التناحر بين واشنطن والميليشيات في سوريا

2023.04.10 | 05:53 دمشق

ميليشيات إيرانية في دير الزور (دير الزور24)
+A
حجم الخط
-A

اشتعلت الثورة السورية ضد النظام السوري بزعامة بشار الأسد، بداية العام 2011، وهذه الثورة ونتيجة لقسوة النظام في مجابهتها، فتحت الباب واسعا للتدخلات الخارجية في الشأن السوري على مختلف الأصعدة العسكرية والمدنية والسياسية وحتى الثقافية والفكرية.

ويمكن القول إنّ حزب الله اللبناني كان من أوائل الداعمين للنظام السوري، وارتكب جرائم حرب كبيرة بحق السوريين، وقد ذكرت وكالة "رويترز" في تقرير لها، منتصف العام 2012، أن الحزب لم يبد أي دلالة على التخلي عن الأسد ويقول مسؤولون لبنانيون قريبون من الجماعة (حزب الله)، إنه لن يقف مكتوف اليدين إذا زاد الوضع سوءا. وإنه يستعد لقتال طويل وشاق في سوريا.

وهنا يمكننا تحديد أبرز الدول التي تدخّلت في سوريا لدعم النظام، ولا شك أن التدخل الإيراني كان الأسرع والأقوى في بداية الثورة وهو الذي قدّم المساندة للنظام في عدة ملفات أثقلت كاهل الأبرياء من السوريين في مناطق الثورة، وأطالت عمر النظام الذي كان على وشك السقوط بالمظاهرات السلمية التي عمت غالبية المدن.

وبعد أربع سنوات ونصف من عمر الثورة السورية دخلت روسيا عسكرياً على الخط الداعم للنظام السوري، وقد تدخلت بصورة مباشرة، منتصف العام 2015، في دعم النظام بعد أن كان دعمها السابق يقتصر على الميادين السياسية واللوجستية وغيرها من العوامل التي أسهمت في دعم النظام.

بخصوص التدخل الأميركي في سوريا، لوحظ أن حجة قسوة النظام السوري وسيطرة داعش على ثلث العراق، منتصف 2014، وغيرها من التطورات السياسية الداخلية والخارجية دفعت واشنطن لإنشاء تحالف كبير لمحاربة داعش في سوريا والعراق..

ويبدو أن تدخّل الميليشيات العراقية (العلني) تزامن دخولها مع وصول الثورة السورية إلى مناطق مهمة في العاصمة السورية دمشق، ومنها منطقة السيدة زينب، وكانت الحجة ليس دعم النظام وإنما حماية مرقد السيدة زينب (بنت علي بن أبي طالب) في دمشق، ومن يومها صارت أخبار الميليشيات تُذكر في نشرات الأخبار العربية والأجنبية وكأنهم جزء فاعل من أطراف النزاع بين الشعب السوري الثائر والنظام القاتل.

أمّا بخصوص التدخل الأميركي في سوريا، فقد لوحظ أن حجة قسوة النظام السوري وسيطرة داعش على ثلث العراق، منتصف 2014، وغيرها من التطورات السياسية الداخلية والخارجية دفعت واشنطن لإنشاء تحالف كبير لمحاربة داعش في سوريا والعراق، وكانت تلك بداية التدخل الأميريكي، الذي استهدف الميليشيات الإيرانية في مراحل لاحقة.

وتوالت الضربات المتبادلة ما بين الطرفين الأميريكي والميليشيات العراقية والإيرانية، ووجدت الميليشيات العراقية من سفارة واشنطن في بغداد وقنصليتها في أربيل، أماكن قريبة، وربما سهلة، لتوجيه ضربات انتقامية.

ولكن يبدو أن معدل الضربات المتبادلة قد تنامى بعد اغتيال واشنطن لـ"قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني ورفيقه (أبي مهدي المهندس) نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق"، عند خروجهما من مطار بغداد الدولي بداية العام 2020.

ومن يومها بدأت الهجمات المتبادلة، وهي غالباً قاصمة لظهر الميليشيات، في حين تداعب الميليشيات بهجماتها، القوات الأجنبية في العراق وسوريا.

واستمرت واشنطن في توجيه ضربات على الحدود المشتركة العراقية - السورية وفي الداخل السوري، وفي نهاية شباط/ فبراير 2021 وجّهت أول ضربة للقوات الموالية لإيران والميليشيات المدعومة إيرانياً في سوريا، وقد جاءت بتوجيه من الرئيس جو بايدن.

وفي نهاية حزيران/ يونيو 2021 نفذ الجيش الأميركي ضربة جوية دفاعية استهدفت مواقع تابعة لميليشيا "كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء" عند الجانبين الحدوديين العراقي والسوري، اللذين تسيطر عليهما تلك الميليشيات.

وبعد 24 ساعة، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، إن الضربات التي أمر بتوجيهها كانت للحماية وللدفاع عن سلامة أفراد القوات الأميركية، وإضعاف وتعطيل سلسلة الهجمات المستمرة ضد الولايات المتحدة وشركائها، إضافة إلى ردع إيران والميليشيات المدعومة منها من شن أو دعم المزيد من الهجمات على أفراد ومنشآت بلاده، وهذا يوضح الغاية المعلنة من وراء الضربات الأميركية على مواقع الميليشيات في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا.

ومنذ ما يقرب من أربع سنوات تشهد مناطق البوكمال والقائم قرب الحدود العراقية السورية وريف الرقة وغيره، عشرات الهجمات بطائرات مسيرة أميركية (ومجهولة)، خلّفت عشرات القتلى والجرحى من الميليشيات.

ويوم 11 من تشرين الأول/ أكتوبر 2022 استهدفت طائرات مسيرة مجهولة الهوية، ثلاثة مواقع للمجموعات التابعة لإيران في مدينة البوكمال شرقي دير الزور، وتسبّب القصف بوقوع سبعة انفجارات في المنطقة، وخلّف ثلاثة قتلى من الميليشيات العراقية وأكثر من 15 جريحاً من جنسيات مختلفة.

وتوالت بعدها الضربات بين حين وآخر، ففي نهاية آذار/ مارس 2023، أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بات رايدر، عن مقتل ثمانية مسلّحين في الضربات الأميركية التي استهدفت منشآت تابعة لـ"فيلق القدس" الإيراني في سوريا، وأن واشنطن ستواصل استخدام الخيار العسكري كما فعلت وعند الضرورة، للرد على الهجمات من المجموعات المدعومة من إيران والحرس الثوري بهدف إقناع الإيرانيين بوقف تصعيد التهديدات ضد أميركا ومصالحه.

وفي يوم 26 من آذار/ مارس 2023، أعلن "الحاج أبو علي، المعاون الجهادي للواء (الغالبون)، عن تمكن لواء "الغالبون" من استهداف مطار رميلان شمال شرقي سوريا، والذي تحتله القوات الأميركية بطائرة مسيرة ظهر الأول من شهر رمضان، وأسفرت العملية باعتراف الاحتلال الأميركي عن مقتل وجرح عدد من جنوده".

والملاحظ أن تلك الميليشيات تحاول إما التكتم على تلك الهجمات أو التقليل من حجمها وآثارها، ولكن هنالك صعوبة في التكتم على تلك الهجمات إما بسبب إعلان الجانب الأميركي عنها، أو بسبب التسريبات الإعلامية.

وهنالك إحصائيات للجيش الأميركي تتحدث بأن تلك الجماعات المسلّحة والمدعومة من إيران، نفذت 78 هجوماً على قوات التحالف الدولي في سوريا، منذ عام 2021 وحتى نهاية آذار/ مارس 2023، وكانت غالبية تلك الهجمات بقنابل هاون وصواريخ متوسطة المدى، تطورت لاحقاً لتنفذ عبر الطائرات المسيرة الملغمة.

وأشارت بعض الوكالات نقلاً عن مصادر سوريّة وجود نحو 15 ألف مقاتل من المجموعات العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لإيران في المنطقة الحدودية مع العراق، الممتدة من البوكمال إلى دير الزور مروراً بمدينة الميادين.

وهكذا، تتوالى الضربات والضربات المضادة بين القوات الأميركية من جهة والميليشيات العراقية والميليشيات المتنوعة الجنسية داخل سوريا من جهة أُخرى، وخلال جميع هذه الهجمات يكتفي الجانبان العراقي والسوري (نظام الأسد) بالتنديد.

الغرض الرئيس بالنسبة للميليشيات من الهجمات ضد الوجود الأميركي هو لتحقيق عدة أهداف ربما أهمها مواصلة دعم النظام السوري، والأهم من ذلك التأكيد بأن إيران وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة ما زالت موجودة في المنطقة عبر أذرعها العسكرية، وقد يكون وجود هذه القوات لتوريد المخدرات السورية إلى العراق ودول الخليج العربي..

إن الغرض الرئيس بالنسبة للميليشيات من الهجمات ضد الوجود الأميركي هو لتحقيق عدة أهداف ربما أهمها مواصلة دعم النظام السوري، والأهم من ذلك التأكيد بأن إيران وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة ما زالت موجودة في المنطقة عبر أذرعها العسكرية، وقد يكون وجود هذه القوات لتوريد المخدرات السورية إلى العراق ودول الخليج العربي، وهذه من أهم موارد تمويل النظام السوري والميليشيات في عموم الدول الموجودة فيها، ومن هنا فإنّ مصلحة النظام تتطلب غض النظر عن هذه القوات وبالذات مع سيطرتها الواضحة على بعض المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا.

وأتصور هنالك مصلحة أميركية في الموضوع تتمثل بقصم ظهر إيران في المنطقة وإلحاق الأذى بأذرعها، وهنالك أهداف استراتيجية أميركية باستمرار وجودها الفعال في المنطقة، وأيضا حماية عمليات تهريب النفط السوري عبر العراق إلى منافذ مختلفة وغير محددة.

عراقياً، تحاول حكومة محمد شياع السوداني الحالية السيطرة على المنافذ الحدودية، وبالذات بعد أن تمكنت من إحباط العديد من محاولات تهريب المخدرات من الأراضي السورية، ولكن هل الحكومة تمكنت فعلا من ضبط كامل الحدود الطويلة بين البلدين؟ أظن أن هذا الأمر، على الأقل في المرحلة الحالية، ليس سهلاً، وبالتالي أتصوّر أن الميليشيات مستمرة في عمليات التهريب والتحكم في المنافذ الرسمية وغير الرسمية.

ختاماً، لا يمكن لهجمات الجماعات المسلحة الموالية لإيران ضد المصالح الأميركية أن تكون باباً لضربات أميركية لأهداف في الداخل الإيراني، وبهذا ستبقى الأراضي العراقية والسورية الميدان الأكبر للمواجهة (المزعومة) بين طهران وواشنطن.