الحوار الفلسطيني يعود إلى نقطة الصفر

2021.07.08 | 06:33 دمشق

swrt-2-hwar-flstyny.jpg
+A
حجم الخط
-A

تراكمت شواهد كثيرة في الفترة الأخيرة على عودة الحوار الفلسطيني بل عملية المصالحة برمتها إلى نقطة الصفر، بعد فشل جولة حوار القاهرة بين حركتي فتح وحماس الشهر الماضي، ثم احتدام السجال الإعلامي وتبادل التصريحات القاسية بين الحركتين في الفترة الأخيرة، إثر مقتل الناشط نزار بنات أثناء اعتقاله من قبل جهاز الأمن الوقائي، وتحميل حماس الرئيس محمود عباس وقيادة السلطة المسؤولية عن مقتله، ودعم التحركات والاحتجاجات الغاضبة ضدها في الشارع الفلسطيني.

كانت الحكومة المصرية قد أعلنت عن انتهاء جولة الحوار الوطني الفلسطيني الأخيرة في القاهرة قبل بدئها رسمياً رغم انطلاقها فعلاً بين حركتي حماس وفتح، بينما كان من المفترض أن تتوسع لتضم فصائل أخرى مطلع الأسبوع الثاني من حزيران/ يونيو الماضي.

بدا الموقف المصري مفاجئاً خاصة أن الإعلان عن جولة الحوار حدث على هامش زيارة الجنرال عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة والرجل الثاني عملياً في القيادة المصرية إلى فلسطين المحتلة أوائل الشهر نفسه.

بدا الموقف المصري مفاجئاً خاصة أن الإعلان عن جولة الحوار حدث على هامش زيارة الجنرال عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة والرجل الثاني عملياً في القيادة المصرية إلى فلسطين

جولة الحوار كانت قد انطلقت فعلاً، كما العادة بشكل غير رسمي وبحوارات تمهيدية ثنائية معتادة بين حماس وفتح برعاية المخابرات المصرية لوضع المحددات أو الخطوط العريضة للحصيلة النهائية التي يتم طرحها على الفصائل لاتخاذ أو للدقة تبني موقف وطني موحد وعام منها.

في الحقيقة يمكن الحديث عن عدة أسباب لفشل الجولة الأخيرة حتى قبل أن تبدأ رسمياً؛ أوّلها وربما أهمها أن الإعلان عنها جاء متسرعاً ودون تحضير مسبق ومهني من قبل القيادة المصرية، بينما كان الغرض الأساسي منها الإيحاء بنجاح زيارة عباس كامل، وبالتالي إعطاء مصداقية للوساطة المصرية في فلسطين بين فتح وحماس بشكل خاص وبين هذه الأخيرة وإسرائيل بشكل عام في ظل أن الوساطة انطلقت بتكليف علني من الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وبناء على خريطة طريق أمريكية معلنة أيضاً أطلقها وزير الخارجية أنتوني بلينكن أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة منتصف أيار/ مايو الماضي وتضمنت أربعة بنود رئيسية، تثبيت وقف إطلاق النار بين المقاومة وإسرائيل، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى غزة، والشروع بعملية واسعة لإعادة الإعمار فيها، وأخيراً فتح أفق سياسي أمام استئناف عملية التسوية وفق حلّ الدولتين بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

البنود الثلاثة الأولى تقتضي بالضرورة ترتيب البيت الوطني الفلسطيني، وتنفيذ تفاهمات المصالحة لإنهاء الانقسام، ولذلك دعت القيادة المصرية إلى جولة الحوار الأخيرة ولكن بشكل مستعجل ودون إجراء استطلاع ضروري - رغم وجود جنرالات كثر بصحبة الجنرال عباس - لمواقف الأطراف الفلسطينية بعد هبات القدس ومعركة سيفها واستيعاب حقيقة أن ما كان مناسباً قبلها لن يكون مناسباً بعدها دون تهويل مما حصل ولكن دون تهوين أيضاً.

هذا ينقلنا مباشرة إلى السبب المركزي لتعثر جولة الحوار والمتعلق بالفجوات الكبرى وحتى الهائلة في مواقف فتح وحماس، حيث طرحت الأولى المواقف السابقة نفسها، وكأن لا شيء تغير بعد الهبات والمعركة وانفصام قيادة فتح والسلطة عن الشارع الفلسطيني ومزاجه العام، وعجزها عن استخلاص العبر المناسبة منها والهرب المنهجي من ضرورة ترتيب البيت الوطني، وإعادة بناء المؤسسات وفق أسس ديمقراطية نزيهة تستند إلى الانتخابات مع تذاك والتفاف على حقيقة أن الإصلاح الجذري الجدي والمجدي يتعلق أساساً بالمجلس الوطني بصفته البرلمان الجامع ومنظمة التحرير بوصفها الإطار القيادي المرجعي للشعب الفلسطيني الذي تجاوز الانقسامات السياسية والجغرافية وجسّد وحدته في أماكن وجوده المختلفة أثناء هبّات القدس ومعركة سيفها.

إضافة إلى ذلك تتصرف قيادة فتح والسلطة - هي نفسها بالمناسبة – بالذهنية السابقة نفسها تجاه ملف إعادة الإعمار في غزة، كما حصل بعد حرب 2014 وتصرّ على احتكاره من أجل استخدامه كسلاح ضد حماس لابتزازها وانتزاع تنازلات سياسية منها وحتى ضد الغزاويين أنفسهم بمن فيهم مؤيدوها.

تتصرف قيادة فتح والسلطة - هي نفسها بالمناسبة – بالذهنية السابقة نفسها تجاه ملف إعادة الإعمار في غزة

من جانبها طرحت الحركة الإسلامية مواقف مختلفة ومناقضة لمواقف فتح تستند إلى فكرة أن المشهد تغيّر برمته بعد هبّات القدس ومعركة سيفها، وتراجعت بالتالي عن كل التنازلات التي قدمتها بما في ذلك القبول بالتتابع لا التزامن في إجراء الحزمة الانتخابية، وقدّمت ورقة ذات سقف عال جداً تضمنت ضرورة إعادة تشكيل المجلس الوطني خلال ثلاثة أشهر ليأخذ على عاتقه بعد ذلك انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، وتشكيل قيادة وطنية موحدة مؤقتة خلال هذه الفترة من الأمناء العامين للفصائل أو أي إطار آخر مع ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية بعد ذلك وضمن مدى زمني قصير كي تفرز حكومة وحدة وطنية تتولى الإشراف على إعادة الإعمار.

استندت الورقة الحمساوية إلى أساس متين ولا شك حيث إن إعطاء الأولوية للمجلس الوطني والمنظمة صحيح وضروري لكن كان يجب الرجوع إلى روح التفاهمات السابقة بما في ذلك لقاء الأمناء العامين للفصائل في أيلول سبتمبر الماضي، وإجراء انتخابات بالتزامن أو بالتتابع خلال ثلاثة أشهر، كما جاء أصلاً في المرسوم  الرئاسي السابق مع ضمانات مصرية ودولية بنزاهتها والاعتراف بنتائجها بما في ذلك إجراؤها في القدس بموافقة الاحتلال أو بدونها على أن تتولى حكومة الوحدة التي ستتشكل بعدها الإشراف على إنهاء الانقسام وإعادة الإعمار، بينما يتولى نواب المجلس التشريعي المنتخبين بصفتهم أعضاء في المجلس الوطني استكمال تشكيله - في ظل صعوبة بل استحالة إجراء انتخابات بالخارج خلال شهور قليلة – على أن يأخذ  المجلس على عاتقه انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير.

المعطيات السابقة أكدت التباينات في مواقف الطرفين علماً أنها كانت واضحة للعيان أصلاً وربما رأتها القاهرة قبل ذلك وتجاهلتها في سياق دعائي يصبغ سياسات النظام بشكل عام، غير أنها استصعبت تجاهلها أو القفز فوقها هذه المرة وفهمت أنها عاجزة عن ردمها ولم تمانع التأجيل وحتى تحمل مسؤولية ما عن فشل الحوار قبل أن تسعى للاستفادة من ذلك عبر الضغط على الطرفين وإن بدرجات متفاوتة.

مصر تتفهم مطالب حماس تحديداً فيما يتعلق بإعادة الإعمار، خاصة بعد فشل تجربة 2014 وتتذمر من مواقف فتح التي تتبنى المقاربة السابقة الفاشلة نفسها تجاه الإعمار، وكأن لا شيء تغير، علماً أن القاهرة نفسها تغيّرت، وهي تفهم أن من المستحيل تكرار التجربة حتى مع تفهم وجهة نظر فتح والسلطة تحديداً لجهة إعطاء الأولوية لتشكيل حكومة توافق وطني بتكنوقراط أو سياسيين، وتأجيل ملفي المنظمة والانتخابات ولكن مرحلياً فقط في ظل القناعة باستحالة تجاوز ذلك على المدى الطويل.

مصر تتفهم مطالب حماس تحديداً فيما يتعلق بإعادة الإعمار، خاصة بعد فشل تجربة 2014 وتتذمر من مواقف فتح التي تتبنى المقاربة السابقة الفاشلة نفسها تجاه الإعمار،

من هنا سعت القاهرة لإرضاء حماس ومضت قدماً في تقديم الإغاثات الإنسانية عبر معبر رفح وبوابة صلاح الدين الحدودية، كما شرعت في إعادة الإعمار ولو بشكل نظري عبر خطط ومشاريع وعمل رمزي تمثل بإدخال جرافات عملاقة لإزالة الأنقاض، علماً أنها وعدت واشنطن أصلاً بعملية إعادة إعمار لا تستفيد منها حماس الأمر الذي لا تطالبه الحركة نفسها مكتفية بعملية نزيهة وسريعة دون مماطلة، وعمدت القاهرة إلى إرضاء فتح أيضاً عبر تبني وجهة نظرها بضرورة تشكيل الحكومة قبل إعادة بناء المنظمة والانتخابات التي قد تستغرق شهورا طويلة.

 رغم ذلك كله دعا الرئيس محمود عباس -الأحد 20 حزيران- إلى حوار جاد بين الفصائل لإنهاء الانقسام وتحقيق الشراكة الوطنية، بينما ردت حماس بعد يومين عبر نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري "الثلاثاء 22" محملة عباس شخصياً المسؤولية عن فشل التفاهمات الوطنية السابقة الثنائية والجماعية، في حين ذهب عضو المكتب موسى أبو مرزوق "الجمعة 25" إلى أبعد من ذلك رافضاً رعايته أي عباس لأي حوار باعتباره طرفاً لا حكماً، أما قائد الحركة إسماعيل هنية فقد رفع السقف أكثر على هامش زيارته للعاصمة اللبنانية بيروت "الجمعة 2 تموز يوليو" بقوله إن ما أخذته الحركة بسيف القدس لن تفرط فيه بسيف الإعمار فيما بدا رفضاً لكل أطروحات السلطة وعباس، بموازاة ذلك تبنت حماس مقاربة عالية السقف أيضاً تجاه مقتل نزار بنات، وشنت حملة سياسية وإعلامية ضد السلطة وقيادتها، كما دعمت مطالب المحتجين المطالبة ليس فقط بمحاسبة المسؤولين عن الجريمة، وإنما برحيل الحكومة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب فرصة ممكنة.

 بناء على ما سبق يمكن استنتاج عودة الحوار الوطني الفلسطيني وحتى عملية المصالحة برمتها ومساعي إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين فتح وحماس والضفة وغزة إلى نقطة الصفر، بينما ستعمد مصر في المرحلة القادمة إلى إدارة الملف تكتيكياً ودون نظرة استراتيجية شاملة -تبدو غائبة عن قضاياها وأزماتها الداخلية والخارجية- علماً أنها تنفذ أصلاً خريطة طريق أمريكية تسعى أساساً إلى تثبيت وقف إطلاق النار وعدم انفجار الأوضاع في فلسطين من جديد، والنتيجة أن القاهرة ستأخذ على عاتقها إغاثة غزة والشروع ولو عبر خطوات تمهيدية دعائية بعملية إعادة الإعمار في ظل التوقع باستحالة الذهاب إلى تصعيد واسع وكبير بوجود المعدات المصرية ومواد الإغاثة المتدفقة عبر معابرها وبواباتها الحدودية، بموازاة  استمرار جهود الوساطة مع إسرائيل لعقد صفقة تبادل أسرى مع حماس. هذا يعني ببساطة تكريس الانقسام بين الضفة وغزة، وإلقاء مسؤوليات هذه الأخيرة على القاهرة نفسها ولو تدريجياً فيما يشبه الوصاية رغم أن معركة "سيف القدس" الأخيرة انطلقت أساساً تحت عنوان نجدة القدس وأهلها ومقدساتها.