الحرس الثوري إرهابي: كيف ستتصرف أنقرة؟

2019.04.14 | 00:04 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قال وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو، إن القرار الأميركي في إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن "لائحة المنظمات الإرهابية " ليس مفهوما ومتناقضا ومن شأنه أن يؤدي إلى عدم الاستقرار في منطقتنا. واشنطن "تتناقض مع نفسها عندما تتعاون داخل سوريا مع منظمة تعتبرها إرهابية في الوقت الذي تصدر فيه قرارات أحادية الجانب باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية وتحاول فرض القرار على دول العالم ".

هل هدف واشنطن هو الاكتفاء بدفع إيران لتغيير سلوكها ومواقفها وسياساتها فقط؟ ولماذا تلتزم أنقرة بقرارات واشنطن وإعطائها ما تريده والإدارة الأميركية تفعل كل ما بوسعها لضرب مصالح أنقرة الإقليمية وإطلاق يد إسرائيل التي تحتل الأراضي العربية؟

وهل سيصل التوتر الأميركي الإيراني إلى درجة المواجهة المباشرة في العراق وسوريا ولبنان ومنطقة الخليج؟ وهل ستتزايد عملية الاصطفافات الإقليمية التي ستجمع إسرائيل وبعض العواصم العربية جنبا إلى جنب ضد إيران هذه المرة؟

هل هذه هي استراتيجية واشنطن الجديدة لجذب تركيا إلى صراع يفتح الطريق أمام أميركا للانخراط بشكل أوسع في الشرق الأوسط؟ وما الذي ستفعله أنقرة التي تعاني من تدهور علاقاتها مع أميركا وإسرائيل وهذه العواصم التي تنسق مع تل أبيب تحت عنوان التصدي لسياسات إيران الإقليمية؟

أنقرة التي لا تصوب سياسات إيران وحرسها الثوري والميليشيلت المتحالفة معها في المنطقة وخصوصا في سوريا رأت أن قرار الإدارة الأميركية الأخير لن يعالج المشاكل ويعتبر قرارًا أحاديًا البديل الوحيد عنه هو الحوار.

الواضح هو أن تركيا التي دخلت أكثر من مرة كوسيط على خط الأزمات بين إيران والغرب ترى في التحرك الأميركي الأخير خطوة تصعيدية سيكون لها ارتداداتها السلبية الكثيرة على أوضاع المنطقة. وأن أنقرة التي دعت طهران أكثر من مرة لمراجعة سياساتها التصعيدية الإقليمية خصوصا في سوريا،  تدرك أن القرار الأميركي يهدف لزيادة حجم التباعد التركي العربي في ملفات إقليمية كثيرة يتقدمها الملف الإيراني. والواضح أيضا أن تركيا لا تريد أن تكون جزءا من المشروع الأميركي الجديد الهادف لإشعال الحروب في المنطقة لتوسع واشنطن من نفوذها وسيطرتها على الملفات.

واشنطن تريد مواجهة إيران والحرس الثوري عبر تحريك أوراق إقليمية باتجاه التصادم المباشر

واشنطن تريد مواجهة إيران والحرس الثوري عبر تحريك أوراق إقليمية باتجاه التصادم المباشر ليس أكثر. المواقف التركية كلها تتقاطع عند استنتاج أن واشنطن تريد الإيقاع بين أنقرة وطهران وبين طهران والعديد من الدول العربية في صراع يفتح الطريق أمام إسرائيل لتتوسع وتنتشر وتهيمن أكثر فأكثر. واشنطن تحاول استدراج الجميع في المنطقة نحو لعبة الحديد والنار.

ترامب تبنى هذا الخيار بعدما شعر أنه فشل في إقناع أنقرة بتبني مراجعة جذرية لسياستها الإيرانية وهو يريد أن يدفع الأتراك أيضا ثمن تمسكهم بالجار الإيراني عبر الايقاع بينهم وبين دول المنطقة الأخرى. أنقرة تعرف أن هدف ترامب هو دفعها نحو الخيار الأصعب بعدما فشل في جرها إلى محور العداء لإيران وخطة التحرك الإقليمي ضدها. لكن واشنطن وفي أعقاب زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى تركيا وحديثه حول أن "إيران ترى أمن واستقرار تركيا من أمنها واستقرارها "، والتقارب والتنسيق التركي الإيراني في شمال العراق والأزمة الخليجية وتفاهمات أستانة  والتنسيق على جبهة التصدي لسياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة تعرف أيضا استحالة استهداف التقارب التركي الإيراني بمثل هذه البساطة.

أنقرة تذهب نحو تحديد خياراتها المتعارضة مع حسابات واشنطن في الموضوع الإيراني، لأنها شعرت بأن إدارة البيت الأبيض هي الأخرى، حدّدت سياستها الجديدة، من منطلق ضرب التقارب التركي الإيراني. واشنطن وضعت أمام أنقرة معادلة أن التقارب التركي الأميركي لا بد وأن يرافقه التباعد التركي الإيراني ويبدو أنها لم تصل إلى النتيجة التي تريدها في هذا الخصوص.

واشنطن تريد عبر هذا القرار المقايضة مع العديد من العواصم والمساومة على توسيع نفوذها هي وشريكها الإسرائيلي إقليميا. ما الذي يعنيه العنوان العريض وفي صدر الصفحة الأولى لصحيفة "يني أكيت" التركية الإسلامية المقربة إلى الحزب الحاكم قبل أشهر "إذا نجحت المؤامرة الغربية الحالية ضد إيران، فستكون تركيا هي الهدف المقبل"؟

هي ليست المرة الأولى التي تسعى واشنطن للإيقاع بين أنقرة وطهران فعلت ذلك عام 1995 حيث كانت المواجهة العسكرية قاب قوسين أو أدنى عبر تسريب معلومات مغلوطة حول تجهيز طهران لمجموعات من حزب العمال للقيام بعمليات إرهابية داخل الأراضي التركية وحيث تقدم فكر العملية العسكرية التركية داخل الأراضي الإيرانية ليعطل الرئيس سليمان دميرال الخطة في اللحظة الأخيرة.

أقلام عربية تقيس الأمور بوقوف تركي قطري إلى جانب إيران ضد القرار الأميركي. أقلام تركية أيضا تقيس الأمور بشكل مختلف تماما وقوف عواصم عربية مسلمة إلى جانب أميركا وإسرائيل المتحالفتين ضد مصالح وحقوق ومقدرات دول المنطقة خصوصا في أراض فلسطينية وسورية ولبنانية محتلة. الذين أبدوا الشجاعة في الترحيب بالموقف الأميركي ضد إيران في موضوع الحرس الثوري عليهم أن يمتلكوا الشجاعة نفسها لتذكير واشنطن بسياساتها المتخبطة في المنطقة خصوصا إطلاق يد نتياهو.

نعم القيادات الإيرانية بالغت في التدخل بشؤون العديد من الدول العربية والإسلامية وهي مولت ودعمت الكثير من الأنظمة والجماعات والتيارات هناك لأسباب سياسية وعقائدية واقتصادية واستراتيجية، لكن الرد لا يمكن أن يكون عبر الاصطفاف إلى جانب سياسة أميركية متهورة غايتها الأولى والأخيرة إطلاق يد إسرائيل إقليميا لتتوسع وتقوى وتتحدى على حساب مصالح بقية الدول العربية والإسلامية وهذا ما تردده أنقرة منذ عامين.

أميركا تقيس الأمور بالمعايير والأسس التي تضعها وتناسبها هي وحدها

ليس دفاعا عن إيران وسياساتها في المنطقة لكن أميركا تقيس الأمور بالمعايير والأسس التي تضعها وتناسبها هي وحدها. تريدنا أن نحترم ونقبل قرارها في موضوع السيادة الإسرائيلية على الجولان وتريدنا في الوقت نفسه أن نقف إلى جانبها في موضوع توصيف الحرس الثوري الإيراني مجموعات إرهابية.

ترامب يحاصرنا بقرار الربط بين تجاهل ما يقوله ويفعله في الجولان وبين أن تقفوا إلى جانبنا ضد سياسات إيران في المنطقة "ادعموا الخيارين في الوقت نفسه تخلوا عن الجولان نقف إلى جانبكم في موضوع إيران والتصدي لسياساتها". هو فعل الأمر نفسه مع أنقرة في موضوع داعش" نتعاون لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي ولكن من خلال صناعة تنظيم تموله وتدربه وتجهزه أميركا ويخدم خطط التفتيت والانفصال في سوريا".

واشنطن تريد إسقاط أكثر من عصفور بحجر واحد: استهداف الحرس الثوري الإيراني وضرب العلاقات التركية الإيرانية والتركية العربية وتقريب العديد من العواصم العربية أكثر فأكثر إلى تل أبيب تحت عنوان التصدي لإيران في المنطقة.

سؤال طرح أكثر من مرة ولم تتبلور الإجابات حوله بعد كيف ستكون ارتدادات التقارب التركي الإيراني على العلاقات بين أنقرة وقوى المعارضة السورية وبينها وبين العديد من الدول العربية ؟ ألن يزعج ويقلق ذلك عواصم عربية وإسلامية عديدة تعتبر نفسها في مواجهة مع المشروع الإيراني الإقليمي؟

فرصة أنقرة الأهم هي التريث والصبر حتى العام المقبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية والرهان على فشل ترامب هذه المرة وعودة السياسة الأميركية إلى رشدها.