الحل السياسي ينقذ كل سوري؛ ولهذا يغتاله النظام

2019.03.04 | 00:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ما كان التدخل الروسي في سوريا من أجل إيجاد حل سياسي للقضية السورية؛ الأمر ذاته ينطبق على التدخل الإيراني. كانا التدخلان منسجمين إلى حد التطابق مع الخيار الذي نهجه النظام منذ قرر أن يواجه انتفاضة الشعب السوري بالحديد والنار، تطبيقاً لشعار "أحكمها أو أدمرها". ولو كان ذلك التدخل لإيجاد حل سياسي لما تم أو حتى دُعي أو رُحِبَ به أساساً. مع تطور القضية السورية وارتفاع منسوب الدم والدمار والجريمة التي ولدتها وحشية النظام الأسدي، كان لابد من التدخل الدولي الذي ترافق بتحرك من مجلس الأمن؛ فكان بيان جنيف في العام الثاني من الصراع؛ وعندما استعصى تطبيقه، كانت النسخة الأرخى منه، والتي أُطِلقَ عليها القرار 2254.

كثيرة هي المرات التي تدخَّل فيها مجلس الأمن بالقضية السورية بغية وقف تغوّل النظام بدماء السوريين، إلا أن روسيا كانت تحول دون ذلك عبر الفيتو الذي تجاوز استخدامه العشرة مرات. هذا واستهلكت الأمم المتحدة ثلاثة مبعوثين خاصين للدفع بالقضية السورية سياسياً إلى حل يوقف المأساة؛ وكان البند الأول في القرارات الدولية ذات الصلة "وقف إطلاق النار" الأمر الذي يكبّل النظام وداعميه، ويوقف ذلك المد التدميري الذي حل بسورية وأهلها، لأنهم عصوا نهج النظام الإخضاعي؛ ما جعله يتغول أكثر بالجريمة من قتل وتدمير واقتلاع واستخدام للأسلحة المحرمة.

وكلما ضغط المجتمع الدولي تجاه تطبيق قراراته، سعت موسكو لابتكار مخارج إجهاضيه، وخاصة في الجزء المتعلق بوقف إطلاق النار. كان الابتكار الأول للخلاص من المسار

كي يتم الاجهاز على مسار جنيف السياسي بالمطلق، سعى الروس إلى إضافة بعد سياسي لأستانا ذاتها، وحدث ذلك عندما دفعوا بمسودة دستور في إحدى جولات أستانا

السياسي في جنيف هو خلق مسار جديد في /أستانا/ تحت يافطة أن "مسار جنيف" بلا جدوى، وكان تركيزها الأساسي على إجهاض وقف إطلاق النار المذكور كبند أساسي في القرارات الدولية. فبعد اتفاق أنقرة 2016، الذي رعته روسيا وتركيا، بدأ أستانا وخرج بفكرة جهنمية سماها الروس "مناطق خفض التصعيد"، وكانت مهمة النظام- وبدفع إيراني، وحتى روسي- إعادة السيطرة على تلك المناطق واحدة بعد الأخرى. وكي يتم الإجهاز على مسار جنيف السياسي بالمطلق، سعى الروس إلى إضافة بعد سياسي لأستانا ذاتها، وحدث ذلك عندما دفعوا بمسودة دستور في إحدى جولات أستانا، كجزء من سعيهم إلى إفراغ القرارات الدولية - التي تجلب حلاً سياسياً لسوريا - من مضمونها عبر تكثيف القضية السورية بكتابة أو تعديل دستور. وعندما عجزت أستانا عن حمل هذه المهمة قدمت موسكو إبداعاً جديداً تمثل بعقد /مؤتمر سوتشي/ الذي كان تشكيل " لجنة دستورية" أحد مخرجاته. ولما كان أي حل سياسي للقضية السورية ليس موضع قبول من النظام وداعمته العضوية إيران، ولما أظهرت موسكو جدية - على الأقل إعلامياً - تجاه العملية السياسية الدستورية، عبّر نظام الأسد عن رفضه لبيان سوتشي، وأخرج بياناً ختامياً لمؤتمر سوتشي حسبما أراد نتائجه؛ إلا أن الروس زجروا خطوته تلك، على الأقل وحبر بيان سوتشي الأصلي لم يكن قد جف بعد كي يُرمى جانباً.

 أكثر من عام مر على قرار تشكيل لجنة دستورية، ولا تزال تنتقل من غرفة عناية مشددة إلى أخرى؛ وها هي الآن لا تجد حماساً لها من مبتدعيها إلا في الاعلام؛ فها هو رأس النظام يقدم خطبة عصماء يعتبر تلك القائمة التي رفعها للروس لتكون الثلث المخصص للنظام على أنها تحمل "وجهة نظر الحكومة السورية" ويعتبر أي جهة أخرى ستشترك بها عميلة مشغلة من الخارج وتحمل وجهة نظر الأعداء؛ ولكن بعد إحاطة المبعوث الدولي أمام مجلس الأمن في السابع والعشرين من شباط 2019، يسمعنا بشار الجعفري ممثل النظام أن "بلده" يرحب بجهود المبعوث الدولي وسيتعاون بخصوص اللجنة الدستورية.

ومن جانب روسيا تصرح بأن الإعلان عن تشكيل اللجنة بات قاب قوسين، هناك خمس قضايا ذكرها المبعوث الدولي الجديد السيد "غير بيدرسن " في إحاطته أتى بند "اللجنة الدستورية " رابعاً بينها، وهذا يعطي إشارة بأن الموضوع الذي جعلته موسكو أولوية وسعت إلى الدفع به - اللجنة الدستورية - قد أضحى ثانوياً ، ولم تبد موسكو أي استنفار تجاه ذلك، بل ربما سرها ما يحدث، ولكن المبعوث الدولي الجديد أعاد ترتيب

قد نشهد في الفترة القادمة محاولات مستميتة لإعادة خنق أي حل سياسي من قبل النظام وداعميه.

الأولويات في إحاطته والتي احتوت خطة عمل ترتكز على كل بنود القرار 2254 وليس فقط "اللجنة الدستورية "كما أرادت موسكو في نهجها التكتيكي الانتقائي، كما أنه أعاد طرح مسالة "الحوكمة "أو "الجسد السياسي الانتقالي" إلى التداول وهو الأمر الذي يوفر البيئة الآمنة المطلوبة لحكم أو دستور أو انتخابات .

ومن هنا - ورغم الترحيب الجعفري – قد نشهد في الفترة القادمة محاولات مستميتة لإعادة خنق أي حل سياسي من قبل النظام وداعميه. ولكن تبقى موسكو بحكم يدها الأعلى بالنسبة للنظام أمام أحد خيارين: إما أن تستمر بتكتيكاتها التي تنفذ بها إرادة النظام المريضة بقتل أي فرصة لحل سياسي، أو أنها تختار الالتزام والدفع بقرارات دولية هي ذاتها شاركت في صياغتها نحو التطبيق. هكذا يمكن أن تنجز حلاً سياسياً في سوريا، الأمر الذي لا تتوقف عن الحديث عنه، هكذا ستجد كل الأيادي المتدخلة بالشأن السوري أن لا خيار أمامها إلا أن تسير وتتساير مع هكذا خيار روسي. جولة "لافروف" القادمة في المنطقة، وعناية /الكرملين/ المباشرة والحصرية الآن، إضافة إلى العبث الإيراني بأن "الأسد" من ممتلكاتها الخاصة تشير إلى وتدفع باتجاه مقاربة روسية مختلفة. فهل يكذب الماء الغطاس؟