icon
التغطية الحية

"الثعلب في قن الدجاج".. تعاون "الإنتربول" مع النظام السوري لمكافحة المخدرات

2022.07.20 | 16:32 دمشق

تجارة "الكبتاغون"
منح النظام السوري مقعداً على طاولة "الإنتربول" يأتي بنتائج عكسية للجهود الإقليمية لمكافحة تجارة "الكبتاغون" - EPA
إسطنبول - متابعات
+A
حجم الخط
-A

نشر معهد "نيولاينرز للدراسات والسياسات" تقريراً تحدث فيه عن الخطوة التي اتخذتها منظمة "الإنتربول" للتعاون مع النظام السوري، بعد دعوته رسمياً للمشاركة في عملية "سمكة الأسد"، وهي جهد رئيسي لـ "الإنتربول"، يهدف إلى تعطيل تجارة "الكبتاغون" في الشرق الأوسط وخارجه، واصفاً هذا التعاون بأنه "الثعلب في قن الدجاج".

ففي 23 حزيران الماضي، حدد المسؤولون في مطار الكويت الدولي شحنة مشبوهة وصلت من تركيا، احتوت على أجهزة تغليف حراري قدّمها مواطن سوري كشحن جوي، وعند فحصها وجدت الجمارك الكويتية أكثر من 4 ملايين حبة من مخدر "الكبتاغون" مخبأة بخبرة داخل الأجهزة.

وفي الوقت الذي ضبطت فيه الجمارك الكويتية شحنة "الكبتاغون"، كان ممثلو إنفاذ القانون يجتمعون في الإمارات العربية المتحدة برعاية "الإنتربول"، لمناقشة الجهود الإقليمية لمكافحة تجارة المخدرات في المنطقة، ومن قبيل الصدفة، جلس ممثلو دولة الكويت داخل الغرفة مع اثنين من ممثلي حكومة النظام السوري، الوكيل الرئيسي لتجارة "الكبتاغون" الحديثة.

مع زيادة شحنات "الكبتاغون" في جميع أرجاء المنطقة، جاء المؤتمر في الوقت المناسب، حيث أصبح تجار المخدرات في المنطقة أكثر تطوراً وابتكاراً، بل وحتى أكثر عنفاً خلال عمليات التهريب.

وفي حين أن استهلاك المخدرات مثل "الكبتاغون" و"الترامادول" و"الميثامفيتامين" وصل إلى معدلات مثيرة للقلق، مما يخلق حاجة أكبر للحوار والتعاون الإقليمي بشأن خفض العرب وطلب، إلا أن إشراك النظام السوري في محادثات "الإنتربول" الحساسة حول الجهود التعاونية لدرء تجارة المخدرات غير المشروعة يأتي بنتائج عكسية لتلك الجهود، حيث تمنح هذه المشاركة النظام السوري منبراً لإنكار تورطه في تجارة "الكبتاغون"، ويزوده بالمعلومات الاستخباراتية اللازمة للبقاء متقدماً بخطوة على بلدان العبور والمقصد.

تواطؤ على مستوى الدولة

منذ العام 2019، تراكمت الأدلة التي تربط تجارة "الكبتاغون" مع جهات فاعلة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمناصب عليا داخل نظام الأسد والميليشيات المسلحة الموالية لإيران، وجمعت التحقيقات والتقارير والتحليلات، التي تكشف عن معلومات استخباراتية جديدة حول تجارة "الكبتاغون"، أدلة جديدة على مشاركة وتواطؤ شخصيات في النظام السوري، من مستوى وزراء، في إنتاج "الكبتاغون" والاتجار به.

كما تساهم كيانات مسلحة متعددة، مثل "الفرقة الرابعة"، في زخم تجارة "الكبتاغون"، وتشكّل تحالفاً وثيقاً مع الأجهزة الأمنية للنظام السوري ورجال الأعمال من القطاع الخاص والشركات الوهمية المقرّبة من النظام السوري، بما فيهم أقرباء مباشرون لرئيس النظام بشار الأسد.

وتشرف تلك الكيانات والأجهزة والشركات والشخصيات على مواقع إنتاج "الكبتاغون" في اللاذقية وحلب وحمص ودرعا، ونقاط أخرى يسيطر عليها النظام على طول الطريق السريع "M4"، بما في ذلك نقل المواد والأفراد والاستعداد لعمليات التهريب، وتوفير المنتجات الزراعية والسلع الصناعية والمنتجات المشروعة الأخرى لإخفاء حبوب "الكبتاغون".

ومع تراكم الأدلة على التواطؤ على مستوى الدولة والمشاركة في تجارة "الكبتاغون"، أجرى النظام السوري سلسلة من "الإصلاحات التجميلية" وحملة توعية عامة ومصادرات من حين لآخر، لتقليل العلامات المرئية لمشاركته في هذه التجارة، وتم تصميم هذه السياسات، وسط الاتهامات الإقليمية، لتوجيه اللوم وخلق رواية مفادها أنه جادٌّ في قمع الجريمة.

وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري، في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في 26 حزيران الماضي، عن ندوة وطنية في دمشق، حضرها وزراء وضباط شرطة ومسؤولون آخرون، أكدوا أن "سوريا لعبت دوراً مهماً في دعم جهود المجتمع الدولي لمكافحة المخدرات".

كما أعلنت الوزارة عن إطلاق سلسلة من الدوريات لمكافحة عمليات تهريب المخدرات، إلى جانب حملة توعية عامة، تضم مقاطع فيديو إعلامية لمكافحة المخدرات، تحذّر من مخاطر تعاطيها مع شعار "لا للمخدرات، نعم للحياة".

عمليات لحفظ ماء الوجه

خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك ارتفاع في عمليات ضبط "الكبتاغون" المبلغ عنها في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، إلا أنه مع ذلك، فإن هذه العمليات صغيرة النطاق بشكل غير متناسب، وتستهدف الأفراد، حيث نادراً ما تتم مصادرة شحنات كبيرة الحجم، مخصصة لأسواق الوجهة في منطقة الخليج العربي، والتي غالباً ما يتم تنسيقها من قبل القوات المتحالفة مع النظام والشبكات الإجرامية الموالية له.

وبالإضافة إلى ذلك، تصف بعض إعلانات النظام المواد المضبوطة بعبارات غامضة، مثل "الطب الأجنبي" أو "المخدرات" بدلاً من ذكر "الكبتاغون" بشكل صريح.

ويتزامن الارتفاع المفاجئ في عمليات الاعتراض التي ينفذها النظام، ليس فقط مع مؤتمر "الإنتربول" في حزيران الماضي بشأن عملية "سمكة الأسد"، ولكن أيضاً مع فرص إضافية لتدابير حفظ ماء الوجه، وحضور النظام في اجتماع اليوم الدولي لمناهضة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بها في بيروت نهاية حزيران الماضي، وجهود تقارب النظام السوري مع العديد من حكومات الشرق الأوسط.

مساحة أكبر لإنتاج "الكبتاغون"

على الرغم من النداءات المستمرة، وإشارات التحريض من دول العبور والوجهات المجاورة، فإن النظام السوري لم يفعل شيئاً يذكر لكبح وتيرة عمليات التهريب من سوريا، أو التخفيف من السلوك العنيف للمهربين المسلحين التابعين للنظام.

وبينما يستمر النظام في إنكار مشاركته في تجارة "الكبتاغون"، إلا أنه لم يفعل شيئاً يذكر لتقييد الاشتباكات التي ارتكبها المهربون من سوريا على طول حدود البلاد مع الأردن.

ووفق ما ورد، كان لبعض هؤلاء المهربين صلات قوية مع "الفرقة الرابعة" في جيش النظام السوري، وشركاء متحالفين مع النظام مثل "حزب الله"، والميليشيات المدعومة من "الحرس الثوري"، حيث يقوم هؤلاء بتهريب كميات كبيرة من "الكبتاغون" تم إنتاج جزء كبير منها على نطاق صناعي داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام.

ومع ضعف التعزيزات الروسية، وتجديد التركيز العملياتي في شمالي البلاد، وسط مؤشرات على تدخل تركي محتمل، ستكون هناك مساحة أكبر لقوات "الفرقة الرابعة" و"حزب الله" والميليشيات الإيرانية، لتسهيل إنتاج وتدفق المخدرات غير المشروع عبر سوريا إلى جنوبي البلاد.

 

 

عودة النظام إلى مظلة "الإنتربول"

في الأشهر التي سبقت مؤتمر الإنتربول في الإمارات في حزيران الماضي، عاد النظام السوري تدريجياً إلى الاندماج في المنظمة الدولية، في الوقت نفسه الذي كانت فيه تتواصل جهود التطبيع مع الجهات الخليجية الرئيسية، مثل الإمارات العربية المتحدة.

وكانت اللجنة التنفيذية لـ "الإنتربول" طبّقت تدابير تصحيحية أدت إلى عزل النظام السوري عن نظامه المعلوماتي، الذي يسمح بالعمل مباشرة مع الشرطة الدولية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وإصدار أوامر توقيف بحق أفراد في الخارج.

إلا أنه، وبعد ما يقرب من 10 سنوات من خروج سوريا من نظام معلومات "الإنتربول"، اتخذت اللجنة التنفيذية قراراً برفع هذه القيود في حزيران من العام 2021، وبحلول مطلع تشرين الأول من العام نفسه، عاد النظام السوري إلى الوصول المتجدد إلى قنوات "الإنتربول" الإعلامية، ونظام الإخطار، في حين يوفر فريق "الإنتربول" التدريب للعناصر في دمشق.

ومع الانتقادات العديدة لذلك، دافع "الإنتربول" عن قراره بعودة النظام إلى مظلته، معتبراً أنه "لا يمكن استبعاد سوريا لأسباب سياسية، وأن النظام السوري، مع مرور الوقت، أظهر قدرات أفضل في معالجة البيانات".

والآن، بعد أشهر من ذلك، اتخذ "الإنتربول" خطوة جديدة رفعت مكانة سوريا في المنظمة، وزادت من وصولها على تبادل المعلومات، بما فيها المعلومات الاستخباراتية وجهود المراقبة والتخطيط لمكافحة التجارة غير المشروعة والمنظمات الإجرامية.

واستكمالاً لجهود تطبيع الإمارات مع النظام السوري، وجه "الإنتربول" دعوات إلى وفد حكومي سوري لمناقشة عملية "سمكة الأسد"، وهي جهد رئيسي للمنظمة، منذ العام 2013، الذي ينسق عمليات مكافحة الاتجار بالمخدرات، تجمع نحو 93 بلداً، وتهدف إلى تعطيل تجارة الكبتاغون في "الشرق الأوسط" وخارجه.

مصدر قلق جديد

أثارت إعادة دمج النظام السوري في نظام الإخطار في "الإنتربول" في العام 2021، قلقاً بشأن الانتهاكات المحتملة لمذكرات توقيف ذات دوافع سياسية، ومع ذلك، فإن إمكانية وصول النظام السوري إلى جهود مكافحة المخدرات، لا سيما تلك التي تسعى إلى كبح تجارة "الكبتاغون"، يجب أن تكون مصدر قلق مماثل، لأن النظام السوري يعزز مشاركته مع "الإنتربول".

كما تثير دعوة النظام لحضور المؤتمر الذي رعاه "الإنتربول" واستضافته الإمارات حول مكافحة تجارة المخدرات الإقليمية تساؤلات حول زيادة مشاركة الحكومة السورية في جهود المنع المتعلقة بعملية "سمكة الأسد"، وكذلك مشروع المنظمة الأوسع "AMEAP" (أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادي)، التي تقدم للبلدان المشاركة الدعم التشغيلي والاستقصائي، مع قواعد بيانات "الإنتربول" الشرطية العالمية.

من المهم أن تتأثر الولايات المتحدة وشركاؤها بشدة بتجارب الكبتاغون في جنوب أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط بمسار انخراط النظام السوري مع "الإنتربول"، وأن تضع بدائل للتعاون الإقليمي والحوار من أجل الحظر، بعيداً عن النظام السوري.

مع تضخم تجارة الكبتاغون في منطقة البحر المتوسط والخليج العربي، هناك حاجة أكبر من أجل آلية رسمية أو غير رسمية بين بلدان عبور "الكبتاغون" وبلدان المقصد، حيث يجب أن تعزز هذه الآلية ليس فقط التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول جهود الحظر، ولكن أيضاً الحوار حول استراتيجيات استهداف إمدادات "الكبتاغون"، والحد من الضرر، والرعاية التأهيلية، وجهود مراقبة الطرق البحرية والبرية، والتحليل المختبري، وجمع البيانات للتركيب الكيميائي لأقراص "الكبتاغون".

إن منح النظام السوري مقعداً على الطاولة في المناقشات حول تبادل المعلومات الاستخباراتية، وقدرة الحظر، وتقنيات الكشف، وجهود المراقبة، يأتي بنتائج عكسية للجهود الإقليمية لمكافحة تجارة "الكبتاغون"، ويؤدي ذلك إلى تقوية موقف النظام، مما يسمح للمنتجين والمُتجرين الموالين للنظام في "الفرقة الرابعة" والقطاع الخاص السوري بالتكيف، وتحديد مواد التهريب الإبداعية، وطرق النقل، والطرق الجديدة، والتكتيكات للبقاء في طليعة جهود الحظر الإقليمية.