"الحسناء والوحش": الحبُّ والرعبُّ

2022.11.05 | 05:32 دمشق

"الحسناء والوحش": الحبُّ والرعبُّ
+A
حجم الخط
-A

ظهرت الفنانة المصرية مرفت أمين في عزاء المخرج علي عبد الخالق، حزينة مطرقة آفلة، من غير دهون أو أصبغة أو فلاتر، وقد أقمر ليلها وطفح كيلها، وكانت تستطيع أن تتقنع بالكمامة، فإما أنها كانت حزينة على مخرج فلم: "الحب وحده لا يكفي"، وإما شهادة الواجب والحق، فالحزن على رأس الميت، ولا تنفع معه التمائم والأصبغة.

سُرقت صورتها، ليس من غرفة نومها، وليس من مشهد "جريء" من فلم مثل "مرجان أحمد مرجان". وتداولت الصحافة والناشطون الصورة الكسيرة، وانبرى كثيرون مدافعين عنها، وقالوا إنَّ الكاميرا غدرت بها، واثّموا تصويرها من غير بلاغات التجميل وأسجاع التحسين، فقال القائل: وي، كأنَّ صورتها الطبيعية عورة! وكذلك كان حال فنانة السباجيتي، التي ظهرت في بلاد الحرمين، ملسوعة من الواوا، تبوسها حتى تبرد، فهي لا تشبه هيفا التي عرفنا، فهي تبوسها بشفتين إفريقيتين مكتنزتين، وكنا نظنَّ أن حرقة الواوا قد بردت بتعاور الأيام، وكان لها مجد وسلطان، لكن عيد الهالوين شفع لها وأعادها إلى النجومية ومدارج الترند، في عيد الإرعاب بعد القضاء على الإرهاب، والرعب – والشرطة - في خدمة الشعب.

عرفنا فلاتر الصورة، وفلاتر الصدق والأمانة والإخلاص عند الرئيس المصري، وفلاتر القوانين، وفلاتر الدستور، وفلتر اليمين والإيمان، وفلاتر الزيّ العسكري، وهي شائعة في أصول الحكم شرقا وغربا

 وإذا كانت ثمة فنانات أسرفنَ في استخدام الفلاتر، وحقن التجميل، حتى تغيّرت ملامحهنَّ، من غير وقوف على الأطلال، فلم نعد نعرفهن، بعد توهم، إلا من بصمة اليد أو العين وشاهدين عدلين وختم المختار. فإن رياحا كثيرة عصفت بالديار، وعاد الملوك إلى عروشهم، كأنَّ حالا قد ثبت، وهو أنَّ القناع هو الأصل، وأنَّ من يشير إلى أخطاء في إملاء الجمال السياسي ونحو الحسن الفنيّ اتهم بأحدث الجنايات وهي: التنمر. الأصل هو التفؤر.

الفلاتر التجميلية أنواع، بعضها فلاتر صحة وبعضها فلاتر سياسة وولاية، أشهرها فلاتر الدخان، وفلاتر الماء العكر، ثم عرفنا فلاتر الصورة، وفلاتر الصدق والأمانة والإخلاص عند الرئيس المصري، وفلاتر القوانين، وفلاتر الدستور، وفلتر اليمين والإيمان، وفلاتر الزيّ العسكري، وهي شائعة في أصول الحكم شرقا وغربا.

رأى كثيرون أنَّ السعودية وهي متنكرة في هيئة الوحوش والموتى المبعوثين من القبور، قبل القيامة، واستضافة نجمة السباجيتي، وإقامة مهرجان أقنعة الرعب والاحتفال بالهالوين، وهو عيد غربي؛ تثور على ميراثها، والحق أنَّ النظام صدق، فقد ظهر من غير أقنعة دينية، على دينه الحقيقي، وهذا هو الوجه الذي تريده لنفسها وقد كشف ولي عهدها "الجريء" نيوبه من وراء البسمة، لقد نزعت ثورات الربيع العربي المنكوبة الأقنعة عن وجوه الزعماء العرب.

سقط قناع العروبة عن بشار الأسد، فسخر من بني أمية وأخلاق البادية العربية، وظهرت فصاحة الرئيس المصري، ومباهج ولي العهد السعودي، وفروسية ولي عهد أبو ظبي العسكرية. استهلكت فلاتر دينية وفنية كثيرة، في هذه المصانع، واستغني عن كثير الأقنعة، فتلف قناع المفتي أحمد حسون في سوريا، واستهلكت مدينة الأحلام الإدارية في مصر، وغرقت ناقلات في ترعة السويس، واقتيد جورج نادر إلى السجون الأميركية، واختفى طالب إبراهيم وشريف شحاتة في ظروف غير غامضة، وشاخت بثينة شعبان.

سقطت كثير من الأقنعة، لكن جعبة الحاوي السياسي كبيرة مثل أرصدته المصرفية، ومليئة بالمفاجأة وكيود السحر.

عجزت مرشحات دولة عظمى مثل روسيا وإقليمية مثل إيران، ودول عربية كبيرة مصر والإمارات والجزائر عن تجميل وجه الرئيس السوري وإعادة استئناسه، وأخفقت في فلترة قبحه ودعوته إلى الجامعة العربية، إلى الآن على الأقل، وكانت قد مهدت الطريق لدعوته بترحيل اللاجئين السوريين إلى الصحراء. القمة العربية أكبر مصنع من مصانع التجميل السياسي المعروفة. وهو أسوأها أيضا، فهم يعرضون خطبا من العصر الطباشيري من غير شعور بالخجل. وأفضل معروضاتهم هي نومهم في القمة، وهو من أفضل القربات إلى الله.

 لم يعبر الأسد مسام القمة العربية، رغم جهود الجزائر التي كانت تريد تمريره عبر القمة ونشره من جديد تحت الشمس حتى تجفّ من الدماء، وتكسب صوتا لصالحها في القمة. ويجتهد إعلام دولة كبيرة مثل مصر، بفنانيها وسحرتها في توسيم وجه عندليبها الذي أغرق شعبها في الأوهام، ويناوب في لعب ورين: الحسناء غالبا والوحش أحيانا.

أفضل الأصباغ التي استعملها الزعيم العربي في تحسين وجهه هي حمرة الدماء، وأقوى فلتر استخدم هو فلتر السيف، عندما تعجز آلات التجميل الإعلامي تستعمل السلطات السيف في البرهان وإقناع الرعايا بحُسن الزعيم وجماله وكماله.

إن الفن، والدين، والخطابة، والصورة الحسنة، من أكثر الفلاتر التي تستخدمها الطغاة في تحسين وجهها، شغلنا أياما بمرض المطربة شيرين، وخبر طلاق سلاف فواخرجي، وهاني شاكر في دمشق (المصنّف في طائفة الحسناء).

هناك قبح لا تنفع فيه فتاوى شيوخ السلاطين ولا حسن جمال الفنانين. ثمة أمر جديد وهو أنّ وحوشا رفعت وحوشا، حتى حنَّ الشعوب إلى الملوك السابقين

لكل وحش حسناء، ووحوشنا لهم حسناوات كثيرات، لكن الفرق بين حسناء الوحش في الحكاية الشهيرة وبين حسناوات الزعماء أنَّ حسناء الحكاية أعادت الوحش إلى هيئته البشرية، بينما تجاهد حسناوات الوحوش العرب في تحسين صورة وحش يزداد وحشية، من جهة، ويحتجن إلى تحسين من جهة أخرى.

هناك قبح لا تنفع فيه فتاوى شيوخ السلاطين ولا حسن جمال الفنانين. ثمة أمر جديد وهو أنّ وحوشا رفعت وحوشا، حتى حنَّ الشعوب إلى الملوك السابقين. وأنَّ الصورة الحسنة للزعيم العربي تحتاج، إلى خبز وسكر وكهرباء وهي مفقودة في ثلاث دول عربية.

كانت الحسناء أحد أهم أدوات التجميل المعروفة، يطرق الطاغية على مسمار الحب بمطرقة الرعب، لكن تجميل الوحشِ للوحشِ أبلغ وأمضى. خذ مثال الأسد وأخيه الوحش رفعت، السيسي وجمال مبارك الذي عاد أنيسا جميلا، السيسي ومرسي، فالضعف وحش أيضا كما في حالة مرسي..

الحبُّ وحده لا يكفي، لذا يجمع الطغاة بين وجهي: الحسناء والوحش والوحش والوحش، في تغطية النعش، وتثبيت أركان العرش.