الحوار السني العلوي وطبل "محمد قبنض"

2019.03.23 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عندما تحدث عضو مجلس الشعب السوري "محمد قبنض" في جلسة من جلسات المجلس عن أهمية "الطبل والزمر" في المعركة الكبرى التي تخوضها "سوريا" ضد "المؤامرة الكونية"، لم يكن حديثه ناشزا، بل كان عزفا محترفاً على مقام المؤامرة، وتقاسيم تصدي حلف المقاومة والممانعة لها، والذي عزف عليه النظام السوري طيلة مرحلة حكم حافظ الأسد ومن بعده مرحلة حكم ابنه.

هذا المقام الذي سمعه السوريون حتى الملل لعقود طويلة، والذي كانت ركيزته الأساسية الراسخة تتلخص بإبعاد كل ما هو رئيسي، وجوهري، وضروري لتطور المجتمع، ولحل مشكلاته، من أجل إحلال ما هو هامشي، ومخادع محله. مقام "دَبَكَ" السوريون طويلا عليه في حلقات "الصمود" التي كان يخطط لها في دوائر القرار، وأرغموا على تهريج مقيت طال المجتمع كله، وكان طبل "قبنض" وزمره، قائدا هذا الصمود، ومحددا إيقاعه طوال نصف قرن. 

لعلها من المفارقات الفاجعة أن يستمر خطاب مفصوم وبعيد عن الواقع، لا بل يناقضه بتعمد وبمنهجية، بالاستمرار طيلة عقود في مجتمع ما، خطاب يتعمد الابتعاد عن مستحقات ومتطلبات هذا المجتمع، ويزيح كل ما هو أساسي لصالح تكريس تعمية وتغييب المجتمع عن مشاكله.

حافظ النظام على خطابه المتجاهل لحقيقة المشكلة السورية العميقة

منذ أن انفجرت الثورة السورية، والتي تصادف الذكرى الثامنة لها هذه الأيام، حافظ النظام على خطابه المتجاهل لحقيقة المشكلة السورية العميقة، وهرب من مواجهتها إلى افتعال حرب وهمية زج فيها المجتمع كله، ولم يكن هذا غريبا عنه، فهو أصلا غير قادر على مواجهة جوهر المشكلة، لكن الغريب هو انجرار من وقفوا ضد النظام، وثاروا عليه، إلى خطاب لا يختلف بنيويا عن خطاب السلطة وإن اختلفت بعض مفرداته.

منذ أيام نشر الصحفي إبراهيم حميدي مقالا في جريدة "الشرق الأوسط" أثار موجة من ردود الفعل لدى السوريين، وعنونه بعنوان مثير (الحوار السني العلوي يتمأسس ....)، وبعيدا عن أهمية وغاية هذا الاجتماع ومن حضره، ومدى تناسب إمكانياته مع عنوان صاخب كهذا فإن للأمر وجها غير معلن، وهو بالغ الأهمية يجب أن نتمعن في غاياته.

إن مجرد طرح عنوان (الحوار العلوي السني) يأخذنا بداهة إلى التفكير على أنه حوار ديني أو مذهبي، ولا يستقيم تصنيفه ضمن الحوار السياسي، إلا إذا أردنا إخضاع السياسة للدين، فلماذا إذا تم اختيار هذه التسمية له، ولماذا أغفلت تصنيفات أخرى شاركت فيه، ولماذا تجاهل تصريحات المشاركين فيه بأنهم لا يمثلون طوائف أو مذاهب أو قوميات...؟  

يجري العمل لدى أطراف كثيرة داخلية وخارجية لدفع الصراع الدائر في سوريا إلى حقل يغاير تماما الحقل الأساسي الذي انطلقت الثورة منه، وتتولى أطراف دولية العمل في كواليس معتمة على إنجاز حل سياسي يقارب في شكله الصيغة اللبنانية، أو الصيغة العراقية، صيغة تجعل من التصنيفات الطائفية والمذهبية والقومية محددات لها حضورها في صيغة سوريا القادمة.

في هذا السياق لا بد من التساؤل حول حقيقة ما يقال عن التفاوض السري الذي يجري بين جماعة الإخوان والمسلمين والنظام برعاية إيرانية تركية، ولا بد من الانتباه جيدا للإعلان الذي أعلنه نتنياهو مرارا، والمتعلق بهوية إسرائيل واعتبارها دولة يهودية، فهل يجري دفع المنطقة لصيغ دويلات طائفية أو مذهبية أو.. أو.. بحيث تصبح الصيغة اليهودية لإسرائيل صيغة مقبولة ومنسجمة ضمن محيط تتفوق عليه بكل المعايير، ويشبهها فقط في صيغتها؟

إن التطبيل لاجتماع ألمانيا لبعض الأشخاص بشكل سري، وعدم الإعلان عن أسمائهم واتجاهاتهم السياسية، وإطلاق الصيغة الطائفية عليه، قد لا يكون خارج سياق التسويق لفكرة الصيغ الطائفية التي يحكى عنها، وصيغ المحاصصة، وهو بهذا التوصيف فإنه يساهم – متعمدا أو غير متعمد- بشكل أو بآخر، في تكريس اتجاه للحل السياسي في سوريا ليس في مصلحة الشعب السوري، ولا ينسجم أبدا مع جوهر الثورة السورية، أو على الأقل مع الروحية التي انطلقت منها.

لن يكون لمخرجات هذا الاجتماع أي تأثير في الكواليس التي ترتب لحل الصراع في سوريا

في المعلومات التي تسربت من هذا الاجتماع وفي بعض التفاصيل القديمة، وفي وثيقته المعلنة، لن يكون لمخرجات هذا الاجتماع أي تأثير في الكواليس التي ترتب لحل الصراع في سوريا، ولن يكون لنقاطه التي يمكن تبني قسم مهم منها كمحددات لحل سوري يمكن تبنيه من قبل السوريين ويصب في مصلحتهم أي تأثير حقيقي، وسينحصر استثماره في تسويق الصيغة الطائفية، من هنا يأتي التخوف من محاولة تمرير صيغة المحاصصة الطائفية بذريعة الأمر الواقع أولا، وبذريعة أنه أفضل ما يمكن أن يصل إليه السوريون بعد ثمان سنوات من حرب تتفاقم نتائجها الكارثية كل يوم.

إن في الذهاب لصيغة حل يرتكز على محددات طائفية عواقب بالغة الخطورة، فهو عدا عن كونه يؤسس لدولة مفخخة هشة تتنازعها حروب مكوناتها، وعدا عن كونه يعيق قيام دولة المواطنة العادلة والمتساوية والقابلة للتطور، فإنه يفتح الباب واسعا أمام إفلات المجرمين من المحاسبة على جرائمهم، ويعيد تأهيلهم للعب دور جديد سيعيد بالتأكيد إنتاج مافيا جديدة، تعيد سيرة النهب الواسع لمقدرات سوريا، ويعيد سوريا إلى دوامة القمع والتخلف.

أما آن الأوان لإسكات طبول التهريج المخادعة، والإنصات لأنين سوريا العميق والفاجع؟