاق كم كبير من الثروة الاجتماعية والإمكانيات الإنتاجية التي تقدمها الصناعة العالمية وفقاً لخطط واستراتيجيات محددة هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها بناء مساكن مقاومة للزلازل صار من الواجب تشييدها لحماية الملايين من الناس في تركيا وفي مختلف بقاع العالم.

 المصدر: World Socialist Website