يشهد موسم الزيتون في محافظة حلب، ولا سيما في منطقة عفرين المعروفة تاريخياً بـ"عاصمة الزيتون السوري"، تراجعاً غير مسبوق في الإنتاج هذا العام، نتيجة سلسلة من العوامل المناخية والاقتصادية المتشابكة. فبعد أعوامٍ من مواسم وفيرة، يواجه المزارعون اليوم واقعاً صعباً بسبب شحّ الأمطار وجفاف السدود والينابيع، إلى جانب موجات الصقيع التي أضعفت الإزهار وأتلفت جزءاً كبيراً من الثمار. وتضاف إلى ذلك الأعباء المادية الثقيلة التي تحدّ من قدرة الفلاحين على العناية ببساتينهم، ما يهدد واحداً من أهم المحاصيل الزراعية في شمال سوريا، ويؤثر بشكل مباشر على أسعار الزيت والزيتون في الأسواق المحلية.
وقال مدير الزراعة في حلب، فراس سعيد، في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، إن إنتاجية محصول الزيتون في محافظة حلب هذا الموسم ستكون منخفضة جداً مقارنة بموسم العام الماضي، مرجعاً ذلك إلى عدة عوامل طبيعية وزراعية متداخلة.
وأوضح سعيد أن من أبرز الأسباب شح الأمطار وجفاف السدود والينابيع، إضافةً إلى موجات الصقيع التي ضربت زهور الزيتون خلال فترة الإزهار، ما أدى إلى تراجع واضح في كمية الثمار.
ويرى سعيد أن موجة الجفاف المستمرة في المنطقة أثرت بشكل مباشر على قوة أشجار الزيتون ونموها الخضري، وهو ما ينعكس سلباً على إنتاج الموسم التالي، خاصةً أن الحمل الأساسي يعتمد على النموات الحديثة، كما أشار إلى أن التقلبات المناخية الحادة، سواء بالارتفاع الكبير أو الانخفاض المفاجئ في درجات الحرارة أثناء فترة التزهير، كانت من العوامل الأساسية في تدني المحصول هذا العام.
ولفت سعيد إلى أن الإصابات الحشرية التي طالت العديد من الحقول، إلى جانب ضعف قدرة المزارعين على تحمّل تكاليف الخدمة الزراعية من حراثة وتسميد ومكافحة وري فاقمت من آثار الجفاف والتغيرات المناخية، وأشار إلى أن هذه الظروف مجتمعة قد تؤدي إلى انخفاض ملحوظ في كمية وجودة الزيت المنتج، مؤكداً أن المديرية تتابع أوضاع المزارعين عن كثب وتسعى لتقديم الإرشادات اللازمة للتقليل من الخسائر قدر الإمكان.
زيتون عفرين
في منطقة عفرين شمال غرب محافظة حلب، وهي الأكثر شهرة بزراعة الزيتون وفيها يتركز العدد الأكبر من الأشجار، أدت قلة مياه الري وجفاف العديد من الموارد المائية هذا الموسم إلى انخفاض عدد الريات اللازمة لأشجار الزيتون، ما ينعكس مباشرة على كمية الإنتاج وجودته، وفق ما أكده عدد من المزارعين الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا في المنطقة، وأوضحوا أن هذا التراجع المتوقع يترافق مع ظاهرة المعاومة، وهي ظاهرة طبيعية تؤثر على إنتاجية الأشجار، حيث تعطي الأشجار موسماً بإنتاج مرتفع، يليه موسم آخر بإنتاج أقل، وذلك بحسب مستوى الرعاية والخدمات الزراعية المقدمة لها من تقليم وتسميد وري ومكافحة للآفات.
العضو في مكتب الزراعة في منطقة عفرين، محمد العبد الله راح بعيداً في توقعاته حول انخفاض الإنتاج، مشيراً إلى أن نسبة الإنتاج المتوقعة هذا العام لا تتجاوز 15 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، والسبب أن موجة الصقيع التي ضربت البرعم الزهري في الشهر الثالث كانت قوية وتسبب في موت القسم الأكبر من البرعم، وهو ما تسبب في انخفاض حمل الأشجار، ويضيف العبد الله لموقع تلفزيون سوريا: " تأثرت منطقة عفرين بفترات سادة فيها الحرارة الشديدة والتي أثرت بشكل مباشر على أشجار الزيتون، بالإضافة الى غلاء أسعار مدخلات الإنتاج من فلاحة ومحروقات ومبيدات حشرية وأسمدة ويد عاملة وغيرها".
محاولات ترميم
في منطقة عفرين بدأ الفلاحون مبكراً بترميم المساحات المتضررة نتيجة الجفاف والإهمال الذي أصاب بعض البساتين خلال السنوات الماضية، من خلال زراعة شتلات جديدة في المناطق التي جفّت أشجارها، أو تعرضت للقطع، إضافة إلى توسيع المساحات المزروعة بالزيتون، وهذه المساحات لن تدخل الإنتاج إلا بعد مضي سنوات على زراعتها، فالزيتون يحتاج لفترة عناية طويلة تصل أحياناً إلى 5 سنوات حتى يبدأ في الطرح.
تعد منطقة عفرين الواقعة شمال غربي محافظة حلب، من أبرز وأقدم مناطق زراعة الزيتون في سوريا، حتى باتت تعرف محلياً بعاصمة الزيتون، وذلك نظراً للمساحات الواسعة المزروعة بهذا المحصول، وجودة إنتاجها من الزيت الذي يعتبر من أجود أنواع الزيوت في البلاد، وتغطي أشجار الزيتون في عفرين معظم أراضيها الزراعية، وتنتشر بساتين الزيتون في سهول وجبال النواحي التابعة لمركز المنطقة، جنديرس، راجو، شران، بلبل، ومعبطلي والشيخ حديد، وتعتبر هذه الزراعة الركيزة الأساسية للاقتصاد المحلي، إذ يعتمد عليها آلاف المزارعين كمصدر رئيسي للدخل، سواء من بيع الثمار أو من إنتاج زيت الزيتون والصابون ومشتقاته.
وتتمتع عفرين بطبيعة جبلية مناخها متوسطي معتدل، يجعلها بيئة مثالية لنمو الزيتون، فالأمطار الشتوية الوفيرة عادة، والتربة الكلسية الخصبة، والارتفاع المتوسط عن سطح البحر، ومهارة العامل البشري وخبرته الطويلة في زراعة هذه الشجرة، كلها عوامل ساعدت على إنتاج زيت عالي الجودة بنسبة حموضة منخفضة وطعم مميز، وتنتشر في المنطقة أنواع متعددة من الزيتون، منها الخضيري، والزيتي، والصوراني، وهي سلالات معروفة بقدرتها على مقاومة الجفاف وإنتاج ثمار غنية بالزيت.
وشهدت أوضاع مزارعي الزيتون في منطقة عفرين خلال الشهرين الأخيرين تحسناً كبيراً بعدما تسلمت إدارة المنطقة التابعة لمجلس محافظة حلب كامل الملفات الإدارية مع انتهاء عمل المنسقين الأتراك ومغادرة معظم الفصائل إلى ثكناتها العسكرية التابعة للجيش، وبدأت إدارة المنطقة بالفعل في إعادة الأملاك (بساتين زيتون ومعاصر) إلى أصحابها، وبعدما أعطت مهل متفاوتة للجهات والأفراد التي كانت تضع يدها عليها طيلة السنوات الماضية (في الفترة ما بعد العام 2018).
ارتفاع أسعار الزيت
التقى موقع تلفزيون سوريا عدداً من تجار زيت الزيتون شمال حلب، معظمهم أكدوا أن السوق يشهد هذا الموسم ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار الثمار والزيت على حد سواء، إذ بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من الزيتون ما بين 8 و15 ألف ليرة سورية وبالليرة التركية يباع كيلو الزيتون بحوالي 60 ليرة تركية، تبعاً لجودة الثمار والمنطقة المنتجة، ويرجع هذا الارتفاع، بحسب التجار، إلى تراجع الإنتاج المتوقع بنسبة كبيرة نتيجة العوامل المناخية والجفاف الذي ضرب بساتين الزيتون في معظم المناطق.
قال العضو في المكتب الزراعي في منطقة عفرين، محمد العبد الله، إن انخفاض الإنتاج انعكس على أسعار الزيت بشكل مباشر، حيث ارتفع سعر صفيحة الزيت (16 كغ) من إنتاج الموسم الماضي من نحو 500 ألف ليرة إلى حوالي مليون ليرة سورية، في مؤشر واضح على بداية موجة جديدة من الغلاء في الأسواق المحلية، وقد تواصل الأسعار في الارتفاع مع نهاية موسم القطاف، لأن الإنتاج قليل والحاجة كبيرة في الأسواق السورية، والزيتون في معظم المحافظات السورية المنتجة قد تأثر بالجفاف وبالعديد من العوامل المشتركة.