icon
التغطية الحية

التعرفة الجمركية في سوريا.. تداعيات القرار الأخير وآثاره الاقتصادية

2025.01.12 | 03:47 دمشق

65
صورة أرشيفية - AFP
تلفزيون سوريا - عبد العظيم المغربل
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- أصدرت سوريا نشرة رسوم جمركية موحدة لدعم الاقتصاد المحلي، مع تخفيض الرسوم على المواد الأولية وتشجيع الزراعة، مما أثار انقساماً بين مؤيدين ومنتقدين.
- تطبيق النشرة الجمركية الجديدة أدى إلى اضطرابات في الأسواق، خاصة شمالي سوريا، مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وإغلاق محال تجارية بسبب التكاليف الباهظة.
- تتطلب القرارات الاقتصادية الكبرى دراسة معمقة لتجنب تداعيات سلبية، مع التركيز على دعم الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد لضمان استقرار الأسواق.

أصدرت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا أمس السبت، نشرة الرسوم الجمركية الموحدة التي تسري على جميع الأمانات الجمركية في المنافذ البرية والبحرية والمطارات، ويُعمل بأحكامها اعتباراً من تاريخ إصدارها، وسبق الإعلان عن هذه النشرة عدة اجتماعات لحكومة تصريف الأعمال ممثلة بوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مع الصناعيين السوريين الذين أبدوا مخاوفهم من منافسة البضائع الأجنبية، وخاصة التركية منها.

مع الإعلان عن تطبيق نشرة الرسوم الجمركية، انقسمت الآراء بين مؤيدين يرون فيها خطوة نحو دعم الاقتصاد المحلي وتنظيم حركة التجارة وتشجيع المدن الصناعية الرئيسية والقطاع الصناعي عموماً والزراعيين السوريين، ومنتقدين يعتبرونها عبئاً إضافياً على كاهل المواطنين والتجار، خاصة في ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب؛ إذ إن القرار الذي يفترض أن يهدف لتوحيد التعريفات الجمركية بين مختلف المعابر وإلغاء التفاوت الكبير بينها جاء في وقت حرج، تعاني فيه سوريا من أزمات اقتصادية متراكمة ونقص في الخدمات الأساسية بعد هروب بشار الأسد من البلاد وترك اقتصادها منهاراً.

الأسباب وراء إصدار القرار

وفقاً للتصريحات الرسمية الصادرة عن مدير الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، ترى الحكومة أن النشرة الجمركية الموحدة تمثل خطوة محورية لدعم المنتج المحلي وتحفيز النمو الاقتصادي في البلاد.

النشرة، كما أوضح علوش في تصريحاته، ركزت على تشجيع القطاع الصناعي من خلال تخفيض الرسوم على المواد الأولية اللازمة للإنتاج، وهو ما يُعد دافعاً للصناعيين لإعادة بناء منشآتهم وتشغيل خطوط إنتاج جديدة. كما تضمنت النشرة تطبيقاً للرزنامة الزراعية بهدف حماية الفلاحين وتوفير بيئة تنافسية تعزز الإنتاج الزراعي المحلي، ما يسهم في دعم الاستدامة الاقتصادية في هذا القطاع الحيوي.

إلى جانب ذلك، أبرزت الحكومة أن هذه النشرة تأتي في إطار رؤية أشمل لجذب الاستثمار من خلال تقديم إعفاءات مغرية للمستثمرين في سوريا الجديدة بعد سقوط النظام السابق، خاصة أولئك الذين فقدوا منشآتهم خلال سنوات الحرب ويسعون لاستعادتها، أو الذين يخططون لإنشاء مشاريع صناعية جديدة في البلاد. الحكومة ترى في هذا القرار وسيلة لتعزيز القدرة الإنتاجية المحلية، وتقليل الاعتماد على الواردات، وبالتالي توفير فرص عمل للمواطنين.

كما أشار علوش إلى أن النشرة تضمنت تخفيضاً ملحوظاً في الرسوم الجمركية لبعض المواد بنسبة تتراوح بين 50 و60%، وهو ما يُفترض أن يؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج والتوزيع، مما يعود بالنفع المباشر على المستهلكين من خلال توفير السلع بأسعار أقل. وترى الحكومة أن هذه الإجراءات، على المدى الطويل، تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين وتعزيز قدرتهم على تلبية احتياجاتهم، مما يسهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً وعدالة.

تحديات أمام تنفيذ القرار

يبدو أن التعرفة الجمركية الجديدة مصممة لتقديم تطمينات للقطاع الصناعي، مع التركيز على تعزيز موارد خزينة الدولة لتلبية الاحتياجات المتزايدة للإنفاق الحكومي في مجالات الأمن والخدمات العامة مثل البلديات، إضافة إلى تأمين رواتب الموظفين التي ستزداد بنسبة 400%. ومع ذلك، فإن الاختلالات العميقة في القطاع الصناعي، مثل نقص الكهرباء والوقود الضروري لتشغيل المصانع وورش العمل، بالإضافة إلى ضعف التنسيق والتكامل بين صناعيي "المناطق المحررة سابقاً" وصناعيي مراكز المدن، ستحد من قدرة الإنتاج المحلي على تغطية احتياجات السوق بشكل كامل.

في ظل هذه التحديات، يصبح وجود المنتجات الأجنبية بأسعار مقبولة عاملاً مهماً لتلبية الطلب المحلي والمحافظة على استقرار السوق والأسعار.

في المجمل، ترى الحكومة أن النشرة ليست سوى البداية ضمن سلسلة من الخطوات المرتقبة التي ترمي إلى إرساء قواعد اقتصادية صلبة، مع إعلانها أن الهدف النهائي هو رفع مستوى المعيشة وضمان حياة كريمة لكافة المواطنين في عموم البلاد.

الاضطرابات التي خلفها القرار في الأسواق

أدى تطبيق النشرة الجمركية الجديدة إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق، خاصة في مناطق شمالي سوريا، في كل من ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب، حيث واجه التجار والمستهلكون على حد سواء موجة من الارتفاعات الحادة في أسعار العديد من السلع الأساسية، خصوصاً أولئك الذين يعتمدون في عملهم على الاستيراد من خارج سوريا عبر تركيا منذ سنوات، ولديهم سلاسل إمداد خاصة بعملية الاستيراد. شهدت الأسواق زيادة تصل إلى 10% في أسعار السلع تقريباً كحصيلة أولية للإرباك الذي نتج في السوق نتيجة للقرار، مما أثر على توازن العرض والطلب.

 

وعلى سبيل المثال، فيما يخص ارتفاع النسب الجمركية على البضائع، ارتفعت رسوم استيراد طن الإسمنت من 17 دولاراً إلى 34 دولاراً، في حين قفزت رسوم استيراد طن الحديد من 60 دولاراً إلى 120 دولاراً. أما المنتجات الغذائية مثل البسكويت، فقد تضاعفت رسومها الجمركية من 50 دولاراً إلى 300 دولار، مما أثر بشكل مباشر على قدرة المواطنين على شراء هذه السلع وأدى إلى حالة من الصدمة لدى التجار العاملين في الشمال السوري.

إلى جانب ذلك، شهدت مواد الطاقة في الشمال السوري ارتفاعات غير مسبوقة، حيث قفزت رسوم استيراد كل 1000 لتر من البنزين من 30 دولاراً إلى 210 دولارات، مما قد يزيد من أعباء النقل ويؤثر على أسعار جميع المنتجات في حال عدم حصول تدخل حكومي لضبط الأسعار والحد من زياداتها الفاحشة. هذه الارتفاعات دفعت العديد من التجار في مدن مثل سرمدا واعزاز وغيرها إلى إغلاق محالهم التجارية وتوقفهم عن العمل، معبرين عن عجزهم عن الاستمرار في البيع بسبب التكاليف الباهظة الجديدة التي ترتبت على أعمالهم نتيجة للرسوم الجديدة وبسبب حالة عدم اليقين الحاصلة في السوق.

الاضطراب في الأسواق لم يتوقف عند ارتفاع الأسعار فحسب، بل شمل حالة من الشلل شبه التام في الحركة التجارية، مع مخاوف من ازدياد معاناة المواطنين الذين يعانون بالفعل من ضعف القدرة الشرائية، خصوصاً أولئك الذين يعملون بأجور يومية زهيدة تكاد لا تكفي قوت يومهم. هذه التغيرات السريعة في الرسوم الجمركية خلفت قلقاً كبيراً حول الاستقرار في الأسواق، خصوصاً في شمالي سوريا، وأثارت تساؤلات عن قدرة القرار على التوفيق بين دعم الإنتاج المحلي والصناعات المحلية وضمان تلبية احتياجات الأسواق بأسعار معقولة واستمرار عمل التجار.

إجراءات اقتصادية كبيرة تتطلب حذراً قبل الإعلان عنها

كون الحكومة المؤقتة حالياً هي حكومة تصريف أعمال، والظرف يتطلب تسيير الأعمال ومحاولة ضمان الاستقرار أكثر من إجراء تغييرات، فإن إصدار قرارات اقتصادية كبرى، مثل السياسة الحمائية المتمثلة في توحيد التعرفة الجمركية وغيرها من القرارات الحساسة على الأسواق والاقتصاد، يتطلب حذراً بالغاً ودراسة معمقة لضمان عدم وقوع تداعيات سلبية كبرى تمس استقرار الأسواق وحياة المواطنين من التجار والمستهلكين.

من المهم اتخاذ مجموعة من الخطوات التمهيدية قبل تطبيق القرار، تبدأ بإجراء دراسات شاملة عن تأثير رفع الرسوم الجمركية على مختلف القطاعات والمدن، سواء التي كانت تحت سيطرة النظام البائد أو تلك التي كانت تحت سيطرة الفصائل، والتي تعتمد بشكل أساسي على استيراد المواد الأساسية والطاقة أكثر من كونها صناعية. إضافة إلى ذلك، يجب التأكد من إجراء المشاورات مع غرف التجارة والصناعة والجهات الفاعلة في الأسواق المحلية لضمان وضع سياسات تتناسب مع واقع الاقتصاد وإمكاناته في مختلف أرجاء سوريا، وليست لحساب فئة على حساب أخرى.

من المفترض في الفترة الراهنة أن يتم تعديل الضرائب الثانوية المفروضة على السلع الكمالية وليس الرئيسية، لضمان تخفيف العبء على المواطنين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تتم عملية تطبيق القرار بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة، بحيث تُمنح الأسواق وقتاً للتكيف مع التعرفة الجديدة، مع تقديم حوافز أو دعم مؤقت للقطاعات والتجار الأكثر تضرراً، مثل تجارة المواد الغذائية ومواد البناء والطاقة في المناطق المتضررة من القرار. ومن المهم توفير حلول بديلة، مثل تعزيز الإنتاج المحلي عبر دعم المشاريع الصناعية والزراعية القائمة لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

في ظل غياب بنية تحتية صناعية قوية، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم توفر مدخلات الإنتاج الرئيسية من المواد الأولية بشكل كامل في بعض القطاعات، قد يؤثر ذلك على قدرة الأسواق على توفير بعض المنتجات الأساسية في حال توقف التجار عن استيراد بعضها، وعدم قدرة المصانع على إنتاجها بشكل سريع.

كما يمكن أن تؤدي الأسعار الجمركية العالية إلى تأثر القطاع الصناعي، المنهار بحد ذاته، بشكل سلبي بسبب التكاليف العالية للجمارك على المواد الأولية الداخلة في صناعتها، مثل المحروقات وغيرها.

بشكل عام، إن قرارات ذات تأثيرات كبيرة مثل هذه، تتطلب توافقاً أوسع ومشاركة من مختلف الجهات الفاعلة لضمان استدامة القرار وتقبّله، بدلاً من أن يسبب إرباكاً في الأسواق في بيئة اقتصادية هشة تحتاج لضمان استمرار الخدمات الرئيسية، خصوصاً الغذائية والطبية والأمنية منها.

بالرغم من وجود أهمية كبيرة للاعتماد على الصناعة والاستثمارات في تنمية اقتصاد سوريا ما بعد الحرب، والرغبة في زيادة رواتب الموظفين عبر العوائد الجمركية، فإن المرحلة الحالية حساسة وتتطلب جهوداً لضمان استمرار الخدمات الرئيسية المقدمة من قبل حكومة تصريف الأعمال قبل أي شيء. حيث إن مثل هذه الإجراءات قد تسبب اضطرابات واضحة في الأسواق المحلية، كما حصل إثر هذا القرار، لا سيما في المناطق التي تعتمد بشكل أساسي على الواردات وتقوم على التجارة أكثر من الصناعة.

كما أن الارتفاعات الكبيرة في الرسوم الجمركية على بعض السلع الأساسية قد شكّلت تحدياً إضافياً للمواطنين والتجار الذين يعانون أصلاً من ظروف اقتصادية قاسية. ومن المفترض أن تتسم عملية تطبيق مثل هذه القرارات بالتدرج والتنسيق مع الفاعلين في السوق لضمان عدم تفاقم الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد السوري بالأصل.

ولحل مشكلة الآثار السلبية الناتجة عن تطبيق النشرة الجمركية، ينبغي مراجعة القرار لتوقيفه أو إلغائه، أو اتخاذ إجراءات سريعة، مثل التركيز على التدرج في تطبيق القرار، بحيث يتم إعطاء الأسواق وقتاً للتكيف مع التعريفات الجديدة.

ومن الضروري أيضاً تقديم حوافز مالية أو دعم مباشر أو إعفاءات للقطاعات والمناطق الأكثر تأثراً، مثل تجارة المواد الغذائية والطاقة، والتدخل لضبط الأسعار في الأسواق. كما يجب ضمان عملية التنسيق بين كافة التجار والصناعيين في سوريا مع غرف التجارة والصناعة، لضمان توافق السياسات مع واقع السوق المحلي واحتياجاتهم، ومع الواقع الاقتصادي للمرحلة.