icon
التغطية الحية

التيار الجهادي يبحث مستقبل تنظيم الدولة ودعوات لاحتواء الفلول

2019.12.15 | 11:22 دمشق

download.jpeg
أسرى من تنظيم الدولة في الباغوز شرقي دير الزور (AFP)
تلفزيون سوريا - عقيل حسين
+A
حجم الخط
-A

لم يشأ التيار الجهادي أن يبقى خارج النقاشات حول مستقبل تنظيم الدولة، القضية التي أضحت محط اهتمام مراكز القرار والدراسات والإعلام، بعد التطورات الأخيرة التي شهدها التنظيم، وأبرزها مقتل زعيمه السابق وعدد آخر من القياديين فيه، خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

وبينما يتركز اهتمام المؤسسات الإعلامية والبحثية حول إمكانية عودة التنظيم مجدداً، والطرق التي يمكن أن يستخدمها في سبيل هذه العودة، والظروف والفرص التي يمكن أن يستغلها لتحقيق ذلك، فإن النقاش داخل التيار الجهادي يتركز حول إمكانية استيعاب من تبقى من قادة ومقاتلي وكوادر داعش داخل قوى وتنظيمات التيار العسكرية.

 

المقدسي وحملة احتواء الفلول

قبل أيام تداولت بعض الحسابات الجهادية على مواقع التواصل الاجتماعي، معلومات تفيد بسعي الداعية السلفي الجهادي المعروف (أبو محمد المقدسي) إلى إعادة تجميع فلول مقاتلي تنظيم الدولة الموجودين شمال غرب سوريا في فصيل جديد، لكن هذه المعلومات لا يمكن التأكد من صحتها، خاصة أن مصدرها الأول هم خصوم المقدسي، كما أن الحديث عن إنشاء فصيل خاص بفلول داعش في منطقة تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى معادية للتنظيم لا يبدو منطقياً.

إلا أن ما هو مؤكد أن المقدسي، وهو أردني من أصل فلسطيني، نشط طيلة الشهرين الماضيين من أجل الترويج لإعادة دمج الناجين من قادة وكوادر تنظيم الدولة في صفوف الجماعات السلفية الجهادية المقاتلة في سوريا وخارجها أيضاً، الأمر الذي أثار ردود فعل متباينة بطبيعة الحال.

وعلى خلاف الغالبية الساحقة من منظري ورموز التيار، وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة كان قد وضعه في سلة واحدة مع جميع الدعاة والشخصيات الذين رفضوا مبايعة التنظيم والالتحاق به، وشن هجوماً ساحقاً عليهم، إلا أن المقدسي عُرف بمواقفه المداهنة للتنظيم، بل والدفاع عن بعض سياساته وأعماله وامتداح بعض قادته من حين لآخر، على الأقل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.

 

رفض وتحذير

دعوة المقدسي لاحتواء كوادر تنظيم الدولة ضمن القوى الجهادية، والتي وجدت أنصاراً لها داخل أوساط التيار، حيث اعتبر البعض أنه بالإمكان فعلاً الاستفادة من الخبرات التي راكمها عناصر التنظيم، العسكريون والإداريون على حد سواء؛ لاقت معارضة شديدة من قبل طيف واسع من الجهاديين، الذين رأوا في هذه الدعوة "مخالفة شرعية" من جهة، ومغامرة خطيرة من الناحية العملية أيضاً.

الداعية الفلسطيني الأردني الآخر، أبو قتادة الفلسطيني، والذي تجمعه بالمقدسي حالياً خلافات كبيرة وعلاقة متوترة بسبب الموقف من عدة قضايا، وعلى رأسها الموقف من تنظيم الدولة نفسه، وكذلك هيئة تحرير الشام، أبدى معارضته لهذه الدعوة، كما كان متوقع.

الفلسطيني نشر كذلك في حسابه على موقع تلغرام نصاً طويلاً موقعاً باسم (الشيخ عمر الحدوشي) حمل عنوان "كلمة في فلول الخوارج وبقاياهم" اعتبر فيه كاتبه "أن من الخطأ التساهل مع بقايا تنظيم الدولة أو التفكير باحتواءهم"، وطالب باقصاءهم لفترة زمنية كافية للتأكد من تخلصهم مما لحق بهم من بدع وأمراض، حسب صاحب النص.

لكن الزبير الغزي، وهو أحد شرعيي هيئة تحرير الشام، عبر عن موقف أكثر تشدداً تجاه هذه القضية، وتساءل في مقال له تعليقاً على الدعوة لضم فلول تنظيم الدولة إلى صفوف القوى العسكرية الجهادية بالقول: أيعمد أحد إلى جحر حية خرب فيصلحه، أو يدخل الحية بيته بعد خراب جحرها؟!"

ورغم أن هيئة تحرير الشام لم يصدر عنها أي موقف رسمي بهذا الصدد، إلا أنه يمكن اعتبار الموقف الذي عبر عنه الغزي، وهو نفسه أبو معاذ الفلسطيني، هو الموقف الحقيقي للهيئة، ليس فقط بحكم العداء المرير الذي يجمع بين الطرفين، بل وكذلك بسبب الضربات العديدة التي سبق أن وجهتها تنظيم الدولة للهيئة، عبر أفراد التحقوا بتحرير الشام بعد ادعاءهم الانشقاق عن التنظيم، على الرغم من الحديث الذي يدور عن استقطاب الهيئة لكوادر من التنظيم خلال العام 2019.

موقف مماثل كان قد صرح به في وقت سابق الداعية الجهادي السعودي (عبدالله المحيسني)، غداة الإعلان عن مقتل الزعيم السابق لتنظيم الدولة (أبو بكر البغدادي)، حيث أكد المحيسني في تسجيل مصور ظهر فيه على أن "انهيار داعش هو النتيجة الحتمية التي كان يسير إليها التنظيم بعد كل ما ارتكبه بحق المسلمين، وأن أهم الجرائم التي ارتكبها كان تضليله الكثير من الناس الذين التحقوا به وتشربوا أفكاره وأصبحوا اليوم خطراً على أنفسهم وعلى الآخرين".

 

صمت التنظيمات

النقطة الأكثر إثارة للانتباه بهذا الصدد، هي غياب أي موقف من القوى السلفية الجهادية المعنية أولاً وأخيراً بهذه المسألة، وعلى رأسها تنظيم القاعدة.

ويبدو بالفعل أن إعلان موقف من تنظيم الدولة في وضعه الحالي يعد أمر محرجاً لهذه القوى، التي وإن كان ما حل بتنظيم الدولة يصب في صالحها، باعتباره القوة الجارفة التي كادت تلتهم الساحة الجهادية خلال السنوات الخمس الماضية، ويسقط هذه القوى تماماً ويخرجها من الحسابات، إلا أنه وفي الوقت نفسه، لا تستطيع هذه الجماعات الإعلان عن سعادتها بما لحق بالتنظيم أخيراً.

فإذا كان صحيحاً أن من تبقى من جمهور التيار السلفي الجهادي خارج عباءة تنظيم الدولة يرى في التنظيم أنه ارتكب أخطاء كبيرة حتى بحق رموز وقادة التيار التقليديين، إلا أن الكثير من هذا الجمهور يرفض إظهار أي موقف سلبي منه في الظروف الحالية من منطلق إيديولوجي، وبالتالي فإن جماعات التيار وقادته يفضلون كما يبدو تجنب خسارة هذا الجمهور والتزام الصمت، وهو أمر كان قد انتقده السعودي عبد الله المحيسني في التسجيل الصوتي المشار إليه أعلاه، والذي حث فيه بشدة (المشايخ والمراجع) على إعلان مواقف صريحة بخصوص تنظيم الدولة وعدم التهاون في هذا المجال.

 

الفرصة الوحيدة

ومع ذلك لا تبدو فرص استيعاب فلول تنظيم الدولة في صفوف الجماعات السلفية الجهادية كبيرة، ولا يبدو أن الدعوة لدمجهم لاقت أصداء إيجابية لدى أي من هذه الجماعات، وخاصة تلك العاملة في سوريا، الساحة الأبرز للقوى الجهادية في الوقت الحالي. وبالتالي فإن الفرصة الوحيدة الممكنة هو أن تقوم الجماعات المنظمة على أساس عرقي باستعادة من التحق من أبنائها بتنظيم الدولة، كأن يقبل الأوزباك بعودة العناصر الأوزباكيين إلى كتائبهم، وكذلك التركستان ..إلى آخ.

أما فيما يتعلق بالفصائل العابرة للقوميات، كحراس الدين، ولواء أنصار التوحيد (وريث لواء الأقصى)، وهما الجماعتان المرشحتان -حسب كثيرين- لاحتواء فلول تنظيم الدولة، فلا يبدو أن الأمر سيكون بهذه السهولة، ليس فقط بسبب الخلاف الفكري بينهما، وخاصة بالنسبة لحراس الدين، الذي يعتبر ممثل تنظيم القاعدة، وهو أمر كافي لفهم مدى العداء والخلاف الايديولوجي الذي سيمنع تقبل أي منهما للآخر، وهو خلاف تقل حدته لدى لواء أنصار التوحيد لكن ليس إلى الدرجة التي تسمح بهذه الخطوة، أي احتواء بقايا تنظيم الدولة، الخطوة التي يدرك قادة اللواء في النهاية مدى خطورتها.

لكن بعيداً عن الحسابات العملية، يمكن القول إن الموقف الفكري من تنظيم الدولة سيكون العامل الحاسم في تحديد موقف الجماعات السلفية الجهادية من قادة وكوادر التنظيم الناجين حتى الآن، فالجماعات التي تعتبرهم (خوارج) سترفض بكل حال الدعوة لاحتواءهم، بينما سيجد هؤلاء باباً مفتوحاً لدى الجماعات التي تراهم مجرد مخطئين من الناحية الشرعية، بينما تبقى البراغماتية التي تحكم جماعات التيار العامل الأهم في تغير الموقف بأي لحظة.