الحوار الكوردي – الكوردي حاجة وطنية أم تلبية لمصالح دولية؟

2020.05.15 | 00:42 دمشق

11.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن حالة التشظّي والبعثرة لتطال القوى والأحزاب الكوردية وحدها، بل لعلّها السمة التي باتت تسم بطابعها مجمل الحراك السياسي السوري، فضلاً عن افتقار السوريين بالأصل، إلى حالة حزبية عريقة ومتماسكة، وذات تأثير ملموس على الواقع الاجتماعي، وما نراه من أحزاب أو تجمعات، سواء التي نشأت بعد 2011، أو الأحزاب التقليدية قبل ذلك التاريخ، فما تزال – إلى اللحظة الراهنة – غير قادرة على إحداث أي خرق في الجدار الداخلي أو الإقليمي، يتيح لها ممارسة أي دور مؤثر في سيرورة القضية السورية.

واليوم، إذ نشهد سعياً جدّياً لحوار كوردي – كوردي، يهدف إلى استبدال واقع التناحر والإقصاء والتنابذ، بحالة من التوافق وتوحيد المواقف والجهود، على أساس مبدأ التشارك والإحساس بالمسؤولية من جانب جميع الأطراف، لهو مسعى في غاية الأهمية، فضلاً عن كونه واجباً وطنياً وأخلاقياً حيال القضية الكردية، والتي هي جزء لا يتجزأ من القضية السورية على وجه العموم.

ما من ريب في أن مجمل الدّوال الإيجابية على الحوار الجاري بين الطرفين الكرديين، حزب الاتحاد الديمقراطي، والأحزاب المنضوية في المجلس الوطني الكردي، تبقى مشروطةً ببواعثها أولاً، ثم بأهدافها، ومدى انعكاس هذه الأهداف على قضية السوريين العامة، لاعتقاد لديّ مفاده: أن نضج وديمومة أي حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي في سوريا لن يُتاح لها النجاح دون مقاربتها العميقة لجذر المشكلة السورية، المتمثلة بنظام التوحّش الأسدي الذي يجسّد وجوده واستمراره أساس المشكلة، وهذا ما يدعونا للنظر في البواعث والأجندات لدى كلا الطرفين المتحاورين.

لم يكن وارداً بأجندة حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd )، وهو الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني التركي، أن يكون متماهياً مع ثورة السوريين في آذار 2011 ، بل يمكن التأكيد على أن موقفه حيال نظام الأسد يُعدّ استمراراً لموقف الحزب الأم (pkk ) مع نظام الأسد – الأب – حتى اعتقال عبد الله أوجلان في شباط 1999 ، أضف إلى ذلك أن معظم الأماكن التي تموضع بها الحزب المذكور، قد وهبها له نظام الأسد حين بدأت قواته بالانحسار عن العديد من المناطق السورية، تحت تأثير ضربات الجيش الحر في أواخر العام 2012 وأوائل العام 2013، وقد سعى الحزب طيلة تلك الفترة إلى ألّا يبدي انحيازاً واضحاً إلى أحد الطرفين ( النظام – فصائل المعارضة)، حرصاً منه على عدم الوقوع في مواجهة عسكرية، لم يكن – حينذاك – يمتلك مقوّماتها، إلّا أن تلك المواربة قد اختفت تماماً في شهر أكتوبر من العام 2015، حين تشكّلت قوات سوريا الديمقراطية، تحت إشراف ومظلة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعربت عن أولوياتها في سوريا، وفي مقدمتها الحرب على تنظيم داعش، وكانت قسد، بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، هي الذراع الأمريكية في تلك الحرب. ولعلها كانت فرصة مواتية جداً للإجهاز على كافة الخصوم والمنافسين من القوى والأحزاب الكردية آنذاك، وليكون حزب الاتحاد الديمقراطي هو الجدير بتمثيل الكورد، والساعي لتجسيد مشروع ( روج آفا)، بل يمكن لهذا المشروع أن يُعمّم على كافة الأراضي السورية، وفقاً لحزب الاتحاد الديمقراطي.

لم يكن وارداً بأجندة حزب الاتحاد الديمقراطي ( pyd )، وهو الجناح السوري لحزب العمال الكوردستاني التركي، أن يكون متماهياً مع ثورة السوريين

مع انتهاء الحرب على تنظيم داعش، وإعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن نية بلاده الانسحاب من سوريا في أواخر العام 2018 ، وتزامناً مع العملية العسكرية التركية ( نبع السلام) في شرق الفرات، باتت مخاوف انحسار المظلة الأمريكية من جديد تراود حزب الاتحاد الديمقراطي، كما بات البحث عن مظلة أخرى أمراً يوجبه الحفاظ على الذات، ولم يكن خيار الحوار مع نظام الأسد أمراً مفاجئاً، إذ بالفعل حصلت عدّة لقاءات وزيارات متبادلة ما بين دمشق والقامشلي، بغية الوصول إلى حالة توافقية كانت تتوهّمها قسد، إلّا أن الإدارة الأمريكية يبقى لها قول آخر، إذ ترى واشنطن أن إحكام الحصار على إيران يوجب عليها مقاومة نفوذها في سوريا، وفي مقدمة ذلك إغلاق المنافذ السورية في وجه إيران، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ قرار الإبقاء على قسد، ككيان عسكري حليف في منطقة شرق الفرات.

لعل المشكلة الأبرز لدى دول التحالف الغربي، وفي مقدمتها أمريكا، هي إخفاقها طيلة الفترة الماضية، في تعويم حزب الاتحاد الديمقراطي، وشرعنة قسد، وذلك في منطقة أغلب سكانها من العرب، وربما أيقنت أن القوة التي تحوزها قسد – عسكرياً واقتصادياً – فضلاً عن الدعم الأمريكي الهائل، ليس بمقدورها إقامة جسور للثقة بين سكان تلك المنطقة وحلفائها العسكريين، وخاصة أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو في حالة عداء مع أقرانه من الأحزاب الكردية السورية، بلْهَ السكان العرب، فلمَ لا تسعى واشنطن، ومن خلفها باريس، لتجسير هذه الفجوة بين الطرفين الكورديين أولاً؟ إن أرادت أن تبقى حوامل أو أذرع أجنداتها قابلة للاستمرار والصلاحية في المنطقة.

وفي موازاة ذلك، فإن قوى وأحزاب المجلس الوطني الكوردي، والتي ترى نفسها الأجدر بتمثيل الكورد السوريين، من (pyd ) الذي تعدّه حزباً دخيلاً على الجغرافية السورية، وما يعطيها تلك الثقة هو حيازتها على تمثيل رسمي في كيانات المعارضة( الائتلاف – هيئة التفاوض)، فضلاً عن تماهي حراكها السياسي منذ انطلاقة الثورة، مع الحراك الشعبي في مواجهة سلطة الأسد، إلّا أنها باتت ترى – بعد مرور تسع سنوات – أن المُنجَز الذي حققته، لا يمكن استثماره فعلياً طالما أنها فاقدة لأي شكل من أشكال القوة على الأرض، تلك القوة التي يتفرّد بحيازتها حزب الاتحاد الديمقراطي، وخاصة في المنطقة الشرقية من السورية، مناطق تواجد الأكثرية الكوردية في سوريا، كما أن المقاتلين الأكراد الذين يعدّهم المجلس الوطني الكردي في صفّه ( البشمركة السوريين) ويبلغ تعدادهم ( 7000 ) مقاتل، وفقاً لمصادر المجلس الوطني، فإن هؤلاء جميعهم يتواجدون في الشمال العراقي، بحماية مسعود البرزاني، ولا تأثير فعلي لهم على الجغرافية السورية، ولعلّ ما هو مهمّ أيضاً، أن المجلس الوطني الكردي، بدأ يتعرض لانتقادات شديدة من أوساط كردية، تتهمه بالتبعية المطلقة لتركيا، أضف إلى ذلك كله، الدفع الدولي المتمثل بالرغبة الأمريكية التي تريد من عملية حوار وتقارب الخصوم الأكراد، خلقَ مناخ ملائم لـ ( سَوْرَنة) قسد، التي ما تزال – رغم الجهود الأمريكية الهائلة – جسماً غريباً في المنطقة.

على أيّة حال، لا يمكن التنبؤ بمآلات الحوار الجاري، على الرغم من الحشد و التحفيز الغربي والأمريكي لاستمراره، لأن التحدّيات أكبر بكثير من الرغبات، وما هو تفصح عنه الوقائع يختلف كلياً عما تصدح به الخطابات والمنابر:

1 – مآل العلاقة بين pyd و pkk، وقدرة الأول عن الانفكاك عن الثاني، رغم العلاقة العضوية بينهما.

2 – قبول pyd بمبدأ تقاسم السلطة والاقتصاد.

3 – موقف جذري وواضح لـ pyd من نظام الأسد

ولعل الأهم هو صمود هكذا حوار أمام عدم الرضا الذي تبديه تركيا حيال أي علاقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وقد بدأ أول ردّ فعل على ذلك، بإتاحة المجال لدخول رابطة الكورد المستقلين إلى الائتلاف، كمكوّن يمثل الأكراد في سوريا، ولا شك أن ذلك رسالة واضحة إلى المجلس الوطني الكردي.

وتبقى المسألة الأهمّ في استكناه ما سيؤول إليه هكذا حوار، هي غياب الجانب العربي، وانزياحه عن حسابات الطرفين الكرديين المتحاورين، إذ هل من الصحيح أن هذا الغياب مردّه إلى افتقار عرب شرق الفرات إلى كيانات سياسية أو اجتماعية جامعة لتطلعاتهم وأهدافهم؟ لا أعتقد ذلك، بل إن هذا الكلام يبدو مجرّد ذريعة جاهزة لعملية استبعادهم، ما أظنه أقرب إلى الصواب هو أن عرب شرق الفرات ليس لديهم أجندة أو مشروع محلّي مناطقي خاص بهم، ومشروعهم الذي أفصحوا عنه منذ انطلاقة الثورة، هو ذاته مشروع الثورة السورية الذي يتمثّل بأولوية تغيير نظام الاستبداد، والانتقال إلى دولة القانون والحرية والديمقراطية، ليقينهم – كما أعتقد – أن اقتسام النفوذ، والمصالح المناطقية، ربما تخضع لعملية المحاصصة الدولية والإقليمية، أما حرية السوريين وكرامتهم وحقهم في الانتقال إلى دولة القانون والديمقراطية فذلك ما لا يمكن تجزئته، أو تحقيقه في مناطق دون أخرى.