icon
التغطية الحية

الجفاف في سوريا.. طرف جديد في الحرب على السوريين (1)

2021.11.18 | 08:29 دمشق

250b8cd437663042e2ac441f5627d7c786908a53.jpg
جفاف سد الدويسات في محافظة إدلب (أ ف ب)
إسطنبول ـ سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

جوعى وعطشى وهاربون من الموت، هي حال اللاجئين السوريين الذين سيواجه الاتحاد الأوروبي تدفقهم على حدوده، فبعد أن كان القصف على إدلب يقض مضجع دول الاتحاد خوفا من موجة لجوء جديدة، يدخل الجفاف طرفا جديدا في الصراع، لا يمكن إيقاف مآسيه باتفاقية أو معاهدة.

عانت سوريا من ثلاث موجات جفاف منذ عام 1980، جاءت أشدها ما بين 2006 و2010، وتوصلت دراسة لوكالة ناسا الأميركية إلى أن الجفاف الأخير الذي بدأ عام 1998 في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط، والتي تضم سوريا والأردن ولبنان وفلسطين وقبرص وتركيا، من المحتمل أن يكون أسوأ جفاف خلال القرون التسعة الماضية.

وفي العام الجاري وصلت معدلات هطل الأمطار في سوريا إلى 140 ملم، في حين كان معدل هطل الأمطار في الأعوام السابقة يقف عند حدود 400 ملم.

900 years.PNG
الجفاف في منطقة شرقي البحر الأبيض المتوسط ـ ناسا

الأضرار البيئية المرتبطة بالنزاع في سوريا

يهدد الجفاف ونقص المياه الزراعة بشكل أساسي، ويؤدي إلى تدمير المحاصيل الرئيسية التي يعتمد عليها السكان في التغذية، أو كمورد مالي من خلال بيعها وتصديرها، بحسب الصحفي المختص في قضايا البيئة زاهر هاشم، ويضيف " يفضي ذلك إلى غلاء أسعار المواد الغذائية، وانتقال اليد العاملة في الزراعة للعمل في قطاعات أخرى، أو هجرتها إلى أماكن أكثر استقراراً، ما يؤدي إلى تفكك الأسر ونقص اليد العاملة وضعف الاقتصاد نتيجة للاعتماد على المنتجات الزراعية المستوردة لتعويض النقص في الإنتاج".

ويحدد "هاشم" الأضرار الناتجة عن النزاع في سوريا كالآتي:

  • تدمير مرافق المياه الصالحة للشرب.
  • تعذر عمليات صيانة محطات ضخ المياه ونقص الأيدي العاملة والخبيرة بسبب الهجرة والتهجير القسري.
  • تدمير وتعطل محطات الكهرباء ونقص المحروقات أدى إلى توقف ضخ مياه الشرب لمناطق كثيرة.
  • توقف محطات معالجة مياه الصرف الصحي أدى إلى تلويث التربة والمياه الجوفية التي أصبحت غير صالحة للشرب أو الاستخدامات المنزلية والري.
  • أدت الأعمال العسكرية إلى تدمير واحتراق التربة الصالحة للزراعة وتلويثها بالمواد الكيماوية من مخلفات الأسلحة التقليدية والمتفجرات.
  • تلوث الهواء بسبب استهداف منشآت صناعية ونفطية.
  • تدمير الغابات وتراجع الغطاء النباتي وتهديد التنوع الحيوي.
  • تراجع إنتاج الغذاء في سوريا.

وأدى الجفاف بالفعل إلى تراجع الزراعة ورفع أسعار الغذاء وقد استوردت سوريا القمح في عام 2008 بعد سنوات من تصديره خلال فترة التسعينيات.

ووفقاً لمنظمة "الفاو" عانى قطاع الزراعة السوري من خسائر تقدر قيمتها بـ 16 مليار دولار بين عامي 2011 و 2016 وتراجع قطاع الزراعة بنسبة 40% ما أدى إلى غلاء الأسعار وجعل نصف السكان تقريباً على حافة المجاعة.

ومن المحتمل مع زيادة الكثافة السكانية، وخصوصاً في شمالي وشرقي سوريا، تراجع إنتاج الغذاء بشكل كبير إذا استمرت موجة الجفاف وارتفاع درجة الحرارة نتيجة لتغير المناخ.

وبشأن السياسة التي اتبعها نظام الأسد خلال الأعوام الماضية في قطاع الزراعة وارتباطها بالتصحر يوضح "هاشم" لموقع تلفزيون سوريا، أن "النظام اتبع سياسات زراعية قائمة على المحاصيل التي تستهلك الكثير من المياه، مثل زراعة القطن والقمح، إضافة إلى السماح بحفر الآبار والتغاضي عن كثير من الآبار غير القانونية التي أدت إلى استنزاف المياه الجوفية، كما لم يشجع ويدعم المزارعين بالقروض التي تساعد على استخدام طرق الري الحديثة الموفرة مثل الري بالتنقيط".

أدى هذا بحسب "هاشم" إلى نفاد احتياطات المياه الجوفية، وجفاف الينابيع وتفاقمت المشكلة مع تزايد عدد السكان، وآثار التغير المناخي ونقص الأمطار، ما ساهم في جفاف وتصحر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.

فاو الجفاف في سوريا.PNG
توزع الجفاف على المناطق في سوريا بحسب منظمة الفاو

ويعلق "هاشم" على التقارير التي تتحدث عن الجفاف كأحد أسباب الثورة و انعدام الاستقرار في سوريا بالقول "تعدّ المشكلات البيئية وخاصة الجفاف ونقص المياه من العوامل التي تؤجج الصراعات في العالم، ومن بينها سوريا، ويشير بعض الباحثين إلى أن موجة الجفاف التي ضربت سوريا في عام 2008 وأدت إلى نزوح الآلاف إلى أطراف العاصمة والمدن الأخرى، تعدّ من الأسباب غير المباشرة التي ساهمت في اندلاع الثورة السورية، لكن باعتقادي إن انعدام الاستقرار في سوريا مرتبط بشكل أساسي بممارسات النظام القمعية المستمرة منذ 50 عاماً، وسياسات تهميش الريف وانعدام الحياة السياسية وانتشار الفساد والظلم الاجتماعي، وقد يؤثر الجفاف على استمرار انعدام الاستقرار لكنه ليس السبب الأساسي".

مياه السدود تنخفض أكثر من النصف

في الخامس من أيار الماضي، أعلنت حكومة نظام الأسد أن سوريا "تواجه أخطر عام من ناحية انخفاض معدلات الهطل المطري والجفاف والتغيرات المناخية منذ العام 1953، لأنه جاء على جميع المحافظات".

وقال وزير الزراعة في حكومة النظام، محمد حسان قطنا، إن "انخفاض معدل الهطولات المطرية أدى إلى انخفاض كميات المياه المخزنة في السدود إلى نسبة 52 %، وانخفاض المياه الجوفية إلى حدود حرجة، وخروج المساحات المزروعة بعلاً وعدم وصولها إلى مرحلة الإنتاش (الإنبات)، وبالتالي خسارتها"، وفق ما نقلت عنه إذاعة "المدينة إف إم" المحلية.

وأشار قطنا إلى أن وزارته زادت المساحة المروية من المصادر المائية السطحية كنهر الفرات، وستكون الأولوية لمياه الشرب وتأمينها للسكان، في حين راجعت الوزارة الخطة الإنتاجية للزراعات الصيفية وعدّلتها وخفضت المحاصيل الزراعية الشرهة للمياه، كالقطن، بمساحة 20 ألف هكتار، أي بنسبة 30 %.

وأكد أن الكميات المصدّرة من المنتجات الزراعية ستنخفض، في حين سترتفع تكاليف إنتاج المواد الغذائية، لوجود تكاليف أكبر ناتجة عن سحب المياه الجوفية.

وأوضح قطنا أن نسبة الأراضي التي خرجت من مجمل الأراضي المزروعة بعلاً بالقمح بلغت 700 ألف هكتار من أصل 800 ألف، في حين كانت خطة الوزارة هي زراعة مليون و550 ألف هكتار.

ولفت إلى أن النقص في محصول القمح سيتم تعويضه من خلال الاستيراد، مؤكداً أن الكمية المستوردة المخزّنة حالياً تكفي حاجة مناطق سيطرة النظام.

نزوح ليس ممكناً

توقعت تقارير دولية أن يؤدي الجفاف في سوريا وخاصة في شمال شرقي البلاد إلى موجات نزوح داخلي بشكل مستقل عن النزوح المتعلق بالأعمال العسكرية، وهو ما يبدو غير ممكن في الوضع الحالي بسبب توزع قوى السيطرة واشتعال المعارك والقصف بين الفينة والأخرى.

وتقول مصادر محلية لموقع تلفزيون سوريا إن مئات السوريين من مختلف المناطق ينتظرون الفرصة للعبور من عدة نقاط شمالي البلاد إلى الأراضي التركية، ومن ثم إلى أوروبا، بعد أن ضاقت بهم سبل العيش.

يذكر الصحفي "زاهر هاشم" أن سوريا شهدت موجات نزوح داخلي متعددة، على سبيل المثال قدرت الأمم المتحدة أن ما يقارب 300 ألف شخص نزحوا من الشمال الشرقي، وأن أكثر من ثلثي القرى في محافظات الحسكة ودير الزور  نزحت عام 2009، عدا العائلات التي هاجرت إلى لبنان. وتركز النزوح الداخلي بسبب الجفاف حينئذ في ضواحي حلب ودمشق والمحافظات الجنوبية.

ويشير إلى أن الوضع في المنطقة حالياً أكثر تعقيداً بسبب عدم إمكانية الخروج من مناطق عديدة تسيطر عليها جهات متعددة.

ازدياد انعدام الأمن الغذائي في سوريا

منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة "فاو" قالت الشهر الماضي، إن إنتاج سوريا من القمح لهذا العام يُقدر بـ 1.05 مليون طن، وهو ما يعني انخفاضه بنحو النصف عن الموسم الفائت، كما انخفض إنتاج الشعير بنسبة 75% عن العام الفائت أيضا.

وقال ممثل المنظمة مايك روبسون لوكالة فرانس برس، إن موسم الأمطار "الذي انتهى في آذار الفائت شكّل السبب الأكبر لمشكلة تراجع المحصول. لكنه ليس السبب الوحيد، إذ كان لارتفاع درجات الحرارة في الشهر اللاحق تداعيات لناحية عدم اكتمال نمو الحبوب".

ويوضح روبسون "شهدنا ارتفاعاً لناحية انعدام الأمن الغذائي العام الفائت ونتوقع ازدياداً إضافياً هذا العام".

كذلك حذرت 13 مجموعة إغاثة من أن أكثر من 12 مليون شخص في سوريا والعراق يفقدون إمكانية الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء.

وقال المجلس النرويجي للاجئين في تقرير له: إن أكثر من خمسة ملايين شخص في سوريا يعتمدون بشكل مباشر على مياه نهر الفرات.

مضيفا أنه "ستصبح أزمة المياه التي تتكشف قريبا كارثة غير مسبوقة تدفع المزيد من الأشخاص إلى النزوح".

وقالت كالة (فرانس برس) إن "مياه سد (الدويسات) في منطقة دركوش بريف إدلب الغربي جفّت، وباتت البحيرة المشيّد عليها، أشبه بمستنقع صغير تحيط به أراض متشققة وأشجار يابسة وبقايا هياكل عظمية لحيوانات".