الجنوب السوري ومعركة المصالح

2018.06.26 | 01:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أهمية الموقع الجغرافي لمنطقة حوران والقنيطرة تأتي من خلال قربه من الجولان المحتل والأردن، وهذا يجعله ذا اهتمام كبير من أصحاب القرار في العالم وهاتان الدولتان لهما وضع خاص يتمثل في أهميتهما الجيوسياسية في الشرق الأوسط، فمن يرى المشهد في الجنوب السوري يستطيع أن يلاحظ المحاولات الكثيرة من الأطراف لفرض نفوذها على هذه المنطقة الأكثر تعقيداً من المناطق الأخرى ففي الجيب الواصل بين دمشق ودرعا وفي بعض انفراجاته يسيطر نظام الأسد وحلفاؤه من الإيرانيين وميليشيات حزب الله الراغبين في التمدد بالمنطقة على أمل السيطرة الكلية عليها فيما تنتشر في بقية أرجاء المنطقة بنسبة 70% من مساحتها قوات الجيش السوري الحر المسيطر عليها أردنيا" إضافة إلى جيوب لجماعات متطرفة من داعش والنصرة التي يعاديها الجميع علانية ويدعمها الحلف الإيراني الروسي مع نظام الأسد والأردن وإسرائيل ضمناً ويستخدمونها في تكتيكاتهم السياسية والميدانية  وهذا فضلا عن اقترابها من دمشق العاصمة التي تراهن بعض القوى الإقليمية والدولية التي ليس لديها تماس جغرافي مع سوريا ولكنها تنخرط بقلب الأزمة وتدير تفاعلاتها مثل إيران وروسيا على بقائها تحت سيطرة نظام الأسد لرمزيتها وأثرها في تدعيم شرعيته المتهالكة التي لم يبق من رموزها سوى عناصر محدودة لهذا كله تختلف معارك جنوب سوريا عن سواها من معارك الجبهات الأخرى.

وبالإضافة إلى تداخل السيطرة في الجنوب السوري بين النظام وحلفائه وبين المعارضة فإن الجنوب موضع تقاسم سيطرة سياسية لهاتين القوتين مع قوى أخرى أبرزها الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال نفوذهما وقدراتهما السياسية والعسكرية وعلاقتهما المعقدة بالنظام والمعارضة من جهة ومن جهة أخرى علاقتهما مع الطرف الأردني الذي يسعى لضمان مصالحه وأهمها تأمين فتح معبر نصيب لما له من أهميه قصوى في ظل الأزمه الاقتصادية التي يمر بها الأردن وللاتفاق والتوافق مع كافة الأطراف بما فيها الروس والنظام التي أثمرت سابقا" في إحدى نتائجها إلى وضع الجنوب السوري ضمن ترتيبات مناطق خفض التصعيد التي يتمسك بها الأردن ليتجنب من خلالها أضرار أي حرب يشهدها الجنوب ومن هنا نستنتج أن هذه المنطقة وما يجري وسيجري فيها له هدفان رئيسان الأول وهو الأهم إسرائيل وأمنها وتأمين حدودها والهدف الثاني ويسعى كل من الأردن ودول الخليج وتركيا لتحقيقه وهو تسليم معبر نصيب للأسد وفتحه أمام حركة العبور عبر الأردن إلى تركيا ودول الخليج .

وسط هذا الموقف المعقد المحيط بالجنوب فإن مساعي النظام لاستعادة سيطرته على الجنوب يواجه باعتراضات من مختلف الأطراف ولا سيما إسرائيل التي لا تعارض عودة قوات الأسد لكنها ترى أن العودة سوف تعطي إيران وحزب الله فرصة اقتراب أكثر من خط وقف إطلاق النار على جبهة الجولان وهو أمر تعارضه واشنطن ليس من الناحية السياسية فقط بل وصولاً إلى التهديد باستخدام القوة أيضاً الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب تحاول إيران ونظام الأسد تجنبها فيما يسعى الروس إلى عدم حصولها أصلاً وهذا الاعتراض الأمريكي الإسرائيلي التف عليه الايرانيون والأسد في دمج الكثير من الميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله في جيش الاسد لتفادي غضب إسرائيل وأمريكا وللسماح أيضا لروسيا الاشتراك في المعركة بعد تصريح المسؤولين الروس أن قواتهم الجوية لن تشارك في دعم أي هجوم على الجنوب تشارك به الميليشيات الإيرانية وهذا ما دعى الأسد وحلفاءه لتغيير خططهم ليصبح السيناريو يتفادى أي عمليات عسكرية بالقرب من حدود الجولان المحتل فتم الهجوم على المناطق المحررة شرق الطريق الدولي دمشق درعا وصولاً إلى غرب محافظة السويداء ومن بصر الحرير شمالاً وصولاً إلى معبر نصيب جنوباً وبهذا ستتم السيطرة على المناطق الشرقية المحررة من محافظة درعا.

إن مساعي النظام لاستعادة سيطرته على الجنوب تواجه باعتراضات من مختلف الأطراف ولا سيما إسرائيل التي لا تعارض عودة قوات الأسد لكنها ترى أن العودة سوف تعطي إيران وحزب الله فرصة اقتراب أكثر من خط وقف إطلاق النار 

وهذه العملية قسمت إلى ثلاث مراحل المرحلة الأولى تكون بأكملها ميدانية عسكرية تُنَفّذ بالتمهيد الناري الكثيف والمركز الجوي والأرضي يرافقه زج أكبر عدد من الوحدات والميليشيات المتحالفة صاحبة الخبرة والتجربة في الاختراق هدفها الرئيسي الاستيلاء على المنطقة الشرقية من مدينة درعا وعزلها عن المناطق الغربية للمحافظة ومن ثم تبدأ المرحلة الثانية بعد أن يتحقق الفصل الميداني ويؤمن محاصرة المناطق المحررة والجيش الحر في ثلاث مناطق معزولة عن بعضها كما ذكرنا تنتقل ميليشيات الأسد وحلفاؤها  إلى المرحلة الثانية التي تقوم على الضغط عبر محاصرة المنطقة الغربية وعزلها عن محافظة القنيطرة وإطباق الحصار على المنطقتين كما حدث في الغوطة الشرقية وتتقدم هذه القوات بشكل ثابت وآمن مع عزل البلدات والمحاور لفرض التفاوض والتسويات كما أغلب المعارك السابقة وبعد تحقيق أهداف المرحلة الأولى والثانية وانطلاقا من الأمر الواقع الميداني الجديد الذي ستفرضه ميليشيات الأسد وحلفائها وبمواكبة ديبلوماسية يقودها الروس تنطلق المرحلة الثالثة  فيتم تثبيت انتشار هذه القوات وسيطرتها على الحدود مع الجولان المحتل استنادا إلى مقتضيات القرارات الدولية السابقة على خط الهدنة المعروف كما وتمارس سيطرتها وصلاحياتها العسكرية والأمنية والإدارية على الحدود مع الأردن كاملة ومن ضمنها جميع المعابر الحدودية المعروفة .

وبهذه الخطة يتم عزل المناطق المحررة في الجنوب السوري وتجزئتها إلى أجزاء وعزل منطقة اللجاه وحصارها بشكل كامل وعزل محافظة القنيطرة عن محافظة درعا بحيث يمكن السيطرة عليها بالقوة أو من خلال المصالحات التي يسعى الروس إليها بكل الطرق بالإضافة إلى أمر مهم جداً يصب في مصلحة الأردنيين قبل الأسد والروس وهو السيطرة على معبر نصيب والجمارك القديمة في درعا البلد وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضغوط كبيرة من قبل الأردنيين على قادة الفصائل في الجيش الحر.

هذا ما يخطط  له الأسد وحلفاؤه فهل ينجح في مخططه كما نجح في باقي المناطق كالغوطة الشرقية والجنوبية وحمص القديمة والريف الشمالي لحمص وحلب ومن المعروف أن هذه المناطق لم يستطع الأسد وحلفاؤه الدخول إليها إلا بطرق منها الضغط على الحاضنة الشعبية من خلال القصف المركز والشديد وارتكاب المجازر والحرب النفسية المركزة ولا ننسى تواطؤ بعض قادة الفصائل في هذه المناطق وخيانتهم لأهلهم وثورتهم وانخراطهم في مشاريع تخدم مصالحهم الشخصية ومصالح مشغليهم وتصب في إعادة إنتاج  الأسد وعصابته.