التنسيق الأمني السلطوي الإسرائيلي ضد المقاومة الشعبية الفلسطينية

2021.05.07 | 06:00 دمشق

20210505_2_48140308_64855267.jpg
+A
حجم الخط
-A

يعتبر التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل من أشد مخرجات اتفاقية أوسلو إرباكاً للفلسطينيين، حيث لا يمكن قراءة تفاصيل تتعلق بماهية ودرجة هذا التنسيق في نص الاتفاقية، حيث ظلّ مبهماً بالنسبة للشعب الفلسطيني، كما يتهرب قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية من إعطاء أي تفسير لماهية هذا التنسيق، وتمتنع المؤسسات السياسية السيادية من نشر ملحقات اتفاقية أوسلو التي تناولت التنسيق الأمني على صفحاتها الإلكترونية.

الشعب الفلسطيني الذي أدرك ماهية التنسيقين المدني والعسكري بين الطرفين ظل يراقب حوادث التنسيق الأمني التي أفضت لمصرع فلسطينيين مقاومين، كذلك أدت لإحباط المقاومة الشعبية على الأرض بأكثر من طريقة دون أن يحيط بنص تلك الاتفاقية.

عملياً ووفق الوقائع يُعرف التنسيق الأمني بأنه التعاون وتبادل المعلومات الاستخبارية بين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الشاباك، بالتنسيق الكامل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، حيث يتم ربط هذه الأطراف بشبكة حواسيب واحدة لا يمكن إصلاحها إلا بأيادٍ أميركية إن أصابها أي أعطال، وهذا النظام أرساه الضابط الأميركي كيث دايتون وهو الذي أشرف بشكل مباشر على تدريب كوادر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في العام 2005، ولهذا السبب يتم إلحاق اسمه بها كدلالة من الشارع الفلسطيني على رفض مستوى التنسيق الذي يضع السلطة الفلسطينية محل تساؤلات عديدة تتعلق بمهامها الوظيفية الوطنية.

خاطب محمود عباس أبو مازن في كلمة له أمام مجلس جامعة الدول العربية قائلاً:" أنا اليوم بقدر أشتغل، بقدر أحمي، بقدر أقول كلمة، بقدر أجيب لك معلومة عمرك ما بتحلم تجيبها، هلأ أنتَ نقضت هذه الاتفاقيات، فتحمل المسؤولية".

كما هدد محمود عباس في كلمة ألقاها في رام الله العام المنصرم بقطع التنسيق الأمني مع إسرائيل، وتغيير الأدوار الوظيفية للسلطة، رداً على خطة القرن التصفوية التي طرحها الرئيس الأميركي ترامب نهاية شهر يناير /كانون الثاني، لكنه سرعان ما تدارك الأمر فهذا التهديد الذي يطلقه بشكل متكرر يضع حياة السلطة الفلسطينية في خطر داهم فتجنب التلويح بذلك في خطابه أمام مؤسسات دولية.

سبق ذلك تكرار تهديدات الرئيس بوقف التنسيق الأمني في أكثر من مناسبة، هو الذي وصف التنسيق الأمني مرة بأنه "التنسيق المقدس"، وكان ذلك على شكل قرارات للمجلس الوطني والمجلس المركزي الفلسطيني وفي خطبه وتصريحاته رداً على الخطوات الاستفزازية التي ارتكبها الجانب الإسرائيلي الذي تجاهل بنود اتفاقية أوسلو وخريطة الطريق والاتفاقيات الدولية والعربية، مما جعل تصريحات أبو مازن التي لا تدخل حيز التنفيذ، مثار جدل وتندر الشارع الفلسطيني على أداء السلطة وأجهزتها الأمنية.

ما إن يتصرف المستوى الشعبي الفلسطيني بطريقة يمليها عليه واقع الاحتكاك اليومي التصادمي مع الاحتلال، حتى تهب أجهزة السلطة الأمنية الفلسطينية في تعقب أفراد المقاومة الشعبية من أجل إلقاء القبض عليهم

مر التنسيق الأمني ما بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإسرائيل بعدة مراحل، ففي البدايات منذ توقيع أوسلو دافعت السلطة الفلسطينية عنه باعتباره جزءاً من الالتزامات المتبادلة بين الطرفين، وتذرعت في ذلك بأن إلغاء التنسيق الأمني من طرف واحد يضر بالمصالح الفلسطينية ويساعد إسرائيل في مساعيها لتحميل الفلسطينيين كامل المسؤولية عن انحراف مسار التفاوض وخطة السلام.

انهار التنسيق الأمني عام 2000 بعد فشل قمة كامب ديفيد، فانخرط أفراد من الأجهزة الأمنية في الانتفاضة والمقاومة المسلحة، مما ترتب عليه اعتقال واستشهاد وجرح الآلاف منهم.

لكن دخل التنسيق الأمني مرحلة جديدة أكثر قوة في العام 2003، حين طرحت اللجنة الرباعية خريطة الطريق، وعزز الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني الذي حدث عام 2007 عمليات التنسيق الأمني مع إسرائيل، فعادت كل أشكال التنسيق الأمني من اجتماعات دورية، ودوريات مشتركة، وتبادل معلومات، مما كان محط إطراء قادة جيش الاحتلال بالتعاون الأمني الفلسطيني مع إسرائيل.

أدت العمليات العسكرية التصفوية الإسرائيلية لفلسطينيين وفق مرجعية التنسيق الأمني لإثارة غضب الشارع الفلسطيني في كل مرة، وتوجيه هتافات وانتقادات حادة للسلطة وقيادتها لتمسكها بهذا المستوى من التنسيق الذي وصفته المستويات الشعبية بأقذع الصفات.

مؤخراً عاد سؤال التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل إلى الواجهة الفلسطينية، بخاصة أنه أمر يحبط عمليات المقاومة الشعبية المتفرقة التي يخوضها الفلسطينيون رداً على انتهاكات المستوطنين، ورداً على التوسع الاستيطاني والتعدي على الفلسطينيين في القدس منذ بداية هبة باب العامود، كذلك رداً على إجراءات التهويد والمصادرة التي يشهدها حي الشيخ جراح المقدسي، حيث يشكل التنسيق الأمني درع وقاية للجانب الإسرائيلي المعتدي.

ما إن يتصرف المستوى الشعبي الفلسطيني بطريقة يمليها عليه واقع الاحتكاك اليومي التصادمي مع الاحتلال الذي يحرس انتهاكات المستوطنين لأملاك الفلسطينيين، حتى تهب أجهزة السلطة الأمنية الفلسطينية في تعقب أفراد المقاومة الشعبية من أجل إلقاء القبض عليهم أو تسهيل مهمة الاحتلال في ذلك.

لا بد هنا بعد طرح سؤال ماهي وظائف أجهزة أمن سلطة أوسلو؟ من الإشارة إلى طبيعة الامتيازات التي يتحصل عليها القادة الفلسطينيون نتيجة انخراطهم في التنسيق الأمني، وتتراوح تلك الامتيازات بين عدة مستويات منها إغراق تلك الطبقة السياسية وطبقات أخرى أمنية واقتصادية فلسطينية بمجموعة من الامتيازات والتسهيلات التي لا يمكن أن يحظى بها الشعب الفلسطيني، فواحدهم يستطيع أن يتجاوز ببطاقة الـ (في آي بي) الخاصة به معبر جسر الكرامة بسيارته قاطعاً الحدود إلى الأردن، بينما يحتاج المواطن الفلسطيني العادي لما يعادل ست ساعات أو نهار كامل أحياناً للخضوع لنقاط تفتيشية كثيرة، وتنقله بحافلات بين نقاط التفتيش تلك.

تخشى السلطة الفلسطينية وقياداتها من الوقف الفعلي لاتفاقيات التنسيق الأمني، وتتمحور هذه الخشية من فقدان الطبقة السياسية والاقتصادية والأمنية التابعة لها للامتيازات والتسهيلات التي تقدمها دولة الاحتلال لها

ومن جملة تلك الامتيازات أيضاً لحملة تلك البطاقة، أن واحدهم يستطيع تخطي الحواجز العسكرية الإسرائيلية، ويستطيع الدخول إلى القدس كذلك إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، في الوقت الذي يضطر المواطن الفلسطيني للحصول على تصريح إسرائيلي من أجل ذلك، أو تخطي بعض الثغرات في جدار الفصل العنصري من دون تصريح لغايات العمل داخل الأراضي المحتلة مما يعرض حياتهم للخطر بشكل مباشر ويجردهم من حقوقهم كعمال، في الوقت الذي لم يتم فيه رفض تلك البطاقات التسهيلية الإسرائيلية حتى ولو لمرة واحدة من قبل القيادات الفلسطينية.

هنا يبرز لدينا مجموعة من التساؤلات حول ماهية جدوى توقف المفاوضات من دون إيقاف التنسيق الأمني؟ وما جدوى حديث محمود عباس عن أهمية تصويت القدس في الانتخابات التي قرر تأجيلها من دون الحديث عن توقيف التنسيق الأمني؟ وما جدوى حديثه عن مقاومة الاحتلال وإشادته بهبة باب العامود ومقاطعة الاستيطان وشجب التوسع الاستيطاني من دون إعلانه عن وقف التنسيق الأمني؟

لا يصدق الشعب الفلسطيني السلطة الفلسطينية حين تصرح باصطفافها مع المقاومة الشعبية طالما هي ماضية بالتنسيق الأمني، ولا يأخذ أحد تصريحاتها المكررة بالتلويح بوقف التنسيق على محمل الجد لأنها تفي حرفياً باتفاقاتها مع إسرائيل التي تنصلت من التزامها بها، في حين ظل ذلك مطرح تندر الشارع الفلسطيني على ممارسات السلطة المخلصة لدولة الاحتلال، كذلك وصفها الشارع الفلسطيني مراراً بأنها مصابة بعقدة ستوكهولم.

تخشى السلطة الفلسطينية وقياداتها من الوقف الفعلي لاتفاقيات التنسيق الأمني، وتتمحور هذه الخشية من فقدان الطبقة السياسية والاقتصادية والأمنية التابعة لها للامتيازات والتسهيلات التي تقدمها دولة الاحتلال لها، في الوقت الذي استنزفت فيه خياراتها بالسلام وحل الدولتين، واستنزفت التحركات الدولية أغراضها أمام عدم وجود شريك سلام إسرائيلي، هنا صار الحديث عن وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال ضرورة وطنية.

أكثر من أي وقت مضى، وفي أعقاب الاعتداءات الاستيطانية المنظمة على الشارع الفلسطيني، السلطة الفلسطينية مطالبة بوقف التنسيق الأمني بشكل مدروس مع تحمل الكلفة المترتبة على ذلك، وضرورة إيجاد البدائل لديها من أجل وقف خطة التنسيق مع إسرائيل، والانخراط بحوار وطني شامل يقضي على الانقسام الفلسطيني بشكل فعلي لا كرنفالي كما حدث في الحوارات الفلسطينية الفلسطينية المتكررة.

تحتاج السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة من أزماتها المتتالية من خطة القرن التصفوية والتحالفات العربية الصهيونية، تحتاج لاستعادة برنامج وطني متكامل يتضمن تحقيق الوحدة فوقف التنسيق الأمني لا بد أن يتبع عملية إنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني

السلطة الفلسطينية ملزمة بإيجاد وبلورة استراتيجية شاملة وتعكس كامل الأطياف الوطنية، فالمطلوب منها على المستوى الشعبي أن تُخرِج التلويح بإنهاء التنسيق من دائرة خطط الابتزاز السياسي المرحلي إلى إنهاء كامل يقوم على أساس مطالبة المجتمع الدولي بتحديد مرجعية لاتفاقيات السلام من جديد.

تحتاج السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة من أزماتها المتتالية من خطة القرن التصفوية والتحالفات العربية الصهيونية، تحتاج لاستعادة برنامج وطني متكامل يتضمن تحقيق الوحدة فوقف التنسيق الأمني لا بد أن يتبع عملية إنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني بشكل فعلي حتى لا يظل الاحتلال يستغل هذه الحالة، كذلك يتضمن مطالبة المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه انتهاكات الاحتلال المستمرة.

في أكثر من مناسبة توضحت خيارات الشعب الفلسطيني الذي لا يتوانى عن التصرف بما تمليه عليه التحديات المحيطة، وأمام الخيار الشعبي الفلسطيني بتنفيذ المقاومة الشعبية ومقاطعة الاحتلال ودعم حركة مقاطعة دولة الاحتلال ومنتوجاتها، يأتي دور السلطة الفلسطينية بدعم وإسناد ذلك الخيار فعلياً ضمن استراتيجيات وبدائل عن التنسيق الأمني الذي كلف الشعب الفلسطيني خسائر باهظة في أهم الوجوه الفلسطينية مقاومة للاحتلال، والتي يشكل غيابها عن الساحة الفلسطينية فراغاً فعلياً لا يمكن لخطابات محمود عباس الرخوة من ملئه كذلك لا يمكن للشخصيات المتنفذة والمستفيدة من امتيازات الاحتلال وبطاقات ( في آي بي) من تعويض جزء يسير منه، في الوقت الذي تحولوا فيه هم وامتيازاتهم لعقبة أمام المشروع الوطني التحرري برمته.