الثلاثي الخَطِر على إقليم كردستان

2021.08.12 | 06:26 دمشق

hzb-almal-alkrdstany-780x405.jpg
+A
حجم الخط
-A

اطلعت اليوم على فيديو هو عبارة عن سيمينار تم إعداده من قبل أنصار حزب العمال الكردستاني PKK في ألمانيا، وحضر الندوة مجموعة من المثقفين المستقلين، لبحث مشكلة الوجود اللا شرعي لمقاتلي الحزب في الإقليم وسبل التعامل معهم.

وقبل الدخول في صلب الموضوع بالنسبة لي أرى بأن المثقف الكردي هو ليس ذلك الذي يتقن اللغة الكردية ويكتب بها فحسب، هذا بالرغم من أهمية الكتابة باللغة الأم، إلاّ أن صف بعض الجمل والكلمات والعبارات الجاهزة كالتي يحفظها الناشئة من دون معرفتهم بفحوى ما يرددونه لا يدخل في إطار خدمة القضية، إنما المثقف قبل كل شيء هو الذي يطرح الأسئلة المتعلقة بالقضايا الجوهرية ويجيب عليها وفق المنطق 

وفيما يتعلق بموضوع الندوة والذي كان بمجمله يدور حول منع الاقتتال الأخوي كما يسمونه بين طرفين، أحدهما يمثله إقليم كردستان العراق ويتحرك ضمن أراضيه وسيادته، وطرف آخر فرض نفسه بالغصب والإكراه وهو غير مرحب به من قبل الأهالي ويمثله PKK، ولكن في الندوة تلك كان ثمّة ميل واضح للدفاع عن وجود PKK اللا شرعي، وعلى طول السيمينار وما من أحدٍ منهم طرح السؤال الجوهري: ماذا تفعل قوات PKK في أراضي إقليم كردستان؟ وما هي وظيفة تلك القوات؟ فهل استنجد بها الإقليم؟ وهل هم ضيوف حقاً ويلتزمون بقوانينه؟ وأنهم بسبب حاجتهم إلى ملاذ آمن دخلوا أراضي الإقليم، أم أنهم دخلوه عنوةً بقوة السلاح واحتلوا القرى وهجّروا أهلها؟

حزب العمال الكردستاني لا يعترف بسيادة الإقليم على أراضيه ولا بقوانينه ولا بحكومته الشرعية

ومن ضمن الطروحات الغريبة في الندوة ظهرَ مَن يسعى إلى تجاوز ألف باء المنطق والعقل، ويقول إن إقليم كردستان أرض كردستانية وبالتالي يحق لقوات حزب العمال الكردستاني الوجود هناك من دون موافقة أحد، إذ لو طبقنا هذا المنطق الأعوج في أماكن أخرى من العالم لما تحولت تلك الدول بمجملها إلى ميادين مفتوحة للصراعات التناحرية الدائمة بسبب دخول وخروج العصابات منها وإليها؛ ولا شك أن هذا المنطق يجعل إقليم كردستان في خطر دائم ويبنى عليه الاستنتاجات التالية:

أولاً: إن حزب العمال الكردستاني لا يعترف بسيادة الإقليم على أراضيه ولا بقوانينه ولا بحكومته الشرعية، رغم أن العراق ومعظم دول العالم بمن فيهم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي يعترفون بشرعية الإقليم ويتعاملون مع حكومته على ذلك الأساس.

ثانياً: إذا كان الـ PKK ينطلق من اعتبار أنها أرض كردستانية وله الحق في الوجود فيها متى شاء، فإن هذا المنطق يعطي الحق للحشد الشعبي في بناء قواعد له في إقليم كردستان خارج إرادة حكومة الإقليم وقوانينها، وذلك انطلاقاً من أن الإقليم ما يزال جزءاً من العراق وفق الدستور وحتى الواقع الميداني، وبالتالي بإمكانهم العبث بأمنه واستقراره.

ثالثاًـ إن المنطق الذي يبني عليه حزب العمال الكردستاني نظريته أو إيديولوجيته يمنح الشرعية لداعش الإرهابي أيضاً بالوجود في إقليم كردستان العراق انطلاقاً من مبدأ أن العراق دولة إسلامية وجزء من الأمة الإسلامية.

إذاً ما هو مبرر وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان؟ فإذا كانوا هناك من أجل تأمين ملاذ آمن لهم أليس من المفروض عليهم الحصول على موافقة حكومة الإقليم؟ وأن يلتزموا بقوانينه، وأن يضعوا أنفسهم تحت حمايته وإدارته، وأن لا يتسببوا في إلحاق أي أذى أو ضرر بمصالح الإقليم، ومن ثّمَ أن لا يتخذوا من أرضه قواعد للهجوم على دول الجوار، أم أنهم عبارة عن محتلين كحال داعش والحشد الشعبي وبالتالي من حق الإقليم طرد قوى الاحتلال؟ أم أنهم ينطلقون من قناعاتهم الإيديولوجية التي أفرزت مصطلحات مخالفة للواقع مثل الأمة الديمقراطية الوهمية، ومن ثم نصبوا أنفسهم أوصياء على كل الكرد؟

إذا كان هناك ثمة خطر على الكرد في كردستان العراق خاصةً وعلى القضية الكردية بوجه عام، فإن الخطر يأتي من ثلاثة مصادر: داعش، الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني

ما جرى في الندوة هو أن المشاركين كانوا يتحدثون بمثالية عن المخاطر والفرص أمام الكرد، ولكن لا أحد منهم وضع الإصبع على الجرح ووقف على نقطة الخلل الرئيسية بهذا الخصوص، وحيث إن حال إقليم كردستان كحال دولة شبه مستقلة وهو بحاجة إلى أفضل العلاقات مع دول الجوار وخاصةً تركيا، وإذا كان هناك ثمة خطر على الكرد في كردستان العراق خاصةً وعلى القضية الكردية بوجه عام، فإن الخطر يأتي من ثلاثة مصادر: داعش، الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني.

ختاماً إذا أراد حزب العمال الكردستاني تخفيف الخطر على القضية الكردية عموماً وعلى إقليم كردستان العراق بوجه خاص، ومن أجل استتباب الأمن في الإقليم وعودة الأهالي الذين هجرهم مقاتلو الحزب المذكور فليس أمامهم سوى نيل موافقة حكومة الإقليم على وجودهم والالتزام بقوانينه وقراراته بما فيه تسليم سلاحهم الثقيل ووضعهم في أماكن محددة تحت إشراف الأجهزة الأمنية للإقليم، أو إخراج مقاتليه بشكل نهائي من الإقليم وفق جدول زمني قصير، أما اتّباع أي طريق آخر فهذا يعني أنهم بسوية الحشد الشعبي وداعش، وأنهم كالجهات المذكورة يُشكلون الخطر الأكبر على القضية الكردية.