الجزر التركية المنسية

2021.08.12 | 06:26 دمشق

thumbs_b_c_3fd233a6c1fd82163dcb93f50db88767.jpg
+A
حجم الخط
-A

المعروف عند الجميع أن تركيا تمتلك شواطئ طويلة جداً على سواحل البحار المطلة عليها (البحر الأبيض وإيجة والبحر الأسود) إضافة إلى البحر الداخلي لديها وهو بحر مرمرة وهذا ما يجعلها وجهة سياحية مطلوبة لتنوع الشواطئ والتضاريس الساحلية والداخلية منها ولكن على عكس ذلك لا تمتلك تركيا جزراً يُشار إليها كما لدى اليونان وإيطاليا وإسبانيا.

طلبت اليونان من بريطانيا إعطاءها الجزر وتم ذلك في مؤتمر باريس عام 1947 لكن بعد ذلك أبلغت تركيا سفيري بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية بأن حقوق تركيا السيادية على الجزر الـ12 لا تزال قائمة

جزر بحر إيجة هي مجموعة "الجزر الـ 12" الواقعة جنوب شرقي بحر إيجة والتي تحاذي الجرف القاري التركي وعلى الرغم من استخدام هذا المصطلح فإن عدد هذه الجزر في الواقع يزيد على اثنتي عشرة جزيرة، وكانت تسمى في العهد العثماني "جزر إيجة" وتم تسميتها لاحقًا بـ"جزائر بحر سفيد" أي (جزر البحر الأبيض المتوسط)، أو "الجزر الاثنا عشر"، تم الاستيلاء عليها من قبل الإيطاليين إبان الحرب التركية-الإيطالية بين عامي (1911-1912). وقامت باحتلال رودُس ومجموعة جزر الـ12 وفي 18 أكتوبر 1912، تم التوقيع على معاهدة أوشي، وكان على إيطاليا إخلاء الجزر بموجب المعاهدة، لكن لم يتم ذلك بسبب استمرار حرب البلقان ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى، وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى قرر مجلس الأمة التركي ترك هذه الجزر مؤقتًا لإيطاليا عبر معاهدة لوزان عام 1923 ولكن بعد تدهور الأوضاع العسكرية لإيطالية في أثناء الحرب العالمية الثانية أوعز موسوليني لقواته في تلك الجزر للعودة إلى إيطاليا وأرسل إلى الجانب التركي ليتسلّم الجزر، وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية احتلت بريطانيا الجزر وسط تأخر الحكومة التركية غير المفهوم في ذلك الوقت بالمطالبة بها، وبعدها طلبت اليونان من بريطانيا إعطاءها الجزر وتم ذلك في مؤتمر باريس عام 1947 لكن بعد ذلك أبلغت تركيا سفيرَي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية بأن حقوق تركيا السيادية على الجزر الـ12 لا تزال قائمة.

أما جزر البحر المتوسط هذا البحر الذي نشأت حوله حضارات وإمبراطوريات عظيمة فيُعدّ المسرح الأهم للأحداث العالمية وأن استمرارية و قوة أي إمبراطورية أو دولة نشأت حوله مرتبطة بمدى مقدار سيطرتها على هذا البحر والجزر التي فيه، وتعد جزيرة ميسMeis  الواقعة في خليج أنطاليا وعلى بعد أقل من ثلاثة كيلومترات وتبتعد عن اليابسة اليونانية قرابة 580 كم تعد إحدى نقاط التوتر بين الطرفين وطبعاً لا يمكن إنكار إهمال الحكومات التركية آنذاك في الدفاع عن تلك الجزيرة وغيرها من الجزر الصغيرة القريبة من الشط التركي، ورغم إقامة اتفاق بين تركيا والدول المعنية في ذلك الوقت واليونان على أن تكون هذه الجزيرة خالية من الوجود العسكري هي و24 جزيرة أخرى فإن اليونان أرسلت قوات عسكرية مؤخراً إليها في إشارة إلى عدم الاكتراث بالاتفاقيات المقامة مع تركيا.

ومما لا شك فيه أن القضية الأبرز لتركيا في شرق المتوسط هي قضية قبرص التي بقيت تحت سيطرة الدولة العثمانية لمدة 305 أعوام إلى أن تم احتلالها من قبل إنكلترا نهاية القرن التاسع عشر، واعترفت تركيا بسيطرة إنكلترا عليها في معاهدة لوزان دون الضم وبعد الحرب العالمية الثانية تم طرح مسألة إقرار المصير وبعدها بدأت اليونان محاولات ضم الجزيرة لها.

استطاعت تركيا فرض أجندتها نوعا ما في جزيرة قبرص لكن بعد استفاقة متأخرة ضيعت بسببها العشرات من الجزر

الفرق بين الجزر الأخرى وجزيرة قبرص أن الأخيرة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي التركي دون المطالبة لضمها للأراضي التركية رغم قناعة كل الشعب التركي بأنها جزء من أرضه ولا بد أن تعود له، وهذا لم يمنع تركيا من الموافقة في ستينيات القرن الماضي على أن تكون دولة ضامنة فيها كما هو الحال لبريطانيا واليونان لكن الانقلاب العسكري الذي حصل في الجزيرة بدعم من أثينا والمطالبة بضمها لليونان جاء الرد التركي بعملية السلام عام 1974 م ودخلت القسم الشمالي وطردت الانقلابيين (العسكر اليوناني) حتى الخط الأخضر الذي كان مرسوماً قبلاً من قِبل بريطانيا للفصل بين القبارصة الروم والقبارصة الأتراك، وحتى الآن هذه القوات موجودة وستبقى موجودة ما لم تحل القضية القبرصية وفق اتفاقية زيورخ ولندن بتقاسم السلطات في المكونين بالتساوي بينهما.

ربما استطاعت تركيا فرض أجندتها نوعا ما في جزيرة قبرص لكن بعد استفاقة متأخرة ضيّعت بسببها العشرات من الجزر التي هي الآن نقاط توتر خامدة نوعا ما بينها وبين اليونان والاتحاد الأوروبي الذي سيقف مع اليونان؛ لأنها جزء منه أما انضمام جزيرة قبرص إلى هذا الاتحاد فربما نقف في مقال آخر على مدى عدم صحة هذا الانضمام سياسياً وقانونياً.