icon
التغطية الحية

الجهل والأزمة الاقتصادية أهم أسباب تعنيف الأطفال في شمال غربي سوريا

2021.12.20 | 04:26 دمشق

alnf-alasry-dd-alatfal.jpg
صورة تعبيرية لظل شخص يصرخ بوجه طفل (إنترنت)
تلفزيون سوريا - ميس عبد الحميد
+A
حجم الخط
-A

يعاني كثير من الأطفال في سوريا، وخاصة في شمال غربي سوريا تحت سن 14 عاماً من ممارسة العنف الأسري عليهم، بسبب  ازدياد الجهل، والتوتر ضمن الأسرة الذي ينجم عن سوء الأوضاع الاقتصادية، ومشكلات العمل، وضغوطاته، كما أن زيادة نسبة تعاطي المخدرات في المنطقة، يؤدي الى زيادة  العنف الأسري، وإلى زيادة حالات الطلاق، وزواج أحد الطرفين، وهو أحد أهم أسباب العنف الأسري أيضا، وظاهرة العنف الأسري هي أكثر ما يهدد أمن الأطفال، وسلامتهم، وهي سلوك خفي غير معلن أو مصرح به، إذ يشهد الأطفال ممارسات مؤذية تنتهك حقوقهم النفسية، والجسدية، وحتى الجنسية، ويقوم بتلك الانتهاكات أحد الوالدين أو كلاهما، أو المسؤول عن تربيتهم، وتعليمهم أو أرباب العمل إذ قد يتعرض الطفل إثر العنف للإصابة بعاهات مستديمة.

معنفون ضمن أسرهم

يعاني الطفل محمد الباشا البالغ من العمر 14عاماً من مدينة إدلب من العنف الأسري الذي نجا منه إذ يروي لموقع تلفزيون سوريا أنه في بداية الحرب على قرى وبلدات مدينة إدلب كان يعيش مع أسرته في بيت يملكه والده بالإضافة إلى محل حلاقة يعيشون منه، وأضاف الباشا: "مع تردي الأوضاع، والنزوح المتكرر بسبب القصف اضطر أبي لبيع المحل، والسكن في مكان أكثر أمنا، إلا أن الوضع المعيشي ازداد سوءاً، مما دفع والدي لتغيير مهنته، والعمل بالتجارة، والتي لم يكن يتقنها لأنه لم يعمل بها من قبل الأمر الذي حوله إلى شخص دائم التوتر" وتابع الباشا: "لم أعد أشعر بالهدوء، والسكينة، والأمان في المنزل، ولم يعد لدي رغبة بالجلوس لفترات طويلة فيه، وخاصة بوجود والدي لأنه كان شديد العصبية، والغضب، ويقوم بضرب أي فرد من أفراد الأسرة في حال تأخر بتنفيذ أي من طلباته أو اعترض على كلامه بما في ذلك والدتي".

الظروف الماديّة أحد أسباب التعنيف

وتابع "في أحد الأيام طلب مني والدي الذهاب إلى الفرن، وشراء الخبز لكنني نسيت، وعندما ذهبت وجدت الفرن قد أغلق، وعدت فارغ اليدين غضب والدي كثيراً وضربني ببطارية دراجة نارية كنا نستخدمها لوصل الإضاءة في المنزل، كادت تقضي علي فتسببت لي بشق كبير في رأسي، ولم يكتفِ بضربي إذ قام بتعنيفي لفظياً بكلام جارح، الأمر الذي تسبب بفقداني للوعي، مما اضطر والدتي، للطلب من أحد أقربائي نقلي إلى المشفى بعد رفض أبي القيام بإسعافي، وهناك تم قطب رأسي بعشر قطب".

وأضاف: "ليست المرة الأولى التي يقوم بها بضربي، كذلك هو حاله مع إخوتي، فكان والدي كلما دفع مبلغاً كبيراً من المال أو خسر في تجارته يأتي إلى البيت، ويفرغ غضبه على أول من يعترض طريقه ليصبح البيت مكاناً غير آمن، ويسود فيه التوتر مما كان يدفعني للخروج برفقة أصدقائي خارج المنزل، وكنت ألجأ للتدخين معهم، لأمضي أغلب وقتي خارج البيت".

 

 

بدورها عقّبت ماوية شيلر الحاصلة على شهادة "رياض أطفال ودبلوم إرشاد نفسي" لموقع تلفزيون سوريا أن العنف الجسدي، واللفظي، والنفسي، والانفعالي يؤثر على نمو الأطفال من ناحية النمو النفسي إذ يؤدي إلى اضطراب في الشخصية واضطراب في حاجة الطفل لتقدير الذات، وهذا كله يؤدي إلى اضطرابات في النمو الجسدي فقد يؤدي إلى صعوبة التركيز، والتذكر أي (قلة الانتباه).

كما أكدت "شيلر" أن النمو اللغوي أيضا يتأثر سلباً فهناك حالات من التأتأة، والتأخر بالنطق، وعدم القدرة في بعض الأحيان على الكلام، وكما يؤثر على النمو الاجتماعي إذ لا يفضل المعنّف تشكيل صداقات أو علاقات مع الآخرين، فالحالة الانطوائية تصنف اضطرابا سلوكيا اجتماعيا، والحالة العدوانية تصنف اضطرابا نفسيا اجتماعيا، وأشارت إلى أن العنف إذا وصل إلى مرحلة كبيرة يخلق اضطراباً، وليس من الضروري أن يصل إلى مرحلة الأمراض النفسية فالمرض النفسي يكون بحالات إيذاء متكررة، فيما الاضطراب النفسي هو المستوى الأول قبل أن يصل إلى مرحلة المرض النفسي.

مسؤوليات مبكرة

زهراء الحسن البالغة من العمر 15عاماً من مدينة الدانا الواقعة شمالي إدلب تروي لموقع تلفزيون سوريا معاناتها من تعنيف زوجة أبيها لها، ولإخوتها، ومن ثم زوجها فتقول: منذ ثلاث سنوات عندما كنت في الثانية عشرة من عمري توفيت والدتي التي كانت تعمل مدرسة، وبرفقتها أختي الصغيرة إثر انفجار سيارة في أحد أسواق مدينة الدانا، وهنا بدأت معاناتي لأصحو، وأجد نفسي مسؤولة عن طفلين كنت أعيش وإخوتي برفقة والدي الذي كان في حالة نفسية يرثى لها بعد فقدانه لأمي، وأختي، وتابعت الحسن: لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة له، ولم يكن لديه خيار إلا أن يتزوج من امرأة أخرى بهدف التخفيف عنه ورعايتنا في غيابه فتزوج بامرأة لا تملك في قلبها رحمة ولا شفقة.

زوجة الأب لن تكون أماً

وتابعت "الحسن" استطاعت زوجة أبي خلال فترة زمنية قصيرة أن تسيطر على البيت بأكمله، وبسبب غياب أبي لساعات طويلة كانت تمارس كل أشكال العنف علينا، فكانت تعتمد علي بكل أعمال المنزل بالإضافة لاعتنائي بإخوتي، ومع ذلك كانت تصرخ في وجهنا، وتقوم بضربنا، والتحدث إلينا بألفاظ غير لائقة، وتابعت لم أعد أكترث بما يجري لي بقدر ما كنت أحزن على أخي الصغير حين تقوم بضربه بقوة على جسده الغض، والصراخ عليه، وحبسه في غرفة مظلمة، وحرق قدميه حين يتبول بسبب خوفه الشديد منها إذ إنه لم يكن يتبول من قبل فقد تجاوز الخامسة من عمره لكنه لم يعد قادرا على ضبط نفسه فكان ينام باكياً من شدة الألم. وأضافت لم يعد الأمر محتملاً لذا اضطررت لترك المدرسة كي لا أدعهم بمفردهم معها.

عواقب العنف الأسري

أضافت "الحسن" منذ فترة قصيرة تقدم ابن خالتي للزواج مني لكنني رفضت رغم إصراره وأمه على إتمام هذا الأمر فطلبت أن يكون مهري أن آخذ إخوتي ليعيشوا معي فوافق على شرطي لأنه لا يملك المال لدفع المهر. في بداية الأمر اعترض والدي لهذا المهر لكن إصرار زوجته حال دون أن يأخذهم مني.

تابعت "الحسن" بعد مرور سنة على زواجنا لم يعد الأمر سهلاً وأصبح يشعرني بالتقصير في واجباتي الزوجية التي لم أكن أعرف منها شيئا سوى أنني أريد العيش وإخوتي في مكان بعيد عن زوجة أبي، وكنت دائماً أشعر بحاجة لوجود أمي بقربي، وأضافت لم يعد لديه الرغبة في إبقائهم عندي، وبدأت المشاكل تكبر بيني وبين زوجي حتى إنه أصبح يضربني، ويقول لنا إننا تعودنا على الضرب وأنه لا ينفع معنا أسلوب آخر، وأضافت في آخر مرة قام بضربي أنا وإخوتي، وكسرت يدي على إثرها، ولم أعد قادرة على العيش معه، وأصبحت أشعر بتعب نفسي، وجسدي لا يحتمل فقررت تركه، والانفصال عنه، والعيش في أي مكان بعيداً عنه، وعن زوجة أبي.

دور المجتمع في الحد من التعنيف

وتابعت الحسن قررت اللجوء إلى دار للأيتام كانت تدعمها إحدى المنظمات في المدينة فقد تكون المكان الآمن الذي نرتاح فيه، ونتعلم أشياء مفيدة بوجود مرشدة نفسية قد تخرجنا من حالتنا التي وصلنا إليها وتحمينا من أي شكل من أشكال العنف.

كما أكدت "شيلر" لموقع تلفزيون سوريا أن كل الاضطرابات النفسية نتيجة العنف تؤثر على الاضطرابات الجسدية كأن يصاب الطفل المعنف المضطرب بحالة سلس بولي أي (التبول اللاإرادي) أو قد يؤدي إلى اضطرابات في الشخصية أو اضطرابات هضمية، وتنفسية تحد من نموه بشكل سليم، وتؤدي به إلى ضعف في تكوين شخصيته.

 

دور المنظمات في رعاية المعنفين

أشارت "شيلر" إلى أنه من الضروري تفعيل دور المنظمات في إيجاد فسحة آمنة يأتي إليها الطفل المعنف، ويقوم بالأنشطة والجلسات وأشارت إلى أن الفئات المستهدفة قليلة نسبياً، ومكررة لنفس الفئة إلا أن الأهالي لم يعودوا يرعون ما تقدمه المنظمات فمشهد المنظمة هي إغاثة فقط لأنها فقدت الثقة تجاه المجتمع، وأكدت على ضرورة، وجود حملات توعية للأهالي، والتربويين في المدارس، والمخيمات، والمساجد تطالب بالرحمة مع الأطفال، وأن يكون للمنظمات دور فعال، وأن لا تؤدي هذا الدور برسائل المنظمات المعتادة فقط، أي يجب ابتكار طرق جديدة لتفعيل دورها لحماية الطفل من كل أشكال التعنيف وأن يكون المرشد التربوي المسؤول ذا خبرة في هذا الأمر.

دور حملات التوعية ضد التعنيف

أكدت شيلر أنها كانت تقوم بالعديد من حملات التوعية، إلا أنها بينت أن تلك الحملات لم تكن تصل للأسف إلى الفئات التي تؤذي الأطفال بشكل كبير، موضحة أن هناك حالات تم علاجها ووضع لها برنامج لا يشمل الطفل فقط، إنما يشمل الأهالي أيضاً لنصل إلى نتيجة مقبولة نوعاً ما، وكما أشارت شيلر إلى أن هناك بعض الآباء، والأمهات يعاملون الأطفال كأنهم أشياء، وهذه هي نظرية "التشيؤ" اللا أنسنة.

وسبق أن انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي حالات لتعنيف الأطفال، وكانت الأكثر قسوة حالة الطفلة نهلة عثمان البالغة من العمر 5 سنوات في مخيم ببلدة كللي شمال إدلب المعنفة من قبل أبيها الذي كان يعمل في أحد الفصائل إذ كانت تعاني من مرض جلدي، والتي توفيت منذ ما يقارب السنة بعد أن حبسها والدها في قفص مقيدة بالسلاسل الحديدية .

 

 

وأشارت شيلر إلى أن التعنيف بكل أشكاله قد يسبب مشكلات اجتماعية تجعل الطفل بعيداً عن المجتمع الذي يعيش فيه، وقد يلجأ في بعض الأحيان إلى الانعزال أو الانضمام إلى عصابات، وترك المنزل أو الانخراط في جماعات منحرفة أخلاقياً، وسلوكياً، وكل هذا يفقدهم التعاطف مع الآخرين، والثقة بمن حولهم، وقد يصل الأمر بالطفل أحياناً للانتحار أو قد يستمر العنف بهم إلى الموت.

وتشير منظمة اليونيسيف إلى أن الأطفال الذين عانوا من آثار العنف الاجتماعي أو الأسري يميلون إلى استخدام العنف في علاقاتهم الشخصية للسيطرة على الآخرين، وتفريغ ما في داخلهم من حقد على المجتمع من حولهم.