الجولاني والأطماع التوسعية شمالي حلب

2023.04.28 | 07:16 دمشق

الجولاني والأطماع التوسعية شمال حلب
+A
حجم الخط
-A

عندما قُتل عدد من المدنيين الأكراد في جنديرس في أثناء احتفالهم بعيد النيروز تعامل الجولاني مع الحادثة كفرصة جديدة لدخول مناطق شمال حلب، التي يسعى للسيطرة عليها منذ منتصف عام 2022. لقد استخدم مجدّداً دعاية حماية الأقليّات، وهي أحد حوامل سياسته للسيطرة على كامل مناطق المعارضة شمال غرب سوريا؛ حيث يلجأ إليها بشكل واضح في التعامل مع دروز جبل السماق في إدلب.

يعتبر الجولاني أنّ سياسة فرض الأمر الواقع يمكن أن تنجح أيضاً للقبول به كفاعل جديد في مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي التي تُسيطر عليها فصائل الجيش الوطني؛ من خلال فرض هيئة تحرير الشام كأكبر قوّة عسكرية لا يُمكن الدخول معها بأي صراع أو مشكلات قد تكون تركيا بغنى عنها لا سيما في مرحلة الانتخابات.

تقوم سياسة الأمر الواقع على إضعاف الجولاني لفصائل الجيش الوطني وبث مزيد من الخلافات والانقسام في صفوفهم حتى لا يتسنى لأي منهم القدرة على الاستجابة لمتطلبات وسياسات تركيا الأمنية والعسكرية حول المنطقة.

بدا ذلك أوّل مرة منتصف عام 2022، في أثناء الاقتتال بين الفيلق الثالث القاطع الشرقي وبين أحرار الشام؛ حيث قدّم الجولاني الحماية للأخيرة عبر دخول هيئة تحرير الشام إلى جنديرس التي أسس فيها نقاطاً متقدّمة لأول مرّة في مناطق شمال حلب.

مجدداً كانت ذريعة تقديم الحماية سبباً لعودة الجولاني إلى جنديرس عسكرياً أواخر عام 2022، والتقدّم منها نحو كامل عفرين ومحاولة دخول اعزاز، بعد حالة الاقتتال التي اندلعت بين فرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه وبين الفيلق الثالث الذي كان يلاحق كلا الفصيلين بقضايا تتعلّق بالانتهاكات.

في أثناء المواجهات حاول الجولاني عبر عدّة شخصيات من الهيئة وخارجها اختراق الفصائل وإرسال تطمينات للجميع بتحييدهم عن المعركة

لكنّ تدخّل الجيش التركي الذي حال دون حفاظ هيئة تحرير الشام على المواقع التي سيطرت عليها عسكرياً في عفرين والتقدّم نحو اعزاز دفع الجولاني إلى استخدام أدوات أخرى استكمالاً لسياسة فرض الأمر الواقع والضغط على أنقرة للقبول به.

في أثناء المواجهات حاول الجولاني عبر عدّة شخصيات من الهيئة وخارجها اختراق الفصائل وإرسال تطمينات للجميع بتحييدهم عن المعركة، وقد استطاع إحراز تقدّم نسبي من خلال إقناع مجموعات داخل الفيلق الثالث باتخاذ موقف سلبي من الفيلق.

بنى الجولاني على موقف تلك المجموعات لتعزيز الانقسام في الفيلق الثالث بعد انتهاء المواجهة معه؛ حيث دعم تأسيس تجمّع الشهباء الذي أصبح مكوّناً عسكرياً جديدة في مناطق شمال حلب لا يمانع  وجود الهيئة في المنطقة.

لا يقف الجولاني في تنفيذ سياسة فرض الأمر الواقع عند مساعي إضعاف الفصائل، بل يعمل أيضاً على فتح قنوات تواصل أخرى من شأنها أن تكون عامل ضغط إضافي على تركيا؛ حيث يحاول عبر وسطاء بما فيهم بعض الشخصيات العشائرية فتح قنوات تواصل مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يعتبرها بمثابة البوابة للتواصل مع القوات الأميركية في الوقت الذي يعمل فيه على التواصل مع الإدارة الأميركية بشكل غير مباشر مع بعض المنظمات والمؤسسات.

نهاية عام 2022 لجأ الجولاني لاستخدام العمليات الانغماسية ضد قوات النظام السوري بشكل كبير، فهي تبدو له كأداة عسكرية مقبولة يُمكن الترويج من خلالها سواءً أمام تركيا أو الفصائل أو الأهالي في مختلف مناطق شمال غرب سوريا؛ لا سيما أنّها لا تهدف أصلاً لتقويض اتفاق وقف إطلاق النار، وتُسهم في استمالة بعض المجموعات من الفصائل المستاءة من استمرار التهدئة في ظل مساعي إعادة تطبيع العلاقات مع النظام، كما أنّها قد تخفف ولو قليلاً من حدّة موقف كثير من الناشطين ضده.

عمليّاً، لا يرفض الجولاني مسار تطبيع العلاقات القائم بين تركيا والنظام، بل يستخدمه كأداة لتعزيز سياسته لفرض نفسه كأمر واقع في مناطق شمال حلب، وبما يؤدي إلى عرقلة أي تفاهمات محتملة حول مكافحة الإرهاب قد تطول هيئة تحرير الشام. حينها يُمكن له أن يُفاوض باعتباره طرفاً وحيداً قادراً على عرقلة أو تقدّم مسار المصالحة، والذي لن يمانع أن ينخرط فيه.

لمناطق شمالي حلب تجارب سابقة مع الفصائل الجهادية كحالة مارع واعزاز عند قتال داعش، ولا يوجد ما يدعو لتغيير هذا الموقف في أثناء محاولة الجولاني دخول هذه المناطق

بكل الأحوال، هناك كثير من العقبات التي ما تزال تقف أمام سياسات الجولاني للسيطرة على مناطق شمال حلب، فالتعويل على الانقسامات بين الفصائل لا يبدو أنّه سيقود إلى تغيير مراكز القوّة فيها، لكون الفيلق الثالث يحتفظ بالكثير من مصادر القوّة خاصة وجود فصائل مؤدلجة فيه مثل جيش الإسلام، إضافة للمناطقية التي تُشكّل عقبة أمام وصول الهيئة إلى جرابلس.

ولمناطق شمال حلب تجارب سابقة مع الفصائل الجهادية كحالة مارع واعزاز عند قتال داعش، ولا يوجد ما يدعو لتغيير هذا الموقف في أثناء محاولة الجولاني دخول هذه المناطق. كما أنّ الشارع الثوري كان وما يزال عائقاً أمام مساعيه؛ فالثوار يعرفون تماماً أن سيطرة الهيئة تعني تكميم الأفواه وملاحقة المخالفين وتقييد الحريات كما يحصل في إدلب التي تحكمها القبضة الأمنية قبل أي شيء.

وأخيراً، هناك شكوك أصلاً بقبول تركيا لسياسة الأمر الواقع التي يعمل الجولاني على فرضها؛ فأنقرة تعرف تماماً تبعات وصوله لجرابلس ووصوله لخطوط التماس مع قسد.