التغطية الإعلامية الغربية للكوارث الطبيعية

2023.02.18 | 06:34 دمشق

التغطية الإعلامية الغربية للكوارث الطبيعية
+A
حجم الخط
-A

غالبا ما ينتاب أغلبنا شعور بالمظلومية حين نرى التغطية الإخبارية الغربية للكوارث تتعامل مع الأمر من زاوية جامدة تخلو في كثير من الأحيان من الحس الإنساني. توجد في الحقيقة مبادئ صحفية عامة تتحكم بالطرق التي يقيّم بها حراس البوابة الأحداث التي تستحق التغطية من سواها. ولكن هذه المبادئ في كثير من الأحيان متحيزة في نظرتها التي تنطلق من أفق غربي، ولا سيما فيما يتصل بتغطية الإعلام الغربي للكوارث البشرية في أرجاء العالم الأخرى، ولا سيما العالم الثالث منه. وهذا هو سبب نفورنا من تعاملها مع الضحايا بلغة الأرقام الجافة.

لا تفرق الكوارث الطبيعية، الزلازل والبراكين والأعاصير، بين الدول الغنية والفقيرة، ولكن التقارير تشير إلى أن 98 بالمئة من الذين يقتلون أو يتأثرون بالكوارث كل سنة هم من سكان العالم الثالث، إذ يبلغ متوسط عدد الضحايا بسبب أي كارثة تضرب بلدان العالم الثالث أكثر من ألف إنسان، ولكن المتوسط يبلغ ثلاثة وعشرين شخصا في الدول الغنية.

ثمة انحياز ومعايير غير إنسانية تتحكم بالتغطية الإعلامية للكوارث الطبيعية، في حين أن عامل المعاناة الإنسانية لا يحظى بالكثير من الأهمية

إذا كان تأثير الكارثة غير عادل، فإن التغطية الإعلامية هي أيضا متحيزة وغير منصف، وكمثال على ذلك، ما زلنا نذكر إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة في عام 2005م، والذي تسبب بمقتل أكثر من ألف إنسان، وأدى إلى دمار واسع في مدينة نيو أورليانز الأميركية، ولكننا لا نذكر  تقريبا إعصارا مماثلا هو  إعصار ستانلي الذي ضرب غواتيمالا بعد أسابيع من إعصار كاترينا، وتسبب بدمار مماثل، وخسائر مماثلة في الأرواح. وهذا التفاوت في حجم حضور الكارثة في الإعلام والوعي العام ناجم عن التغطية المنحازة التي كرست جهدا أكبر لإعصار كاترينا.

مثل هذا الانحياز أو عدم التوازن لا يثير الدهشة أصلا، فثمة انحياز ومعايير غير إنسانية تتحكم بالتغطية الإعلامية للكوارث الطبيعية، في حين أن عامل المعاناة الإنسانية لا يحظى بالكثير من الأهمية، ولا سيما بعد الأيام الأولى للكارثة التي تدفع وسائل الإعلام لتغطيتها من زاوية الأهمية في المقام الأول. بعد ذلك يقوم الصحفيون والمحررون بدور حراس البوابة حيال الأحداث فيحددون المدة الزمنية التي يجب أن تستمر فيها الكارثة على الصفحة الأولى أو في مقدمة النشرة الإخبارية، وكذلك زاوية التغطية التي يمكن التعامل بها مع الحدث. بعد ذلك ينزاح الحدث أو الكارثة إلى الصفحات الداخلية أو إلى منتصف النشرات الإخبارية ثم يختفي كليا.

يأتي العامل الاقتصادي في مقدمة العوامل التي تسهم في بقاء التغطية الإعلامية مدة طويلة من الزمن، فعلى سبيل المثال، ما زال وباء كورونا متداولا في الصحف والمواقع الإخبارية، لا من ناحية عدد الضحايا الذين خلفهم الوباء، بل من زاوية الآثار الاقتصادية التي خلفها وراءه، فأعداد الضحايا والمعاناة الإنسانية اختفت كليا ولم تعد تذكر بل حين تذكر التقارير ونشرات الأخبار ضحايا الوباء فإن الحيادية هي العنصر الأساس في الحديث عنهم، إذ ترد الأرقام فقط، في حين تسهب الصحف والمواقع الإخبارية في الكلام على المشكلات الاقتصادية التي تسبب بها للدول المختلفة. وثمة مثال آخر هو الحرب الروسية على أوكرانيا، فبعد الأسابيع الأولى لأزمة اللجوء التي أدت إلى نزوح أكثر من سبعة ملايين أوكراني إلى الدول الأوروبية، تراجع الحديث عنها في وسائل الإعلام، ولكنها ظلت حاضرة لسببين سياسي واقتصادي، حيث كانت أزمة الحبوب العالمية إحدى العوامل التي أبقت الكارثة متداولة في وسائل الإعلام.

يحتل العامل الجغرافي حيزا مهما في تغطية الكوارث في الإعلام الغربي، وهو ما ينعكس أيضا على الإعلام العالمي الذي يتلقى الكثير من معلوماته من وكالات الأنباء وقنوات الأخبار والصحف الغربي، فالمسافة بين مكان الكارثة وموقع الصحيفة أو قناة الأخبار عامل حاسم في بقاء التغطية الإعلامية ونوعيتها، وهو ما يتسق مع العبارة الإنجليزية التي تطفح بالمركزية الأوروبية والغرور الإنجليزي معا: "إن موت رجل بريطاني واحد يعادل موت خمسة فرنسيين، وعشرين مصريا، وخمس مئة هندي، وألف صيني". وتظهر مراجعة الدراسات التي تتناول تغطية الإعلام الغربي للضحايا في البلدان المختلفة المدى البعيد لتطبيق هذا القول، وعلى سبيل المثال، فالفيضانات التي ضربت الصين في عام 2010م والتي أثرت في حياة أكثر من 230 مليون شخص، واستمرت أربعة أشهر لا تكاد تذكر في وسائل الإعلام، إلا لأنها حدثت في بلد يعد بلدا هامشيا من الناحية الجغرافية.

العوامل الأخرى كالعوامل الثقافية حاضرة أيضا، فحراس البوابة هم في المقام الأول عناصر ثقافية يمتلكون سلطة ترجمة الأحداث والكوارث والظواهر وتقديمها، وهو ما يؤثر تاليا في الكيفية التي يتفاعل معها الآخرون مع الحدث، ومن ثم حجم المساعدات التي تصل إلى المنطقة المنكوبة، فالكوارث التي لا تحظى بتغطية إعلامية لا تتلقى إلا القليل من المساعدات. إن الزلزال المدمر الذي ضرب هاييتي عام 2010م، والذي خلف أكثر من 220 ألف قتيل، وأكثر من مليون ونصف مليون مشرد، لا يكاد يجد حيزا في الذاكرة مقابل كوارث أخرى أقل شأنا في الدول الغربية، أما المساعدات الإنسانية فكانت شحيحة للمنكوبين. وكل هذا التجاهل أو الإهمال نابع من عوامل ثقافية يأتي في مقدمتها الانتماء العرقي للمتضررين.

إن التغطية الإعلامية الغربية في انحيازها لمعايير باردة لا تبدو مهتمة بالضعف الإنساني المشترك حين يواجه ما يهدد الحياة

تبدو التغطية الإعلامية لكارثة الزلزال الذي ضرب مناطق الثورة محصلة لكل تلك العوامل، إضافة إلى العامل السياسي، فسوريا هي أزمة يود العالم نسيانها وعدم تذكيره بها، وربما لو اقتصر الزلزال على المناطق الشمالية الغربية من سوريا فلن يلتفت إلى الكارثة أحد، وهو ما حدث أصلا من خلال تجاهل الأمم المتحدة والدول الأخرى تقديم المساعدات الضرورية لتلك المناطق. أما التغطية الإعلامية فقد كانت في مجملها مخصصة للحديث عن المناطق التركية التي تأثرت بالزلزال بينما كانت الكارثة في مناطق الشمال الغربي ترد في ذيل الأخبار أو تتمة للحديث عن الوضع في تركيا.

إن التغطية الإعلامية الغربية في انحيازها لمعايير باردة لا تبدو مهتمة بالضعف الإنساني المشترك حين يواجه ما يهدد الحياة، ولا تستثير مشاعر التعاطف من المشاهدين. يفترض أن لا تخضع الكوارث الطبيعية للمعايير التي يتم بها تقييم الأهمية، لأن سبب الكوارث الطبيعية لا يرتبط بالسياسة، ولأن الموت والألم والفقد المرتبط بهذه الكوارث غير محصور بعرق معين أو بجماعة سياسية أو إيديولوجية معينة، ولكن كل هذا يبدو حلما عزيز المنال في عالم يزداد قسوة وتوحشا.