الحريري إذ يواجه السنيورة.. إلغاء السنة ومصادرتهم

2022.03.19 | 05:14 دمشق

doc-p-927964-637823164649344882.jpg
+A
حجم الخط
-A

في غمرة الحرب الروسية على أوكرانيا ووسط الرماد المنبعث من كييف وخاركيف والتي لفت بسوادها المدقع سماء أوروبا الحذرة، ثمة أطراف لبنانية تعيش حروبها الصغيرة والبائسة والتي وصلت عند البعض لحد مصادرة ساحات سياسية ومكونات وطنية وسجنها في ثنايا أزماتها الشخصية وإفلاسها الشعبي والنخبوي.

وهذا الإفلاس يتجسد اليوم بشخص الرئيس سعد الحريري والذي يسعى لتطويق مساعي رؤساء الحكومات السابقين وتحديدا الرئيس فؤاد السنيورة لسعد ثغرة غياب تيار المستقبل عن المشهد السياسي باعتبار أن غياب المكون السني عن اللعبة السياسية سيعزز حضور حزب الله واختراقاته في الشارع السني وسيفقد التوازن الوطني القائم على مشاركة السنة كطائفة مؤسسة للدولة الوطنية ومعززة للدولة المركزية اللبنانية.

ولا يمكن فصل المسارات السياسية التي تكبدها السنة في لبنان منذ قيام الحريري بالتسوية الرئاسية والإتيان أولاً بميشال عون رئيساً للجمهورية ومن ثم تسليم مواقع الدولة التي كرسها الدستور للمكون السنة وإهداؤها لجبران باسيل والسكوت المستمر وتغطية نشاط حزب الله في المساحات العربية والموافقة على قانون انتخابي عزز حضور حلفاء إيران والنظام السوري على حساب أغلبية اللبنانيين الرافضين لمشروع الشرق الذي لطالما طالب حسن نصر الله اللبنانيين بالالتحاق به والتوجه لعقد شراكة مع دوله المفلسة، وكل هذا الأداء السياسي معطوف على تنازلات أخرى أدت لهذا الحضيض الوطني والمؤسساتي.

وعليه ورغم كل المعوقات التي يضعها الحريري في طريق السنيورة، يستمر الأخير في محاولته إيجاد مساحات انتخابية للمرشحين في بيروت وطرابلس والبقاع والجبل، وهذا الأداء ليس ابتداعاً من السنيورة وفقاً لمتابعين ومراقبين بل إنه أحاط حراكه الانتخابي بغطاء محلي بالشراكة مع وليد جنبلاط وسمير جعجع وحزبيهما، معطوف على إشارات تلقاها من دول عربية وتحديداً السعودية التي التقى مسؤولين فيها خلال زيارته لباريس حظي خلال اللقاء بمباركة شبه رسمية لنشاطه السياسي من المملكة، إضافة إلى أن الرجل الذي تلقى اتصالين من السفير السعودي في لبنان وليد بخاري ومن ثم نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، كان قد تواصل مع دول خليجية كالكويت وقطر إضافة إلى مصر ليحظى بغطاء عربي يسهل تحركه في المساحة التي تركها الحريري للفراغ.

والسنيورة ومعه كل الممتعضين من تصرفات الحريري باتوا مدركين بصورة عامة أن ما يفعله سعد الحريري هدفه من ذلك القول للسعودية التي أخرجته من المعادلة السياسية أن غيابه عن لبنان يعني غياب المكون السني ومقاطعته وسيطرة الحزب وحلفائه على لبنان وأنه بوجوده في المعادلة يعيد التوازن الوطني والطائفي، وهذا الخيار يعتبره معارضو خطوة الحريري غير منطقي نتيجة أن السعودية انسحبت من لبنان وبات عقلها ووجدانها في حل أزمات أخرى كالملف اليمني الذي يسبب نزفاً يومياً للسعودية بالإضافة للعلاقة مع الأميركيين وانعكاسات غلاء النفط والتلويح بقطع الإمدادات عن الدول نتيجة حرب أوكرانيا أما الملف اللبناني ليس أولوية سعودية ومواقف الحريري لن تجذب السعوديين بل ستؤكد على خياراتها أن الحريري لم يعد أهلاً لقيادة الشارع والدولة والطائفة.

بالمقابل لا يمكن إغفال العوامل الكثيرة والتي باتت تتحكم بأي قرار سيتخذه أي مكون سني في ظل الضغط الذي يمارسه الحريري وفريق عمله على المرشحين للانسحاب وعدم تلبية دعوة السنيورة للترشح، فيما شخصيات أخرى كالرئيس نجيب ميقاتي تنطلق من حسابات مختلفة وعلى الرغم من رفض ميقاتي لدعوة الحريري بالمقاطعة كان ميقاتي من أوائل من حشدوا الحشود السنية لرفض هذا الموقف بالوقوف خلف مفتي الجمهورية الرافض لترك الساحة للحزب والطارئين على اللعبة السياسية وفي ظل تشتت قوى الثورة والتغيير في الشارع السني.

وميقاتي الذي لم يعلن حتى اللحظة أنه مرشح ويقوم بترك الأمور حتى اللحظات الأخيرة لكن الأساس الذي ينطلق منه الرجل هو مساران لا ثالث لهما، فإما خوض المعركة الانتخابية بشخصه، أو اللجوء إلى دعم لائحة مؤيدة له وتدور في فلكه السياسي، وفي حال قرر ميقاتي عدم الترشح، يكون ذلك لاحتمال من اثنين. إما أن الرجل لا يريد خوض المعركة، طالما أنه رئيس حكومة وقد يعود هو إلى رئاسة الحكومة في ظل عدم توفر بديل جدي تقبل به كل الأطراف، أو أنه تلقى نصائح خارجية بعدم الترشح ويريد الالتزام بها، ويكمن حرصه الحقيقي في العودة لطاولة مجلس الوزراء. خصوصاً أنه في حال خاض الانتخابات قد لا يحصل على كتلة كبيرة. وقد يكون هناك شخصية تمتلك كتلة سنّية أكبر من كتلته، وحينها سيصبح من الصعب عليه ترؤس أي حكومة.

وهناك عوامل سنية لا يمكن القفز فوقها بسهولة وهي أن مساعي السنيورة لتشكيل لوائح انتخابية لا شك أنها تسهم في إراحة الجو السني الوطني الرافض لترك البلاد عرضة لتحكم حزب الله ونظام بشار الأسد والذي عاد للعب أدوار في لبنان عبر تسمية مرشحين والتدخل لصالح بعض الأسماء المقربة منه لضمها للوائح انتخابية وهذا الأداء للنظام البعثي يحرك السنة للاقتراع بكثافة إما للوائح السنيورة أو لتكتلات المجتمع المدني والثورة والتي اجتمعت منذ أيام مجموعاتها الرئيسية واتفقت على خوض انتخابات بلوائح موحدة وواضحة.

 وهناك خوف دولي وعربي أيضاً من أن غياب المكون الوطني في الشارع السني قد يفتح المجال لوجوه متطرفة سياسياً ودينياً وخاصة بعد تجربة الإسلام السياسي والتي كبدت الربيع العربي أثماناً باهظة بدأت بفوز الإخوان وانتهت بالانقلاب عليهم ونشوء تيارات متطرفة خارجة من رحم تنظيماتهم، لذا فإن هناك رغبة بمشاركة سنية واسعة تشمل كل القوى حتى الإسلامية منها في مظلة تتيح فرض ظروف أفضل في ظل التحولات الجارية في العالم والمنطقة ومع اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران والذي في حال فشله فإن حرباً إسرائيلية – إيرانية قد تطحن الإقليم.

فيما يعزز حزب الله وضع حلفائه السنّة لتشكيل كتل نيابية متحالفة معه، بالتنسيق مع نظام الأسد ولا تخفى محاولات النظام السوري التدخل في عدة دوائر سنية، لإعادة إنتاج نواب موالين له في المجلس النيابي. ولكن أي دور للمحسوبين على النظام السوري في لبنان، لا بد من موافقة حزب الله عليه، حسب قواعده وموازين القوى السياسية، وهذا ما يشعر الممتعضين من قرار الحريري أنه يضرب السنة في جوهر حضورهم وفقاً لهوى شخصي وهذه المرة قد تكون آثارها ممتدة لسنوات طويلة لا يمكن الخروج منها بسهولة.