icon
التغطية الحية

الحرب الروسية في أوكرانيا تزعزع أمن سوريا وإيران والشرق الأوسط

2022.04.26 | 19:22 دمشق

دبابة روسية في أوكرانيا - المصدر: الإنترنت
دبابة روسية في أوكرانيا - المصدر: الإنترنت
ذا هيل - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

للحرب الروسية على أوكرانيا تداعيات خطيرة في منطقة الشرق الأوسط، فهي تضر بصورة أساسية بالوجود الإيراني في سوريا، والأمن الإقليمي لإسرائيل والولايات المتحدة.

في عام 2015، سافر الجنرال قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، إلى موسكو ليلتقي بمسؤولين في الكرملين وذلك بعد مرور أسابيع على توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأصلي، أي خطة العمل الشاملة المشتركة، وكان الهدف من ذلك تغيير مجريات الحرب السورية التي اشتدت على حليفهم بشار الأسد. وقد تمخض ذلك اللقاء عن "صياغة تحالف جديد بين إيران وروسيا لدعم الأسد"، وتغيير مسار الحرب لصالحه. وقد سمحت تلك النتيجة التي حالفها النجاح لإيران بالتحرك بكل ثقة نحو هدفها الرئيسي، وهو إنشاء دولة تابعة لها في سوريا، كما هي حال لبنان مع حزب الله.

ثعلب في قن الدجاج

بما أن سوريا أصبحت تحت السيطرة، لذا فقد شعرت روسيا بالثقة التي دفعتها لتوسيع قاعدتها الجوية في حميميم ومينائها البحري حيث المياه الدافئة في طرطوس على البحر المتوسط، ليجعل كل ذلك من وجود روسيا في سوريا وجوداً دائماً بما يساعدها على إرساء نفوذها في ظل الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأميركي من المنطقة. وقد ظهرت أوضح مؤشرات عدم التدخل الأميركي عندما استعان الرئيس الأميركي السابق أوباما بالنفوذ الروسي عبر تفويض روسيا بتدمير أسلحة الأسد الكيماوية، فكان كمن يضع ثعلباً في قن الدجاج ويعهد إليه بحمايته.

وعندما بدأ القلق يساور روسيا حيال روح المغامرة التي أبدتها إيران وتجاه وجودها في سوريا والذي يمكن أن يهدد المكتسبات العسكرية الروسية عبر استفزاز إسرائيل، أطلقت روسيا يد الأخيرة في ضرب المسيرات وقواعد الصواريخ الإيرانية في سوريا، كما سهلت عمليات نقل الأسلحة ذات الدقة العالية لحزب الله، بما أنه تحول إلى السلطة الحاكمة بفعل الأمر الواقع في لبنان وأصبح له وجود واضح في سوريا.

ما يزال هذا الوضع الراهن قائماً حتى اليوم، إذ بحسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط في لندن فإنه: "مع انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، أخذت طهران تملأ الفراغ الذي خلفته موسكو في سوريا". وتماماً كما فعلت روسيا عندما ملأت الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أصبحت إيران تملأ الفراغ الذي خلفته روسيا عند انسحابها من سوريا، وهذا قد يكون نذيراً لتدهور كبير في حالة الاستقرار ضمن تلك المنطقة.

مارست إيران على مدار سنوات عملية تطهير إثني للغالبية السنية في سوريا، حيث غيرت التركيبة السكانية في جنوبي البلاد عبر الدفع بمقاتلين أجانب قادمين من أفغانستان وباكستان للعيش هناك مع أسرهم، وتلك جريمة حرب لكونها تشتمل على خرق للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الموقعة في عام 1949، والتي تحرم ترحيل المدنيين. إلا أن الغرب بقي مركزاً للأسف على إعادة تفعيل الاتفاق النووي المريع مع إيران بدلاً من محاسبتها على تلك الجريمة وعلى غيرها من خروقات للقانون الدولي.

ثم إن روسيا أضحت ناقمة على إسرائيل، بعد اتهام وزير خارجيتها لروسيا بارتكاب جرائم حرب، ولهذا قد يرغب فلاديمير بوتين بمعاقبة إسرائيل عبر إنهاء التنسيق الأمني معها في سوريا، والذي سمح لها بضرب أهداف إيرانية دون أن تقوم روسيا بتشغيل دفاعاتها الجوية. لذا، ومع تراجع القيود المفروضة على إيران من قبل روسيا، قد تزيد إيران من استفزازاتها بهدف اختبار الدفاعات الإسرائيلية بفضل أسطول المسيرات الإيرانية المتطورة الذي أصبح أكبر حجماً وعدداً.

وهذا السيناريو لا بد أن يزيد من احتمال وقوع حرب في الشرق الأوسط، إذ حتى مع سعي روسيا لتهدئة الأوضاع، قد تخسر نفوذها مع إيران، لا سيما بعد الإخفاقات العسكرية التي منيت بها روسيا في أوكرانيا والتي أصبحت تستحوذ على اهتمام بوتين وتفكيره. والمثير للاهتمام هنا هو أن روسيا زادت من تدخلها العسكري في سوريا في عام 2014 وذلك لصرف انتباه العالم عن استحواذها وضمها للقرم بشكل غير قانوني، تلك العملية التي مثلت نذر حرب اليوم. ولذلك قد تصبح أي حرب إقليمية جديدة بين وكلاء إيران في شمالي إسرائيل جزءاً من الاستراتيجية الروسية الساعية لصرف أي اهتمام بجرائم الحرب التي ترتكبها روسيا في أوكرانيا اليوم.

روسيا بحاجة لإيران

كيف يؤثر ذلك على مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة؟ إن أي زعزعة لاستقرار الشرق الأوسط تعتبر خبراً سيئاً بالنسبة للولايات المتحدة، إذ عندما اضطرت إسرائيل لخوض الحرب، تسببت بمواقف دبلوماسية عصية بالنسبة لأميركا، وبما أنه تم تشجيع إيران على زيادة تدخلها في سوريا عقب الاتفاق النووي الذي وقع في عام 2015، فإن الانسحاب الروسي من سوريا قد يشعرها بقوة أكبر تدفعها لتصعيد الموقف، لا سيما إن أمّن لها أي اتفاق نووي جديد مليارات الدولارات من جراء تخفيف العقوبات عليها إلى جانب الفرص التجارية الجديدة التي قد تنفتح أمامها. وحتى دون أن تعقد تلك الاتفاقية، قد تحتاج روسيا لإيران لحماية مصالحها في سوريا، وهذا ما ستفسره إيران على أنه مؤشر لمنحها المزيد من القوة في تعاملها مع إسرائيل.

أما القوات الأميركية في سوريا التي تستهدفها القوات التابعة لإيران فستبقى في مرمى نيران المرشد الروحي الأعلى لإيران، علي خامنئي. إذ حتى خلال المحادثات التي جرت خلال هذا العام بخصوص الاتفاق النووي، ونحن نتوقع من الخصم أن يبدي شيئاً من ضبط النفس، ظهر الازدراء الإيراني تجاه أميركا من جديد من خلال الهجوم الذي وقع في السابع من نيسان الجاري واستهدف مجندين أميركيين في محافظة دير الزور، حيث أصيب أربعة منهم، وهذا ما دفع الجنرال مايكل كوريللا، القائد العسكري الجديد للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، للقول إن العودة إلى الاتفاق الذي يشتمل على بند إلغاء تجميد الأموال الإيرانية قد يزيد من الأخطار التي تهدد القوات الأميركية في المنطقة.

تركيا والمرحلة الثانية من الحرب السورية

تقف تركيا، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، على طرفي نقيض مع إيران في سوريا، ولكن لأسباب مختلفة تماماً، فتركيا هي الحامي لآخر معقل للثوار السنة في شمال غربي سوريا. بيد أن تركيا شنت عمليات ضد الكرد الذين تحالفوا مع أميركا. ولكن طالما بقيت كل من روسيا وإيران وسوريا بعيدة عن أي تهديد للتوسع التركي في الأراضي السورية، أو عن الوقوف في وجه الهجمات التركية التي تستهدف الكرد في سوريا، فمن غير المرجح بالنسبة لتركيا أن تنتقل للمرحلة التالية من الحرب السورية.

أما إسرائيل فقد يكون وضعها الأكثر تقلقلاً وذلك بعد تركيز روسيا على إنقاذ حملتها على أوكرانيا، إذ قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، نسقت إسرائيل مئات الطلعات الجوية والغارات الصاروخية التي استهدفت مصالح إيران في سوريا دون أن تقوم روسيا بتشغيل أنظمتها المضادة للصواريخ، والآن، انتهت كل أشكال الرهان، بعدما تحولت سوريا إلى قضية ثانوية بالنسبة لروسيا ولم يعد هنالك ما يقف في وجه إيران. ثم إن إسرائيل تعرف بأن روسيا قد تختار الرد على إسرائيل عندما تقوم بتفعيل مضاداتها الصاروخية أمام الغارات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع إيرانية في سوريا، وهذا ما سيجبر إسرائيل على استهداف الدفاعات الروسية عندئذ.

في بعض الأحيان تتسبب الحروب بأضرار غير مقصودة ضمن مسرح عمليات عسكرية يقع في مكان بعيد، ولهذا قد تظهر تلك الأصداء بعد ذلك في إسرائيل وسوريا ولبنان، وهذا بدوره لا بد أن يتسبب بظهور مشكلة عالمية لن تحبذ الولايات المتحدة ظهورها على الإطلاق، كما قد يصرف ذلك تركيز السياسة الخارجية الأميركية على الصين والشرق برمته.

 المصدر: ذا هيل