icon
التغطية الحية

الحركات الإسلامية في سوريا من الأربعينيات حتى نهاية عهد الشيشكلي

2022.03.10 | 10:56 دمشق

4474747444747474747474747777477774747474777747474.png
كتاب "الحركات الإسلامية في سوريا"
أحمد العربي
+A
حجم الخط
-A

يعد كتاب الحركات الإسلامية في سوريا من بين الكتب المهمة التي ألفها باحثون أجانب عن الحالة المجتمعية السورية في أواخر العهد العثماني وما تلاها من الانتداب الفرنسي، حتى مرحلة الاستقلال وحكومات ما بعد الانقلابات العسكرية حتى نهاية فترة انقلاب أديب الشيشكلي.

وركّز كتاب "الحركات الإسلامية في سوريا من الأربعينات حتى نهاية عهد الشيشكلي" لكاتبه "يوهانس رايسنر" على الظروف الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية للحراك الوطني في سوريا، والذي أدى بدوره إلى بروز التنوع السياسي السوري مركزاً على الحالة الإسلامية بتنوعها وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.

هذا الكتاب الذي نُشر كـ "أطروحة دكتوراه" بما يحمل من موضوعية علمية وجهد بحثي، أراد الباحث من خلاله أن يقوم بحفريات معرفية عن الواقع السوري، خاصة أنه طبع في ثمانينيات القرن الماضي أيام الصراع السياسي والعسكري بين الطليعة المقاتلة المتصلة إلى حد ما بجماعة الإخوان المسلمين ضد النظام السوري، ومشاركة القوى الوطنية الديمقراطية والنقابات المهنية في مواجهة استبداد وظلم النظام السوري.

تُرجم الكتاب بعد 25 عاماً (ترجمة محمد إبراهيم الأتاسي)، كمؤشر على واقع سوريا، لم تنته حراكه ولم تحل مشكلاته، وحصلت بعد نشره بسنوات ثورة الشعب السوري في ربيع عام 2011.

  • التطور الاجتماعي وحركات التحرر 

بدأ الكتاب في دراسة المجتمع السوري من مرحلة ما قبل سقوط السلطنة العثمانية حيث كانت قد تغلغلت المصالح الغربية عبر التجارة والمصالح المختلفة وحصول الامتيازات، كما اقترن ذلك مع بداية تغلغل الفكر الليبرالي والفكر الشيوعي وكذلك التجديد الديني في بلاد الشام. 

وتعمق الكاتب وفصّل كثيراً في واقع البنية المجتمعية الاقتصادية لسوريا في عهد الانتداب. سوريا التي كانت ما زالت تسيطر عليها طبقة من المتنفذين الإقطاعيين والرأسماليين الذين كانوا يتحكمون في اقتصاد البلد وكذلك في حراكه السياسي. 

وحصل تطور اقتصادي داخل سوريا حيث ظهرت المكننة في الزراعة والصناعة، وبدأت المهن الحرفية بالتطور وظهور طبقة عمال، كما بدأت بالنمو التدريجي، ثم رافق ذلك ظهور نقابات عمال متعددة ومتنوعة. 

وفي الوقت ذاته نمت طبقة صغار كسبة تزاحم الملاك والرأسماليين في الحراك الاقتصادي وفي النظر لكيفية التغيير وممارسة النشاط الاقتصادي والسياسي، إلى جانب تطور التعليم واعتماد الأسلوب الحديث على النهج الأوروبي وفُتحت المدارس والجامعات. 

وفي تلك المرحلة تم اعتماد القانون المدني الذي أخذ من القانون الوضعي الفرنسي وكان في الأصل متأثراً بالقانون المتطور العثماني المسمى "المجلة".

كما بدأ يظهر دور علماء الدين الإسلامي سواء في التجديد الإسلامي أو في مواجهة مستجدات الحياة.

وفي المقابل ظهرت دعوات فكرية متأثرة بالفكر الليبرالي الغربي والشيوعية والقومية العربية مثل حزب البعث والعربي الاشتراكي، وقبلهما ولادة الحزب الشيوعي السوري.

وفي ظل ذلك، بدأت الدعوات التجديدية الإسلامية بالظهور متجاوزة الحالة الصوفية والمشيخية التقليدية، وطرح التحزب السياسي متأثراً إلى درجة كبيرة بالإخوان المسلمين المصريين، الأمر الذي أدى إلى تأسيس حركة الإخوان المسلمين في سوريا ما حمل أدواراً أكبر وتأثيرات مهمة في تلك الفترة.

maxresdefault_1.jpg
مصطفى السباعي مؤسس الإخوان المسلمين في سوريا

 

  • تأسيس الإخوان المسلمين في سوريا

لقد كان لانهيار السلطنة العثمانية وتحرر بلاد الشام دور في ظهور دعوات فكرية متعددة، وتشكل دعوات تجديد ديني في سوريا متأثرة بمحيطها العربي، سواء الدعوة السلفية الوهابية أو الإخوان المصريين.

أتم مصطفى السباعي دراسته في القاهرة والتقى بحسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين وتأثر به وبجماعته، وكان له دور في نشر أفكار وعقيدة الإخوان والاستقطاب لهم في سوريا. بحيث أصبح الطرح الإخواني حاضراً ومؤثراً في كثير من الجمعيات ذات الطابع الديني التي ظهرت وانتشرت في أغلب المدن السورية، وكان من رموزها إضافة إلى السباعي محمد المبارك ومعروف الدواليبي وآخرون. 

استفاد الدعاة الإخوان من الأجواء شبه الديمقراطية التي أتيحت في عهد الفرنسيين ودخلوا في غمار صراع وتحالفات مع الآخرين، بحيث حاربوا الطرح العلماني والشيوعي، وانتصروا للإسلام معتبرين أنه "صالح لكل زمان ومكان، وأنه دين ودولة". 

ووصل التنافس بينهم وبين الشيوعيين إلى حالة من الصراع المباشر بين المناصرين للطرفين في حمص. 

دخل الإخوان المسلمون العملية الديمقراطية السورية وحصلوا على بعض المقاعد في البرلمان، وكان لهم دور في كتابة الدستور السوري، مصرين على اعتبار الإسلام دين الدولة السورية، إلى أن وصلوا إلى تسوية مع الأطراف السياسية الأخرى أن يكون "الإسلام" دين رئيس الجمهورية، وأن يعتمد الفقه الإسلامي مصدراً أساسياً للتشريع في القانون السوري.

وكان الإخوان المسلمون من بين الذين يعبرون عن آمال ومطالب صغار الكسبة الذين بدؤوا يصنعون أفكارهم السياسية في مواجهة طبقة الإقطاعيين وأصحاب الأملاك والرأسمالية التجارية.

وظهرت أفكار الإخوان المسلمين في خطبهم وصحفهم المنشورة التي تقدمتها صحيفة "المنار"، والتي أكّدت مبدأ "الشورى، ومرجعية المبدأ بما يخدم الصالح العام" إلى جانب الإشارة إلى مقاصد الشريعة "بحفاظها على الدين والمال والعرض والنفس والعقل".

وكانت تلك الفترة مرحلة مهمة للتأكيد على انفتاح "الإخوان المسلمين السوريين على التنوع الديني والطائفي، مع أخذ الظروف الاجتماعية بعين الاعتبار في أثناء تفكيرها في تطبيق الحدود الشرعية".

  • الإخوان في المعارضة

استقلت سوريا وخرج الفرنسيون من البلاد عام 1946، وبدأت القوى السياسية تحضيراتها للانتخابات عام 1947 حيث تنافست واختلفت جماعة الإخوان المسلمين مع الحكم الجديد؛ الذي أراد تثبيت هيمنة الطبقة السياسية الإقطاعية الرأسمالية، فشكلت حزبين "الوطني" و"الشعب" وأصبحا مهيمنين على الحراك السياسي وعلى البرلمان.

وفي الوقت نفسه، خاض الإخوان صراعاً مع الشيوعيين ضد مشروع سوريا الكبرى الهاشمي، وشنت حملة شعواء على الطبقة السياسية وعلى قيادة الجيش بعد هزيمة 1948، التي تلت إعلان ولادة "إسرائيل".

انتقادات تلك الحرب والأجواء السياسية المشحونة دفعت حسني الزعيم للقيام بأول انقلاب عسكري تشهده سوريا (والدول العربية) عام 1949 بدعم أميركي، لمواجهة الانتقادات والفشل، وتمرير اتفاق خط التابلاين النفطي مع أميركا، وتسبب الانقلاب العسكري بتخريب العمل الحزبي والديمقراطية في البلاد إلى جانب حظر جماعة الإخوان المسلمين أيضاً.

 

download (1).jpg
أديب الشيشكلي
  • من اشتراكية الإسلام إلى الحياد

لم يدم حكم حسني الزعيم طويلاً، حيث انقلب عليه سامي الحناوي، ثم انقلب على الأخير أديب الشيشكلي، الذي حل البرلمان ومنع العمل الحزبي ومنهم الإخوان المسلمون.

في تلك الفترة طرح مصطفى السباعي مؤسس الإخوان المسلمين في سوريا، كتابه الشهير "اشتراكية الإسلام" في مواجهة الرأسمالية والشيوعية، وأكّد على مركزية العدالة الاجتماعية في الإسلام. 

كما أنه اصطدم مع حكومة خالد العظم بشأن الدستور وأن دين الدولة الإسلام، وناصر مفهوم الحياد تجاه القوى العظمى الغربية والسوفييت، كما حارب التقارب مع الهاشميين وانتصر للتقارب مع مصر والسعودية.

وفي فترة انقلاب أديب الشيشكلي وتعطل الحياة الديمقراطية، انتقل الإخوان المسلمون وحزب البعث والحزب العربي الاشتراكي والقوميين السوريين إلى طور جديد من حراكهم السياسي، في محاولة للعودة إلى نشاطهم السابق.

  • إسقاطات على الواقع

يقدم كتاب "الحركات الإسلامية في سوريا" إطلالة على مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ البلاد، وعن حركة الإخوان المسلمين أيضاً. وأكدت تلك المرحلة أن الإسلام مكون صميمي في الشعب السوري وأن التعامل معه بالنفي أو التبني الأعمى أو بمنطق الاستثمار السياسي المصلحي لبعض الأطراف ستكون له نتائج سلبية على الطرح الإسلامي ذاته وعلى الدولة والمجتمع. 

وإننا منذ ذلك الوقت إلى الآن نحن بأمسّ الحاجة إلى التنوير الديني، وأن نتصالح مع العصر والعلم وأن نمنع استغلال الدين ليكون مطية بيد الحكم المستبد أو الحركات التي تستبيح حرمات الناس وتدّعي أنها "تطبق شرع الله" مثل تنظيمات "داعش" أو "القاعدة"

ولا شك أن العبر التاريخية تؤكد أهمية العودة لمفهوم السياسة بصفتها شأناً عاماً يهم كل أبناء المجتمع بكل عقائدهم وتنوعهم وأن المصلحة المعتبرة لعموم الناس الممكنة معرفتها علمياً وبآلية ديمقراطية مضبوطة يجعلنا أقرب لما يجب أن نعيشه في حياتنا، ونعيش حياتنا الأفضل فعلاً.