"الثوابت الوطنية" لنظام الاستبداد

2019.12.01 | 17:29 دمشق

la.jpg
+A
حجم الخط
-A

لن أكتب شيئاً ههنا لا يعرفه صاحب ضمير وأخلاق، أو من يُعمِلَ عقله قليلاً. في الجولة الثانية للجنة الدستورية، تقدم رئيس وفد النظام، الذي تبدل اسمه مرات ابتداءً من "الوفد المدعوم من النظام" وصولاً إلى "الوفد الوطني، ببيان تشبيحي سمّاه "جدول أعمال"؛ وكان عنوانه: "الثوابت الوطنية"؛ ثم سمّاها "الركائز الوطنية"؛ وطلب فيه ممن تدرج تسميتهم من "الطرف الآخر" وصولاً إلى "الوفد التركي" أن يُثبتوا وطنيتهم عبر "محاربة الاٍرهاب"، و"إدانة الاحتلال التركي" و"رفع العقوبات عن سوريا".

بداية الثوابت الوطنية هي ما يصوّت عليه ويقره الشعب برضاه. وكل مادة في دستور بلد، لا بد من اعتبارها ثابتاً وطنياً. وبما أن من يقر، ومن يصوت، ومن يقرر طبيعة هذه "الثوابت"، التي تقدم بها وفد نظام الأسد، هو سلطة استبدادية لا تكترث ولا تقيم وزناً لرأي أو صوت شعب، بدليل أنها قتلته واعتقلته وشرّدته بدم بارد ودون وجل أو خشية أو حساب؛ فأي "ثابت" هو ثابتها حصرياً، ولا علاقة للشعب فيه.

ثانياً: الحديث في الثوابت، وخاصة إذا كانت استنسابية وتخدم حصراً سلطة ما، وليست إلا مسائل سياسية خارج ولاية أو صلاحيات اللجنة الدستورية حسب القواعد الإجرائية المتفق عليها؛ فلا يكون استخدامها إلا من باب المزايدة، والتعطيل، وتضييع الوقت، والتصرف بلا مسؤولية تجاه سوريا وشعبها. وإذا ما دخلنا في ثنايا تلك الثوابت، نجد أن النظام سيفتح على نفسه أبواب جهنم؛ وبودنا أن نفتحها عليه؛ لكنها ليست موادَّ أو مضامين لجدول أعمال؛ وما مكانها اللجنة الدستورية.

الحديث في الثوابت، وخاصة إذا كانت استنسابية وتخدم حصراً سلطة ما، وليست إلا مسائل سياسية خارج ولاية أو صلاحيات اللجنة الدستورية حسب القواعد الإجرائية المتفق عليها؛ فلا يكون استخدامها إلا من باب المزايدة، والتعطيل

أول هذه "الثوابت" هو إدانة الاٍرهاب؛ وفِي هذا المجال هناك سلة قائمة بذاتها في القرار الدولي 2254؛ ومَن أصرّ على اعتبارها كذلك في مفاوضات جنيف السابقة كان الجعفري رئيس وفد النظام حينها. وعندما طلب المبعوث السابق فتح تلك السلة، اقلع الجعفري عن الفكرة، وفي تلك الجولة كان هذا بالذات ما سمعه المبعوث الجديد من وفد المعارضة؛ بأن لهذه السلة مكانها في المسار السياسي؛ وأن هيئة التفاوض جاهزة لمناقشة هذه المسألة؛ فطرح ذلك على الوفد "المدعوم من النظام"؛ ولكن الوفد تملص من ذلك. وإذا ما أردنا الدخول في هذا "الثابت" فلا بد أن النظام سيسمع مرافعات، ويرى وثائق عن البراميل والكيماوي والمجازر والعنقودي والارتباط مع داعش والتشريد والاعتقال وسيزر وأفران صيدنايا و و و . وقلنا للمبعوث الدولي إن مكان هذا في مسار آخر؛ ونحن هنا لنكتب دستوراً لسوريا.

"الثابت" الثاني الذي لم يتجرأ وفد النظام أن يقدمه صراحة كجزء من جدول الأعمال - لمعرفته التامة بأن ذلك خارج ولاية اللجنة وليس من مهامها - بل سرّبته وسائل إعلامه، ويتمثل بإدانة الاحتلال التركي.

أولاً لا يريد سوري حقيقي قدماً احتلالية على أرضه. وإن تذرّع النظام بأن ميليشيا حزب الله والحرس الثوري الإيراني والتدخل الروسي كانوا بطلب من "الشرعية"، فالحجة ساقطة بنفس المعيار؛ فمن يقتل مَن يدعي حمايتهم، يفقد شرعيته. ثانياً، لم ينسَ أحد بعد اتفاق أضنة، الذي وقّع عليه النظام؛ وبموجبه يحق لتركيا الدخول وملاحقة "الإرهابيين"، ولكيلومترات. وثالثاً عندما يقول وزير خارجية روسيا إن النظام وافق على الاتفاق، وعندما تسأل محطة RT  الروسية رأي رئيس النظام عن الاتفاق الروسي - التركي بخصوص الدخول التركي، ويقول إن "الاتفاق جيد"؛ فهل يُطلَب منه أيضاً أن يلتزم بهذا الثابت.

لم ينسَ أحد بعد اتفاق أضنة، الذي وقّع عليه النظام؛ وبموجبه يحق لتركيا الدخول وملاحقة "الإرهابيين"، ولكيلومترات

كان الثابت الثالث للوفد "المدعوم من النظام" هو المطالبة برفع العقوبات. أولاً، هذه العقوبات تم فرضها بسبب ممارسات النظام، ولم تأت من فراغ، أو كجزء من المؤامرة، كما يدعي. ثانياً، الجهات التي فرضتها لا تنفك عن القول بأن الدخول في العملية السياسية بشكل حقيقي كفيل برفعها. ومن هنا فإن ما يتسبب باستمرار هذه العقوبات هو سلوك النظام واستمراره بتعطيل العملية السياسية.

وأخيراً، من نافلة القول أن المتضرر من هذه العقوبات هو الشعب السوري لا النظام الذي يعيش مرفهاً، وهكذا يتحول الشعب السوري إلى رهينة للنظام للتباكي عليها وضحية لابتزازه ولتلك العقوبات. هذه العقوبات يجب أن تُرفع؛ ولكن لا يمكن اعتبارها ثابتاً وطنياً، ومادة لدستور سوريا المستقبلي؛ فهي تزول بزوال ألاعيب نظام الاستبداد بها.

أهم ثابت وطني في سوريا هو الحرية، حرية الإنسان وحرية الوطن. هكذا تكون سوريا وطناً ودولة، لا مزرعة فيها عبيد وأقنان. ثوابتها الوطنية العدل والقانون والمواطنة المتساوية. ثوابتها ما يختاره شعبها بحرية ومسؤولية وحكم رشيد صادق شفاف. ثوابتها قضاء حر نزيه. ثوابتها إطلاق سراح معتقليها ووقف تدميرها وعدم بيعها أو تأجيرها من أجل البقاء في السلطة. ثوابتها تضميد الجراح الروحية لأهل الشهداء واليتامى والثكالى. ثوابتها استعادة خيراتها المنهوبة. ثوابتها مواد دستور لا تسمح بعودة أو تكرار مأساتها.

كلمات مفتاحية