الجدار الواقي ضد تركيا

2022.09.24 | 06:42 دمشق

الجدار الواقي ضد تركيا
+A
حجم الخط
-A

دعت في الآونة الأخيرة وسائل إعلام يونانية إلى استنساخ تجربة دائرة الاتصال بالرئاسة التركية كخطوة إضافية معززة لخطواتها السابقة لعزل تركيا قدر المستطاع وعلى كل المستويات، سواء العسكرية منها أو الاستراتيجية وحتى الاقتصادية، ومما لاشك فيه دور الإعلام كسلاح فعال ونافذ وخاصة في السنوات الأخيرة بعد انتشار وسائل إعلامية متعددة لم تكن متوافرة من قبل، ولذلك تقوم أثينا بإنشاء هيكل إعلامي للرد على الأطروحات الإعلامية الناجحة في الآونة الأخيرة لأنقرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذا يستدعي من أثينا ممارسة الدعاية الإعلامية ضد جارتها على كل الأصعدة لتستكمل استراتيجيتها التي تتبعها الآن من أجل إحاطة تركيا ومحاصرتها سياسياً وإعلامياً، لذلك قررت مؤخراً تأسيس دائرة اتصال تلعب دور الجدار الواقي ضد تركيا حتى إن رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس عقد اجتماعاً تناول فيه أنشطة الاتصال والتواصل التركية لما لديها من ديناميكية إيجابية كانت واضحة على الصعيد العالمي.

لم يقتصر النجاح اليوناني على الصعيد الأوروبي فحسب بل إنها استطاعت استقطاب الولايات المتحدة الأميركية  لجانبها (وهذا طبعاً عل حساب الدور التركي)

لا يمكن عد هذه الخطوة وكأنها نقطة ضعف لدى اليونان أو أنها سياسة متأخرة في الاستراتيجية اليونانية بل هي خطوة سبقتها خطوات قامت بها تدل على أن الدور الاستراتيجي لليونان آخذٌ في التوسع، وأنها اليوم ليست هي قبل عقد من الزمن، بل أن أهميتها الاستراتيجية زادت بعد الحرب الروسية الأوكرانية لتصبح خط مهم من خطوط الدفاع للاتحاد الأوروبي في وجه روسيا علاوة على أنها رأس الحربة الأوروبية من أجل حماية مصالح أوروبا في شرق المتوسط، وما فيه من طاقة مخزونة يسيل لها لعاب كل شركات الطاقة الأوروبية ولا يخفى على أحد الدعم الفرنسي الكامل لها حتى إن فرنسا أرسلت العام الماضي فرقاطات وسفن عسكرية لدعم البحرية اليونانية، وقررت دعمها بطائرات رافال الفرنسية ضمن استراتيجية أوروبية تقوم على التفوق الجوي اليوناني على حساب القوة الجوية التركية وهذا هو أحد أهم الأسباب التي جعلت تركيا تشتري منظومة إس 400 الدفاعية الروسية.

لم يقتصر النجاح اليوناني على الصعيد الأوروبي فحسب بل إنها استطاعت استقطاب الولايات المتحدة الأميركية  لجانبها (وهذا طبعاً عل حساب الدور التركي) فالقواعد العسكرية الأميركية في اليونان في ازدياد وتوسع في الوقت نفسه وظهر جلياً بعد توقيع كلا الجانبين في 21 /10/ 2021 اتفاقية الدفاع المشترك ليقر بعدها البرلمان اليوناني زيادة عدد القواعد العسكرية الأميركية في اليونان لتصبح أربع قواعد عسكرية كبيرة إحداها في جزيرة كريت، وتعد هذه الاتفاقية استكمالاً لاتفاقية تم عقدها بين كلا الجانبين 8/ 7/ 1990 مع اختلاف الظروف المحيطة في اليونان في ذلك الوقت وما عليه الآن حتى إن تركيا أبدت قلقها من استمرار تدفق السلاح إلى اليونان عبر ميناء الكساندرو بولي وغيره، وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي صراحةً وبشكل علني وأنه أبلغ الرئيس الأميركي عن هذا القلق، وهذا يعطي انطباعاً على أن استراتيجية اليونان في زيادة وقوتها الجيوساسية ناجحة، وهذا سينعكس طرداً على نفوذها سواء في الاتحاد الأوروبي أو في الولايات المتحدة الأميركية والتي تمتلك لوبياً لها قوياً جعل رئيس الوزراء اليوناني يطالب الكونغرس الأميركي بعدم الموافقة على منح تركيا طائرات إف 16، تلك الصفقة التي لم تحرز تقدماً حتى الآن.

قامت اليونان بتطوير علاقاتها مع المملكة العربية السعودية لما تمتلكه من ثقل سياسي عربي وإسلامي وثقل اقتصادي أيضاً

نجاح أثينا لم يقتصر فقط على الجانب الغربي بل تعداه للجانب الإقليمي فالعلاقات اليونانية المصرية تحسنت بشكل كبير بل إن الطرفين قاما بمناورات عسكرية بحرية مستفيدة من الخلاف السياسي بين أنقرة والقاهرة، وقامت اليونان بتطوير علاقاتها مع المملكة العربية السعودية لما تمتلكه من ثقل سياسي عربي وإسلامي وثقل اقتصادي أيضاً، بل حتى إنها خصصت بعض الجزر لما يسمى (السياحة الحلال) لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح الخليجيين وتنافس بذلك تركيا على الصعيد السياحي، ودخولها في منتدى شرق المتوسط وتعاقدها مع إسرائيل في كثير من الاتفاقيات لتمنع قدر الإمكان تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية التي بدأت تتحسن بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وليعود معها سباق التنافس الاستراتيجي من جديد بين أنقرة وأثينا وطبعاً الإعلام أحد أهم أذرعه.