أدرجت جامعة أوكسفورد البريطانية مصطلح "التعفن الدماغي" (Brain Rot) رسمياً في قاموسها، في خطوة تعكس القلق المتزايد من ظاهرة عالمية مرتبطة بالاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، خصوصاً بين الأطفال والمراهقين.
وتشير الظاهرة إلى التدهور التدريجي في القدرات العقلية، بما في ذلك ضعف التركيز، وتشتت الانتباه، والانفصال عن التفكير المنطقي، نتيجة التعرّض المستمر للمحتوى القصير والمجزأ، كما هو شائع في منصات مثل "تيك توك" و"ريلز".
وتُتهم هذه المنصات بتغذية الإشباع الفوري المتكرر، مما يُضعف آليات التركيز والذاكرة لدى المستخدمين.
من الطفولة إلى البلوغ.. التأثير لا يستثني أحداً
في قصة متكررة، تروي إحدى الأمهات: "كنت أجلس مع ابنتي نشاهد التلفاز، وكل منا يمسك هاتفه.. كان يفترض بنا الحديث عن امتحاناتها، لكن الفيديوهات المضحكة قطعت التواصل تماماً".
وفي حالة أخرى، تغيرت ملامح الطفلة "ميرا" (9 سنوات) التي كانت تكتب الشعر وتقرأ الكتب، وأصبحت تمضي أكثر من 7 ساعات يومياً أمام الشاشة، قائلة: "أحياناً أنسى ما كنت أبحث عنه، وأشعر أن رأسي مشوش".
أما عند البالغين، فالوضع لا يقل خطورة، إذ تقول ماريا، زوجة موظف مبيعات يبلغ من العمر 42 عاماً: "يفوّت مواعيده، ويشعر بالملل، ولا يركّز في الاجتماعات أبداً.. وكأن دماغه معطّل رغم انشغاله الدائم".
تقارير ودراسات تحذيرية
سجّلت مؤسسات طبية وتربوية عالمية تصاعداً ملحوظاً في مؤشرات التشتت الذهني وضعف القدرات المعرفية، خصوصاً بين فئة اليافعين.
وتصف بعض الدراسات هذه الظاهرة بأنها نوع من "الانهيار العصبي الرقمي"، ناتج عن الضغط الحسي والمعلوماتي المستمر.
وفي دراسة أميركية حديثة باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، لوحظ وجود نقص في المادة البيضاء لدى الأطفال الذين يقضون وقتاً طويلاً أمام الشاشات، وهذه المادة مسؤولة عن مهارات التفكير والتركيز واللغة.
تحذير من التدهور ودعوة للمراجعة
ورغم أن "التعفن الدماغي" لا يُصنّف رسمياً كحالة طبية حتى الآن، فإن خبراء الصحة النفسية والتربية يُجمعون على ضرورة التحرك الوقائي، بدءاً من ملاحظة السلوك الرقمي اليومي، وتقنين عدد الفيديوهات التي يشاهدها الفرد، وصولاً إلى تعزيز الأنشطة الذهنية العميقة مثل القراءة والنقاش المباشر.
ويحذر المختصون من تجاهل هذه الظاهرة، مؤكدين أن العودة إلى نمط الحياة المتوازن قد يكون هو الحل الوحيد لوقف هذا التآكل العقلي الصامت.