التعليم عن بعد في الشمال السوري مشكلات وتحديات

2020.04.05 | 00:00 دمشق

download.jpg
+A
حجم الخط
-A

كإجراء وقائي من انتشار فيروس كورونا، سعت المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في الشمال السوري لمتابعة التعليم عبر الإنترنت، الأمر الذي جعل الطلاب والمؤسسات على المحك، أمام صعوبات وتحديات كثيرة فرضها الواقع الصعب الذي يعاني منه الناس عموماً في مناطق المعارضة، وتحولت هذه المؤسسات إلى غرف طوارئ، للتشاور وطرح الآراء والمشكلات، في محاولة جادة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ضمن وباء لا يُعرف احتمالية انتشاره في المنطقة بشكل واضح.

التهجير وثقافة التعليم

قبل التحدث عن وباء كورونا وتداعياته في الشمال السوري، من الأجدى التحدث عن كارثة الانقطاع القسري عن المدارس، فحركة النزوح وجريمة التهجير التي ارتكبها النظام بحق المدنيين في الشمال، اضطرهم لتغيير كامل في نمط حياتهم، وللعيش ضمن مخيمات أو قرى مبعثرة، مما يجعل العودة للمدارس والتعليم أمراً أقرب إلى المستحيل، ومع ذلك، كانت ثقافة التعليم وأهميته عند فئة من الناس أولوية، وإن لم تكترث بها فئة أخرى وآثرت الاستسلام لحالة اليأس والجهل، إلا أن الشغف بالتعليم وحس المسؤولية أخذ الطلاب المهجرين إلى منحى آخر، فباتوا يعبرون المزارع والمساحات الشاسعة حاملين حقائبهم ليصلوا إلى أقرب مكان ممكن أن يحصلوا فيه على التعليم، تلك حاجة قدمها أطفال سوريا على كل شيء في حياتهم، واندفعوا تجاهها حاملين الأمل وناشرين له وهم ينتشرون على الطرقات ثم يختفون في البساتين والمزارع تحت المطر والطين والبرد في مشهد مهيب.

كورونا والبقاء في المنزل

فرضت الإجراءات الوقائية من كورونا على المؤسسات الرسمية والأهلية البقاء في المنازل، وذلك تحسباً من انتشار الفيروس، وبصرف النظر عن نسبة التزام الناس في الخروج إلى الشوارع والأسواق والبقاء في المنازل، إلا أن قرار تعطيل المدارس والجامعات في الشمال كان قراراً مصيباً كونها تحوي تجمعات كبيرة من الناس، الأمر الذي استدعى فئة لأن تنتظر بنفاد صبر انقضاء الفترة المحددة للعطلة، كي تعود إلى المدارس، وتتحول فئة أخرى للعمل يتجه نحو مسار رقمي عبر التعليم عن بعد، الأمر الذي كان يسير باتجاه جهود مكثفة في تجارب جديدة من نوعها لإيصال المعلومات بأفضل طريقة ممكنة.

مشكلات وتحديات

مناطق كثيرة في الشمال السوري تعاني من ضعف شبكة الإنترنت، إضافة لمشكلة الكهرباء المستعصية الحل في مدن وبلدات مختلفة، ودخل السوري الذي لا يمنحه فرصة للحصول على هاتف محمول يتحمل ضغوط الدروس والمحاضرات المقدمة، ووجود عدد من الأخوة يتناوبون في التعلم على هاتفٍ واحد آيلٍ للانفجار، إضافة للضغوط على الأهالي بالسماح لأبنائهم باحتلال هواتفهم، كلها كانت من التكاليف والأعباء الإضافية على كواهل الناس، مما دفع فئة للتخلي عن التجربة منذ بداياتها، وإيثار العطلة المفتوحة بعيداً عن فكرة التعليم بانتظار أن يتم القضاء على الفيروس وتعود الحياة لمجراها الطبيعي، إلا أن فئة أكبر أحبت التجربة وقررت خوض التحدي، فأصبحت الدروس وسيلة تفاعل وتبادل معلومات لدى أفراد الأسرة  وساهم الآباء والأمهات في تطبيقات عملية للدروس المقدمة، وبات التواصل في أعلى مستوياته متحولاً من تواصل بين التلميذ والأستاذ فقط إلى التواصل بين مؤسسة المدرسة ومؤسسة الأسرة ككيانين مستقلين شريكين متفاعلين لأجل هدفٍ سامٍ واحد.

إيجابيات التعلم عن بعد

لقد كسر التعليم عن بعد في الشمال السوري حاجز العزلة، وأحدث تقارباً علمياً وتربوياً مميزاً من نوعه، ودفع الآباء والأمهات لخوض تجربتهم التفاعلية الأولى من نوعها مع أبنائهم، مما وثّق العلاقة بشكل لطيف ومحبب بينهم كأسرة، وفتح باب المعرفة والتوسع في البحث عن المعلومة، وإمكانية الحصول عليها ونشرها وجعل ذلك متاحاً للأطفال من فئات عمرية صغيرة إلى الفئات الأكبر، الأمر الذي يجعل الإيجابيات أكثر، كما أتاح للمعلمين في الشمال السوري الخروج من حالة التقليد والنمطية والدخول إلى عالم تكنولوجيا المعلومات من أوسع أبوابه، كما أتاح لهم اكتساب المعرفة بأساليب وطرق جديدة، وزيادة الخبرات والمهارات ورفع الكفاءة مما يعد دورة تدريبية مهمة ونوعية يصعب الحصول عليها بهذه الطريقة العملية في أوقات أخرى.

هناك مساوئ كثيرة من وجود الفايروس في عالمنا، ولكن هناك أيضاً أمور إيجابية تثبت نفسها يوماً بعد يوم، وطالما امتلك السوري الحر الإرادة انتصر مهما تنوعت المعارك!

كلمات مفتاحية