الجهاديون في إدلب.. والخيارات الأصعب

2018.09.03 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

مما لا شك فيه، بأن الواقع الحالي الذي تعيشه محافظة إدلب في الشمال السوري، لن يبقى كذلك في المستقبل المنظور، ودخول المحافظة مرحلة جديدة، حدث لا بد منه، سواء أكان ذلك عبر الحلول السياسية أو العسكرية للدول الفاعلة في أستانا، فيما يعتبر ملف الجهاديين من أعقد الملفات وأكثرها ضبابية لما له من ارتدادات محلية وإقليمية وحتى دولية، ولعل الحرب التي تقرع طبولها في المنطقة، ستستخدم فيها هذه الورقة لتبرير الحملة العسكرية لأي جهة كانت، مع رغبة الأطراف التي تقودها روسيا بإنهاء ملف إدلب، سواء كانت هنالك جماعات جهادية من دونها، فيما سيبقى المدنيون السوريون الحلقة الأضعف، كما كان حالهم من قبل في الصفقات التي عايشتها العديد من المدن السورية.

لعل ما أعاق التوصل لاتفاق دولي حول مصير إدلب بين تركيا وروسيا وإيران، هو البند الخاص بكيفية تسوية ملف الجهاديين المتواجدين في الشمال، إذ أن أنقرة لم تتمكن من حسم هذا الملف سياسياً عبر القنوات التفاوضية مع هيئة تحرير الشام، ولعل أبرز النقاط التي دفعت بالجولاني لرفض العروض التركية، كان مرجعها ورقة الجهاديين التابعين للهيئة، والذين يعتبرون لبنة تأسيس الهيئة، وأعمدة استمرارها، ولو دخل الجولاني بأي تسوية مع الأتراك منفرداً، لربما تم اغتياله بأيدي الجهاديين أنفسهم، أو اختاروا الانشقاق عنه، وهنا سيصبح "الجولاني" خاوي اليدين أمام هذا المشهد الضخم.

ملف الجهاديين في إدلب من أعقد الملفات وأكثرها ضبابية لما له من ارتدادات محلية وإقليمية

إذا ما عدنا للوراء، نجد بأن سياسة هيئة تحرير الشام، في كافة الجولات التفاوضية، كانت ترمي لاستقدام قياداتها ومقاتليها من كافة المناطق التي كانت شهدت عمليات مقايضة أو تهجير، فالجولاني والقيادات المحيطة به، كانت تدرك جيداً بأن تجميع قواته في إدلب، أمر بغاية الأهمية، تحسباً لمثل هذه الأيام التي تعيشها المحافظة في الوقت الراهن، وفي حال البدء بحرب ضد إدلب، ستكون المعركة المصيرية الأهم بالنسبة لأولئك الجهاديين، على اعتبارها معركة وجود.

كما أن تركيا، لا ترغب على ما يبدو بخيار الحرب المشتركة مع الروس والإيرانيين إلى جانبها ضد الجهاديين، وقد تحمل على عاتقها إنهاء ملف الهيئة في الشمال السوري بكافة الأساليب بشكل مستقل، وما زالت تضع خيار التحالف العسكري مع روسيا لتنفيذ ذلك في أواخر الخيارات التي تنظر إليها، وربما تأخر التوصل لاتفاق رسمي بين تركيا وروسيا، يدل على ذلك، فأنقرة لا تريد التفريط بالمحافظة وتكافح لتجميد الحملة العسكرية التي تسوق لها موسكو، ولكن في حال تعثر كافة الحلول أمامها، فمن غير المستبعد الدخول بتحالف مع موسكو لضرب مواقع الهيئة بعد فصلها عن المعارضة السورية، خاصة التشكيلات العسكرية التي تم تهجيرها من عدة مدن وبلدات سورية على يد القوات الروسية، وبوتين يحاول إقناع الرئاسة التركية بهذا الخيار، مستغلاً التوتر الذي يعصف بالعلاقات التركية – الأمريكية.

أنقرة لا تريد التفريط بإدلب بذريعة مكافحة الجهاديين، وتكافح لتجميد الحملة الروسية، ولكن كل شيء متغير

أما روسيا، فتولي هذا الملف الكثير من الاهتمام، نتيجة للفوائد التي ترجوها منه سورياً وإقليمياً وحتى دولياً، فموسكو تقدم نفسها للأتراك كشريك في مكافحة الإرهاب للتخلص من الجهاديين في إدلب، ولكنها بالمقابل لن تقدم ذلك المشروع دون مقابل، إذ تنتظر من أنقرة مقابل هذه المساعدة تنازل تركيا عن المحافظة حتى لو شكلياً لصالح عودة الأسد لإدارة المحافظة، كما أن موسكو ترغب بحسم هذا الملف عسكرياً، كونها تعتبره غنيمة ستتيح لها دخول الدول العربية من أوسع الأبواب.

الزيارات الروسية المكثفة، للدول العربية، وفتحها لعدة ملفات سورية بآن واحد، تحاول موسكو من خلال هذه الجولات كسب تأييد عربي لمعركتها التي تتحدث عنها في إدلب ضد الجهاديين، والتصريحات السعودية الأخيرة، مؤشر على أن الرياض موافقة على الخيارات الروسية، وهنا يحاول الساسة الروس، وضع الأصوات الموافقة لحملتهم العسكرية على إدلب أمام تركيا للقبول بخيارها في الحسم العسكري، وكذلك تأمين موطئ قدم لها في الخليج العربي.

روسيا تغزو العالم العربي خلال جولاتها لكسب أصوات عربية  مؤيدة لحملتها على إدلب

في حين لدى النظام السوري ذات القناعة لحسم ملف إدلب بالكامل، وتتطابق نظريته مع الرؤية الروسية التي تديره عسكرياً وسياسياً، وهو أيضاً يرغب من الانتقام من الثورة السورية، باستخدام مفتاح محاربة الإرهاب.

الخيارات المتاحة أمام الجهاديين في الشمال السوري، تكاد تكون معدومة، فالدول التي ينحدرون منها لن تقبل بعودتهم أو إعادتهم إليها، وتفضل إنهاء ملفهم داخل الأراضي السورية، بأي شكل من الأشكال، وتركيا من المستبعد أن تجازف بالسماح لهم باستخدام أراضيها للعودة إلى أوطانهم، علماً بأن الجهاديين أنفسهم لن يقدموا على هذه الخطوة لما يترتب على حياتهم من نهائيات قاتلة.

الجهاديون يستحوذون على مواقع قيادية حساسة في غالبية التشكيلات الجهادية المنتشرة في الشمال السوري، وهذا ما يعقد حسم مصيرهم سياسياً، وقائد هيئة تحرير الشام "الجولاني" لا يستطيع المجازفة بالتخلي عنهم ببساطة، فهو بمثل هذا القرار ينهي نفسه بنفسه، أي أن – الجولاني – لن يقدم على أي صفقة في الفترة الحالية يتنازل بموجبها عن الجهاديين، كونه سيصبح دون قوة تذكر تحمي مشروعه في سوريا، وبالتالي فهو سيسير وفق ما تقرره الزعامات الجهادية في الهيئة، ويمضي معهم إلى آخر المشوار، سواء كان ذلك بالسلم أو الحرب.

الجهاديون يستحوذون على مواقع حساسة..والجولاني لا يستطيع التغريد خارج قراراتهم

مجموعات المقاتلين الأجانب، لن تقبل بدورها إلقاء أسلحتها، والدخول بأي تسوية سياسية بغض النظر عن الجهة التي سيقومون بتحصيل ذلك معها، فـ "المهاجرون" يأمنون بأن السلاح الذي بحوزتهم، وحده الضامن لحياتهم، رغم علمهم بأن ذات الأداة ستجرهم لمحرقة وحرب مفتوحة على كافة الاحتمالات، ولكنهم رغم ذلك، قد يتجهون إلى هذا الخيار، لإيمانهم بقدرتهم على إحداث معادلة ما، تضم وجودهم خلال الفترات القادمة.

وفي هذا الصدد، من الواضح بأن روسيا، تحاول بشتى السبل، إقناع تركيا بإبعاد التشكيلات العسكرية المعارضة عن هيئة تحرير الشام، حتى تتمكن موسكو بعد ذلك ببدء حملتها العسكرية على إدلب، لإنهاء ملف الجهاديين التابعين لهيئة تحرير الشام وغيرها من التشكيلات العسكرية، وإحراز الغنيمة الكبرى التي تنتظرها من وراء هذه الحرب.

طبعاً، في حال تمكن السياسة الروسية من إقناع القرار التركي بخيار الحرب، سنكون أمام مشهد عظيم، وهو نجاح بوتين باصطياد عصفورين بحجر واحد، أولهما، إظهار روسية كقوة عظمى، بمقدروها إنهاء أي ملف شائك، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، هذه البقعة الجغرافية التي يهرول صناع القرار الروسي العودة إليها بقوة، ولعل ما نشاهده من تهافت عربي وتأييدهم للخيارات الروسية في سوريا، خير دليل على أن موسكو بدأت فعلاً بقطف ثمار الحرب الدموية التي قادتها ضد السوريين طيلة الأعوام السابقة، وبوتين يستغل كل خاصية في ذلك، لعلمه بأن الحكام العرب لا يكترثون بسقوط آلاف السوريين بصواريخ وقنابل مقاتلاته، وأن محور اهتمامهم إيجاد أي وسيلة إضافية للحفاظ على عروشهم، كما فعل ويفعل هو في احتكاره الرئاسة الروسية.

قد يسأل بعضكم، طالما أن الجهاديين في إدلب، يرفضون الاستسلام أو الانصياع لأي صفقة أو قرار إقليمي، فلماذا لا يهاجمون الأسد، قبل أن يهاجمهم؟، هنا مربط الخيل، فهيئة تحرير الشام، أقوى التشكيلات في الشمال السوري، وأكثرها امتلاكاً للجماعات الجهادية التابعة لها أو المتحالفة معها، لن تجازف ببدأ أي عمل عسكري ضد النظام أو روسيا وإيران، لعدة أسباب، المحلية منها، بأنها تريد خوض المعركة بحاضنة شعبية كبيرة، سيكون لها دور فعال خلال المواجهات، وقد تستغل الهيئة ذلك لإيقاف أي حملة، صحيح أن الهيئة رفضت الإذعان للمقترحات التركية، لكنها في ذات الوقت لم تغلق باب أي تفاوض قادم، وهنا تحاول- الهيئة- اللعب على وتر الزمن لكسب حاضنة شعبية أكبر، تجعل من خيار الحرب أمراً معقداً، مع وجود قرابة أربعة ملايين سوري ما بين أبناء المنطقة الأصليين والمهجرين إليها