icon
التغطية الحية

الجمعية العربية الفتاة وشقيقاتها في ظل تشكل الدولة العربية

2021.04.20 | 23:10 دمشق

fatat_members_outside_of_damascus.jpg
+A
حجم الخط
-A

كان التطور السياسي الذي حدث في العشر سنوات الأولى من القرن عشرين حاسما في تقرير مصير الدولة العثمانية والولايات التابعة لها ومن ضمنها سوريا الطبيعية، وكان السلطان عبد الحميد يحكم بشكل منفرد فيما يتساقط من جسد الدولة الولاية بعد الأخرى، لتفرز هذه الأحداث تجمعات سياسية ناقشت، في مؤتمرات عديدة، شكل الحكم المناسب، وعلاقة المركز بالأطراف، وظهر خلاف شديد أفضى في النهاية إلى خلع السلطان ونفيه وتنصيب شقيقه بدلا عنه، وإعادة إحياء وثيقة قانونية على شكل دستور تضمن شكليا أسلوب الإدارة والحكم، كما أفرزت الوثيقة جمعية الاتحاد والترقي كمسيطر سياسي على مجلس المبعوثان الذي كان برلمانا عاما للدولة.

إعادة العمل بالدستور وانتخابات المبعوثان التي خُصص فيها مقاعد للقوميات، أوجدا شعورا وطنيا قاد إلى تشكيل تجمعات محلية عروبية لها شكل وطني على غرار جمعية الاتحاد والترقي، كان من أهدافها إيجاد شكل توافقي بين العرب والترك دون الإشارة إلى عملية فصل، أما في المقام الأول فقد كان التوجه نحو الوقوف في وجه التدخلات الأوروبية ومنعها من إنشاء رؤوس جسور لها في المنطقة.

أولى الجمعيات التي أسست كانت باسم جمعية الإخاء العربي العثماني، ويدل اسمها عليها، فهي ترحب بالأعضاء العرب فقط، ولكن شرط أن يوافقوا على التآخي العثماني، أسسها موظفون كبار في أواخر عهد عبد الحميد، وبعدها أسس المنتدى الأدبي وهو تجمع ثقافي يتميز بطابعه العربي، ولكن كانت الجمعية العربية الفتاة من أكبر تلك التجمعات وأوسعها أثرا، وقد تشكلت بجهود بعض الطلاب العرب ممن كان يدرس في الخارج، فالتقطوا الفكرة العامة وتجمعوا تحت الاسم السابق الذي يستلهم اسم جمعية تركية مشابه. الطلاب الثلاثة الذين أسسوا الجمعية بصيغتها الأولى سنة 1909 ينتمون إلى ثلاث من الدول العربية التي ظهرت حدودها لاحقا، بعد خروج الأتراك وحلول الانتدابات بديلا، وهم: عوني عبد الهادي من نابلس (فلسطين)، وأحمد قدري دمشقي (سوريا)، ومحمد رستم حيدر (لبنان).. نشطت الجمعية الفتاة بين صفوف ضباط الاحتياط الذين تم تجنيدهم من الجامعات لصالح النفير العام (سفر برلك) الذي أعلنه السلطان العثماني محمد رشاد، عند بداية الحرب العالمية الأولى، واستغل قياديو الجمعية وجود جميع مثقفي البلاد من ضباط الاحتياط في دمشق بعد أن تم استدعاؤهم للجيش فنقلت الجمعية مقرها من بيروت إلى دمشق..

كانت اجتماعات الجمعية عاطفية يتناشدون فيها الأشعار، ويغني الأعضاء ممن يمتلكون صوتا جميلا، أحدهم جلال البخاري، ويتبادلون أمنيات الاستقلال دون أي عداء أو ضغينة للأتراك، والمبدأ الأهم كان الـ "لا" الكبيرة للاستعمار الأوروبي ورفضه بشكل قاطع، ولو كلف الأمر الوقوف مع الأتراك في وجهه، كانت مشاعر منتسبي الجمعية متداخلة بين ما هو قومي وإسلامي، وكانت المشاعر نحو تركيا ودية، وخاصة في جو النفير العام ومناخات الحرب وقعقعة السلاح، وتحديدا في ظل قيادة زكي باشا الحلبي قائد الجيش الرابع، لكن سرعان ما ارتبكت المشاعر وتبدل بعضها بعد أن تم تغيير قائد الجيش الرابع ووصل جمال باشا ليصير قائدا لهذا الجيش وقائدا للحملة إلى السويس. أظهر جمال باشا في بداية حكمه وجها تصالحيا فقد قال في أول خطاب ألقاه: العرب والترك إخوان في غايتهم الوطنية ومحكوم عليهما بالفناء إن لم يتكاتفا. ولكنه أظهر وجها مخالفا وبدأ بملاحقة واعتقال كل من يظهر له علاقة بإحدى التجمعات الوطنية ذات التوجه العروبي.

استطاع أفراد الجمعية الفتاة أن يجتمعوا مع الأمير فيصل عند زيارته لدمشق حين نزل في القابون على آل البكري، وبوساطة نسيب البكري تم الاجتماع مع ضباط مرموقين من قيادة الجيش الرابع وأبدوا استعدادا للمساعدة في قيام حركة عربية بقيادة الشريف حسين، وكان جمال باشا قد أعدم قبل شهر من هذا الاجتماع مجموعة من أعضاء "الجمعية اللامركزية" ذات التوجه المشابه لتوجه الجمعية الفتاة، وكان منهم: مسلم عابدين ونايف تلو ومحمد ومحمود المحمصاني وآخرين.. وقد أصبح واضحا أن أي عمل معارض لجمال باشا يجب ألا يتم من دمشق وهي مركز قيادة جمال باشا وفيها نخبة قواته العسكرية، فتوجهت الأنظار نحو الشريف حسين الذي كان قد بدأ اتصالات مع بريطانيا تم الحديث فيها عن التعاون ضد الدولة العثمانية، كانت لدى الشريف حسين قدرة على التأثير المباشر بحكم موقعه الروحي ونسبه الديني، فبدأت تتكتل حوله القبائل العربية والضباط والجنود العرب الهاربون من الجيش العثماني.

وفي بداية القرن العشرين كان البريطانيون قد استقروا في مصر، وكانت فرنسا قد مهدت شرق المتوسط لمصالحها فأقامت عدة طرقات تحت عناوين شركات ترغب في الاستثمار، وأصبح الوجود المباشر في المنطقة هدفا أساسيا، يخبئ خلفه التنافس الحاد والمشتعل بين فرنسا وبريطانيا على النفوذ، ولا سبيل إلى إنزال الجيوش والتحكم المباشر إلا بإزاحة الدولة العثمانية، التي كانت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من المرض وقد فشلت كل محاولات العلاج التي جربها الاتحاديون. عرف البريطانيون كيف يؤمنون لأنفسهم نصرا سريعا وكسبا لشعوب المنطقة، من خلال تقربهم من الشريف حسين الذي تكفل بأمر الاتصال بالجمعيات العربية، وتكوين شبكة من العملاء.

في الواقع فقد استنسخ العرب شكل الجمعية العثمانية التي نجحت في تقويض عرش عبد الحميد، وأرادت الجمعيات العربية أن تخلق لها هامشا أكبر للتحرك تحت عناوين قومية، وهي عناوين لا يمانع الشريف حسين برفعها إذا أضيفت إليها النكهات الإسلامية، والتسليم له بمقاليد أمور المنطقة كلها، وقد ارتفع سقف مطالباته من مجرد عرش في مكة طلبه من الأستانا، إلى عرش على كامل المنطقة العربية طلبه من بريطانيا، معتمدا قوة نسبه وبضع جمعيات قومية، مع شعور شعبي كبير يسانده.