الجولان سوريا؛ وسوريا الجولان

2019.03.24 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا أحد ينكر العلاقة الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية؛ كما أن ذاكرتنا حيّة جداً لتستحضر بسهولة المرات العديدة التي عطّلت فيها أميركا القرارات الدولية التي تنصف الفلسطينيين، وتوقف توتر الشرق الأوسط على يد الإجرام الإسرائيلي؛ ولا أحد ينكر قوة اللوبي الإسرائيلي في أميركا، وضرورة تقديم كل مَن يطلب منصباً في أميركا أوراق اعتماده بداية لهذا اللوبي، كي يحظى بالدعم اللازم، ليفوز بذلك المنصب؛ وغير منكور استخدام أميركا لإسرائيل كرأس حربة، وكشرطي للمنطقة تعبث كما تشاء بحماية أميركية كاملة.

ولكن أن تصل الأمور برئيس أميركي أن/ يهب ما لا يملك لمن لا يستحق/، فهذا لم يحدث بعد. الجولان السوري ليس ملكاً لأميركا، ولا هو أحد الملكيات الخاصة للسيد ترمب، كي يهبه للكيان الإسرائيلي. العالم كله يعرف أن الجولان جزء لا يتجزأ من سوريا احتلته إسرائيل بعدوانها عام 1967؛ وأن أميركا ذاتها وقعت على القرار 242 الذي لا يجيز الاستيلاء على أراضي الآخرين بالقوة؛ وأنه إثر تمرير إسرائيل تشريع في "الكنيست" عام 1981 لضم الجولان، أصدر مجلس الأمن قراراً يعد الإجراء الإسرائيلي باطلاً وغير معترف به (null and void)

ملفت استخدام السيد ترمب العدد 52 سنة؛ وكأن أميركا بشكل خاطئ صبرت كل هذا

تقديم أوراق اعتماد السيد ترمب لولاية جديدة لا يكون عن طريق وهب أراضي الآخرين لإسرائيل، ولا عن طريق دعس القانون الدولي

الوقت دون أن تقوم بهذا الإجراء "النبيل"، ألا وهو إقرار "سيادة إسرائيل على الجولان". ربما لولا بعض الحياء لقال السيد ترمب؛ "كم كان أسلافه مقصرين بحق إسرائيل".

من جانبنا نعتقد أن تقديم أوراق اعتماد السيد ترمب لولاية جديدة لا يكون عن طريق وهب أراضي الآخرين لإسرائيل، ولا عن طريق دعس القانون الدولي/ رغم معرفتنا كم هو رخيص هذا القانون بأعين الاستبداد العالمي/؛ ولا تكون ولاية ثانية بمزيد من الحرائق والتوترات في منطقة لا ينقصها حرائق وعداوات.

نحن ندرك أيضاً حجم الانتهازية في خطوة أو موقف كهذا، وسوريا بهذا الحال الذي لا تجهله أميركا ذاتها؛ فهي تصرّح وتعرف أن هذا النظام الأسدي قد عرّض بلاده إلى هذه الحالة من الاستباحة والتدمير والتبعثر؛ وأميركا ذاتها تصرح بحرصها على وحدة الأراضي السورية. ومن هنا، هل يريدنا السيد ترمب أن نصدّق الروس عندما يقولون بأن أميركا تسعى إلى تقسيم سوريا؟ وهل إطلاق هذا التصريح بخصوص الجولان جزءٌ من استراتيجية التقسيم التي يتحدث عنها الروس؟!

من جانب آخر، إذا كان السيد ترمب يقدم أوراق اعتماده للوبي الإسرائيلي في أميركا كي يضمن ولاية رئاسية ثانية، عبر تقديمه هدية ملكاً لدولة أخرى، فهو واهم؛ فالإسرائيليون أنفسهم يعرفون أن ذلك ليس من حق ترمب، ولا من حق أية جهة أخرى. هذا ليس إلا اعتداءً صارخاً على حقوق الشعوب وعلى القانون؛ وهو الوصفة الأنجع لحرب دائمة. من جانب آخر، إذا كان السيد ترمب يريد أن يثبت تبجحات نظام الاسد بالمقاومة والممانعة ومحاربة المؤامرة الصهيو-أميركية، فهذا لم يعد ينطلي على أحد. بات العالم يعرف أنه لولا إسرائيل بالذات، لما استمر هذا النظام أيام. ما يحدث يؤكد بالدليل القاطع أن أميركا هي من سمح لميليشيات إيران وحزب الله ومن بعدهم القوات الروسية التدخل لحماية منظومة الاستبداد الأسدية من شعب سوريا.

من جانب آخر، هل كان إذاً هدف استخدام السيد ترمب عبارات كــ (حيوان ومجرم وسفاح) لتوصيف رأس النظام في سوريا من أجل نسف أهليته في إدارة البلاد للتهيئة لسلخ قطعة من سوريا وضمها لإسرائيل؟ ماذا لو قال بوتين إن ترمب ليس مؤهلاً لقيادة أميركا، وإن ولاية ميتشغان يجب أن تكون تحت السيادة الكندية؟! أليس هناك شعب في تلك الولاية؟ ألا تعود سيادتها لأهلها أم للسيد ترمب فاقد الأهلية كما يقول بوتين افتراضياً؟!

ليعرف السيد ترمب أنه إذا كان شعب سوريا الآن في حالة يرثى لها على يد نظام مجرم، ويد الإرهاب، ويد إيران وروسيا، وأيضاً على

المستهجن في تصريح السيد ترمب كان عبارة (استقرار) والتي يرى أنه سيحل، إن هو شرعن وضع اليد الإسرائيلية على الجولان

يد الانتهازية الأميركية الإسرائيلية؛ فإن دوام الحال من المحال. هذا الشعب سيزداد سخطه على إسرائيل وعداؤه لأنه يعرف ويتأكد الآن أكثر من أي وقت مضى بأنها أساس دائه وبلائه وحامية نظامه المستبد؛ وسيزداد هذا الشعب تصميماً على استرداد حقه منها بالذات طال الزمان أو قصر.

المستهجن في تصريح السيد ترمب كان عبارة (استقرار) والتي يرى أنه سيحل، إن هو شرعن وضع اليد الإسرائيلية على الجولان؛ وهنا لا بد من سؤال السيد ترمب عن الاستقرار الذي جلبته إسرائيل أساساً إلى المنطقة؛ أليست الأساس في لا استقرار المنطقة الدائم؛ وخاصة بدعمها ورعايتها وحفاظها على نظام مستبد في سوريا سعى من أجل بقائه في السلطة إلى استدعاء كل استباحة احتلالية وإرهابية؟

تهدأ المنطقة وتستقر، وتكون آمنة ومزدهرة فقط بالخلاص من الاستبداد، ولجم طموحات مستعمر استيطاني كنتنياهو؛ وفِي الوقت ذاته بوقف تغريدات انتهازية كتلك التي أطلقها السيد ترمب لأغراض انتخابية رخيصة أو لأزمة داخلية يمر بها حالياً، ودعم لصديقه نتنياهو المطلوب بقضايا فساد مثله.

أخيرا إذا كان مَن فرّط بالجولان ارتكب خيانة وطنية؛ فمن يفكر بوهبها يرتكب خيانة أخلاقية وإنسانية وقانونية، ويعرّض منطقتنا إلى حروب لانهاية لها. الجولان ليس أرضاً يباباً وصخوراً وجغرافيا؛ الجولان إنسان وروح وحق سوري أبدي. الجولان سوريا، وسوريا الجولان.