الثورة السورية.. محكومون بالأمل

2021.03.14 | 05:47 دمشق

834cbaf4-bf67-460a-9e56-c9f9abf1e557.jpeg
+A
حجم الخط
-A

يمكن أن نكتب الكثير عن الذكرى العاشرة للثورة السورية. نبدأ ولن نتوقف إذا أردنا الحديث عن الانقلاب على المنظومة التي عاش عليها أهل هذا البلد طيلة أربعين عاما من حكم عائلة الأسد. وهي منظومة قامت على الخوف الذي صار مع مرور الوقت ثقافة السوريين العلنية التي أتقنها الكبير والصغير. يجدر بنا في هذا اليوم أن نمتدح هذا الحدث العظيم، وأن نقف بلا تردد لننظر إليه بكل ما نملك من أدوات النقد والمراجعة لأنه خيارنا الوحيد. ويصح أن نفرح ونحزن في ذات الوقت. أن نعتز بما حققناه، ولا نلوم أنفسنا لأننا لم نصل إلى ما كنا نصبو إليه لأن درب الثورة ما يزال في أوله.

لم يكن أحد يظن أن السوريين الذين عاشوا أربعين عاما تحت سقف الخوف سوف يكسرون باب السجن الكبير كي يصلوا إلى ما نحن عليه اليوم، ولكن المقدمات لا تدع مجالا لنتائج أخرى، فالحياة التي عاشها السوريون في ظل حكم الأسدين لم تكن لتولد غير هذا الانقلاب على الخوف والسجن الكبير الذي استطالت جدرانه إلى حد لم يعد يرى السوريون ما وراءه. لقد كان سجنا بملايين الجدران التي بناها نظام كان همه الأساسي منع الشعب السوري من الحرية والحياة.

بعد عشر سنوات لم تحقق الثورة هدف إسقاط النظام الذي رفعته في مرحلة مبكرة، ولكنها أسقطت الخوف من النظام، وكلف ذلك الكثير من الدم والدمار والتهجير، فالنظام الذي بناه الأسد الأب ليدوم إلى الأبد كان قد استعد جيدا لهذه اللحظة التاريخية، ولذلك جاء رده قاسيا وعنيفا. رد أراده بالدم والدمار والتهجير الجماعي للمدن والأرياف، وهو بذلك قال كلمته منذ البداية إنه لا مجال لأي حل وسط أو تسوية في منتصف الطريق. أدرك النظام أن السوريين قاموا من أجل الحرية التي تعني الخلاص من حكم آل الأسد الذي حبسهم أربعين عاما، ومنعهم من الحياة الكريمة. والحرية مع نظام له هذه التركيبة لا يمكن أن تتم بالتدريج وعلى مراحل، فإما أن تكون أو لا تكون.

هناك إجماع على أن الثمن الذي جرى دفعه لن يذهب هباء، بل سوف يمكث في الأرض التي تنتظر الربيع

ليس هناك من بين السوريين من لم يذق طعم الخسارة بمعناها الخاص. والغالبية العظمى من الذين ثاروا على النظام باتوا خارج الحدود، وفقدوا بيوتهم وأملاكهم. ورغم ذلك فإن كل استطلاعات الرأي التي تخير الناس بين العودة إلى الوضع السابق وبين ما هم عليه اليوم، تنتهي إلى أن الغالبية ترفض الحياة في ظل النظام، حتى اليافعون الذين لم يعيشوا وقائع سنوات القمع والذل يعارضون العودة إلى سوريا في ظل وجود النظام الحالي. هناك إجماع على أن الثمن الذي جرى دفعه لن يذهب هباء، بل سوف يمكث في الأرض التي تنتظر الربيع.

وإذ يقف السوريون اليوم على عتبة العام الحادي عشر للثورة، فإنهم لم ييأسوا أو يتعبوا لأنهم محكومون بالأمل

عشر سنوات على الثورة السورية مرت مثل زلزال سريع ضرب هذا البلد من أقصاه إلى أقصاه، ولم يترك ركنا على ما هو عليه. تحركت الجغرافيا السورية كما لم تعرف في تاريخها، ومثلما حصل في الثورات الكبيرة في التاريخ، فإن الثورة السورية تجاوزت الحاجز الأول في طريقها إلى الحرية وهو حاجز الخوف، ولم يبق أمامها سوى إعادة ترتيب نفسها كي تعمل على تحقيق أهدافها، وهذا أمر لن يتم بين يوم وليلة، ولن يتوقف على الذين حققوا الإنجاز الأول، بل سيتجاوزهم مثل نهر جارف نحو بناء سوريا الجديدة التي لا مكان فيها للقمع والتمييز ومصادرة حريات الناس.

وإذ يقف السوريون اليوم على عتبة العام الحادي عشر للثورة، فإنهم لم ييأسوا أو يتعبوا لأنهم محكومون بالأمل.. أمل الخلاص والحرية.