الجبهة الوطنية للتحرير متـأخرة لكن ضرورية وملحّة

2018.08.11 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

 تم الأسبوع الماضي الإعلان عن اندماج أربعة فصائل ثورية مقاتلة ورئيسية ضمن الجبهة الوطنية للتحرير، التي أبصرت النور في نهاية شهر أيار/ مايو الماضي باندماج ١١ فصيلاً ثورياً فيها، كما أعلن فإن الجبهة ستكون بمثابة النواة لجيش الثورة في المناطق المحررة الآمنة، الخطوة المتأخرة لكن الضرورية والملحة لا تحمل دلالات عسكرية فقط، ولكن سياسية أيضاً تتعلق بالمشهد  الميدانى العام في إدلب ، كما مآلات أو احتمالات أي حلّ سياسي في سوريا.

الخطوة جاءت متأخرة جداً، وكان يجب أن تحصل منذ سنوات أربع أو خمس على الأقل، عندما كان النظام على وشك السقوط بالمعنى المادي، وليس المعنوي فقط، بعدما عجز بآلته القمعية، ثم  بإجرام إيران وحشودها الشعبية عن هزيمة الثورة، وعندما كانت الطريق إلى الشام مفتوحة  أقله من الجبهة الجنوبية قبل أن يضع  الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما الفيتو على تحرير العاصمة وإسقاط النظام بشكل نهائي.

في هذا الوقت كانت الأردن هي الدولة المؤهلة أكثر من غيرها لرعاية تأسيس الجيش الوطني، أو جيش الثورة، ولكن بدعم عربي كبير وواسع، خليجي تحديداً غير أن تضارب الرؤى والأجندات، أو عدم امتلاك الدول العربية لموقف موحد متجانس، ناهيك عن النوايا العميقة بعدم الرغبة في سقوط النظام وانتصار الثورة،وبالتأكيد  الضعف العربى العام والعجز، عن مواجهة الموقف المتخاذل للإدارة الأمريكية السابقة.

تركيا أيضاً كانت مؤهلة دائماً، وهي فكرت فعلاً في الخطوة فعلاً منذ خمس  سنوات تقريباً خاضت حوارات ونقاشات مباشرة وغير مباشرة مع كثيرين، على رأسهم الشهيد عبد القادر الصالح، والذي كان مؤهلاً أكثر من غيره لقيادة الجيش الوطني

للأمانة فإن تركيا أيضاً كانت مؤهلة دائماً، وهي فكرت فعلاً في الخطوة فعلاً منذ خمس  سنوات تقريباً خاضت حوارات ونقاشات مباشرة وغير مباشرة مع كثيرين، على رأسهم الشهيد عبد القادر الصالح، والذي كان مؤهلاً أكثر من غيره لقيادة الجيش الوطني، وهي أي فكرة تأسيس جيش ثوري وطني سوري ترافقت مع تفكير تركي جدي بالتدخل العسكري شمال سوريا لإقامة منطقة آمنة للثوار والمدنيين، ومنع قيام كيان إرهابي انفصالي على حدودها، رغم معرفة الحكومة التركية بمعارضة إدارة أوباما للخطوة ، لكن عدم خضوع القيادة العسكرية التام للقيادة السياسية، ورفض قيادات رئيسية أو مماطلتهم في التنفيذ وتحفظهم على القيام بالخطوة بعيداً عن موافقة الإدارة الأمريكية قبل أن يتضح أن معظم هؤلاء بما فيهم من كان يفترض أن يقود العملية كما في حالة الجنرال سميح ترزي قائد القوات الخاصة هم أعضاء في جماعة غولن وعلى درجة عالية من التنسيق وحتى التواطؤ مع الإدارة الأمريكية وذراعها العسكرية الاقليمى  في قاعدة أنجيرليك كما في قيادة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

مع إفشال الانقلاب صيف العام 2016 وتحرر القيادة التركية وعودة القيادة العسكرية للوصاية السياسية انطلقت   الخطة الاساسية عبر تنفيذ عمليات درع الفرات، ثم عملية "غصن الزيتون" ومع نجاح العمليات وانتهائها ميدانياً عادت الفكرة القديمة للظهور والمتمثلة برعاية وتأسيس جيش موحد للثورة تحت مسمى الجبهة الوطنية للتحرير.

في البعد العسكري نتحدث عن جيش من 60 ألف مقاتل في محافظة إدلب و أرياف حلب حماة اللاذقية قابل للزيادة والوصول الى 100 ألف مقاتل و يفترض أن يكون الجيش  قادر على توفير الأمن الأمان للمواطنين فى المنطقة كي تتحول إلى آمنة بالمعنى الدقيق والكامل المصطلح، ويفترض أن يكون قادراً كذلك على صد أي هجمة أو تفكير في عمل إجرامي سواء من قبل بقايا النظام أو الحشود الشعبية الأجنبية المشغلة والمدارة من طهران على اختلاف مسمياتها.

عسكرياً وسياسياً أيضاً، يفترض أن تصب الخطوة في صالح إشاعة أجواء الاطمئنان داخلياً وخارجياً وإبعاد شبح التدخل العسكري في إدلب علناً. إن هذا  القرار هو حصراً  بيد الاحتلال الروسي لا أدواته التابعة للنظام ، ولا حتى تلك  التابعة لإيران الخاضعة أيضاً للقواعد والمحددات  المرسومة روسياً .

تشكيل الجبهة يؤدي كذلك إلى تسريع فرص حل مشكلة أو معضلة هيئة تحرير الشام التي ستجد نفسها تحت أجواء  سياسية ضاغطة لإزاحة الخيار العسكري عن الأجندة الإقليمية الدولية العملية  كما أجواء شعبية مساندة وداعمة لتشكيل جيش موحد للثورة ومنع الخيار العسكرى بكل الوسائل المتاحة.

سياسياً ومؤسساتياً أيضا تشكل الخطوة قاعدة أساسية مهمة للانطلاق نحو إدارة المناطق المحررة  فى السياق الثلاث، وكيفية بناء نموذج مناقض  للواقع الذي تعيشه مناطق النظام-وبى كا كا السورى- والسهر على خدمة مليون بل ملايين المواطنين وتحسين أحوالهم في الأبعاد والجوانب المختلفة الحياتية المعيشية الصحية التعليمية،  وبالضرورة فإن بناء الجيش الثورى بشكل مؤسساتي محترف سينعكس حتماً على بناء المؤسسات المدنية الأخرى.

سياسياً، كانت مهمة جداً الإشارة في بيان الاندماج الأخير الأسبوع الماضي إلى عقد مؤتمر وطني واسع لأطياف الثورة لخلق جسم أو إطار سياسي يفترض أن يقود ويشرف على الجانب السياسي، كما إدارة أحوال الناس ورعايتها بعيداً عن تدخل العسكر وهيمنتهم على الحياة المدنية.

إن وجود الجيش مبدئياً سيمنع بالتأكيد الحل أو الخيار العسكري، ومن جهة أخرى سيجعل من الاستحالة بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه أي  بقاء مناطق تقاسم النفوذ لمدى زمنى طويل ومفتوح.

لا يقل أهمية عما سبق  حقيقة أن خطوة  تأسيس الجيش وبناء المؤسسات المدنية الأخرى ذات الصلة ستضع الثوار وهيئاتهم في موقع لا غنى عنه في  المشهد السوري الحالي وبالتالي الجهوزية التامة للانخراط في العملية السياسة عندما يحين الوقت الملائم، مع الانتباه إلى إن وجود الجيش مبدئياً سيمنع بالتأكيد الحل أو الخيار العسكري، ومن جهة أخرى سيجعل من الاستحالة بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه أي  بقاء مناطق تقاسم النفوذ لمدى زمنى طويل ومفتوح.

أتفهم مشاعر الإحباط والتشاؤم من فكرة تشكيل الجبهة الوطنية ، وحتى من قدرة الثوار بعد سبع سنوات على التصرف بشكل مختلف وجدي سياسياً وعسكرياً والحقيقة أن الثوار السوريين تركوا وحدهم لسنوات ، بعدما كان النظام قد دمر لعقود الفكر الوطني المؤسسساتي المحترف فى أبعاده المختلفة سياسياً عسكرياً ومدنياً ، والفارق النوعي هنا يتمثل بمعطيين رئيسسين شعور فصائل الثورة بضرورة وحتمية الاندماج والتوحد لمنع الخيار العسكرى فى إدلب وريفها وإعادة احتلال النظام لكامل البلد مرة أخرى، والمعطى الآخر الذى لا يقل أهمية  يتمثل  في حضور تركيا كونها صديق حقيقى للشعب السورى، صديق يتصرف بعقلية عصرية مؤسساتية مهنية منضبطة مرتبة ودقيقة ، والنموذج المدني المصغر الذى رأيناه فى مناطق درع الفرات سيتوسع ويتمدد ليشمل إدلب وأجزاء من أرياف حلب حماة واللاذقية،  وسيتحول إلى كيان مدنى تعددي ديموقراطي يشكل النواة أو النموذج لما يجب أن تكون عليه سوريا المستقبل المناقضة تماما لمنظومة الاستبداد والفساد التي أقامها نظام  الأسد