"التعتيم والترميم" في ظلِّ مجازر وانتخابات الأسد

2021.04.17 | 06:57 دمشق

16678086121431850766-11121248_973106186057091_1579077447_n.jpg
+A
حجم الخط
-A

طيلة عشر  سنوات، منذ انطلاق الثورة في سوريا، ونظام الأسد يراهن "مستذئباً" مع حلفائه على إخماد ثورة شعب برهنَ للعالم قاطبةً أنه لا ينحني، حتى أمام كل الوسائل العسكرية الفتّاكة، والأسلحة المحرّمة دولياً. ورغم ما استدعاه الوريث الطاغية برضاه أو مرغوماً، من ميليشيات طائفية، وجيوش جرّارة ومرتزقة، لقتل السوريين وتهجيرهم، وسلبهم أراضيهم وحقوقهم، لا تزال صرخة الحرية تثقب مسامع الطغاة، وتميط لثام المجتمع الدولي، والقوى الكبرى، لتظهر حقائقهم - تلك الدول التي تدّعي مناصرة الحريات وحقوق الإنسان! وعليه؛ يبدو أن مسعى روسيا لتثبيت المجرم الأسد في سدّة الرئاسة مجدداً بعد كل هذه الدماء والانتهاكات قاب قوسين أو أدنى من النجاح؟ ذلك لأن السنوات المنصرمة في سوريا أكّدت تخاذل وتواطؤ "أصدقاء الثورة السورية"، وعلى رأسهم الأميركان، الذين ألهبوا ظهورنا بسياط الانتظار من خلال تهديداتهم الفارغة ضد بشار الأسد ونظامه. وما حصدناه نحن السوريين، من وعيد وتهديد واشنطن، ليس إلا هذا الواقع الذي نشاهده! بلد مدمّر وشبه مقسّم، مع اقتصاد دون الصفر وشعب بين لاجئ ونازح.. عدا عن احتلالات عالمية تجوب سوريا من جنوبها إلى شمالها. والأسد الآن،  يختار ربطة عنق مُلوّنة، تناسب خطاباته الميتافيزيقيّة، وتحاكي الدماء التي أهرقت على مدار عقد كامل من صمت العالم، و"الأشقاء" العرب والمسلمين!

السفارة كما نعرف، هي واجهة دبلوماسية تعكس الصور الإيجابية عن بلدها؛ إلا عند "آل الأسد"- نرى القيح الدبلوماسي ينزُّ عبر موظفي تلك السفارات

سفارات القاتل و"بروباغندا" الانتخابات

طالما كانت سفارات نظام الأسد في خارج البلاد عبارة عن مراكز استخبارات، وبالأخص ضمن الدول العربية. فهو (نظام الأسد) لا يستطيع اللعب "بذيله" إلا ما ندر في دول أوروبا. حيث إن السفارة كما نعرف، هي واجهة دبلوماسية تعكس الصور الإيجابية عن بلدها؛ إلا عند "آل الأسد"- نرى القيح الدبلوماسي ينزُّ عبر موظفي تلك السفارات والقنصليات، وعمليات التجسس مستمرة على قدمٍ وساق تجاه المواطنين السوريين، مع اختلاق مشكلات جنائية وسياسية تضرّ معارضي الأسد في بلاد المهجر. طبعاً علاوةً على الفساد المستشري، والمحسوبيات الممهورة بالأختام أكثر من معاملات المواطنين القائمين في دول الاغتراب واللجوء!

في 12 من نيسان، نشرت سفارة نظام الأسد في "أبو ظبي" عبر صفحتها على "الفيس بوك" إعلاناً -ترويجيّاً- لانتخابات الطاغية التي سوف تنطلق -قسراً- بتاريخ 14 من تموز 2021. مفاد المنشور، أنه على المقيمين في الإمارات العربية المتحدة، من البالغين، والراغبين بالانتخابات، تسجيل أسمائهم عبر رابط مرفق، لملء البيانات الشخصية قبل 25 من نسيان الجاري، وفقاً لجواز السفر، أو الهوية الشخصية!

وعلى غرار منشور سفارة نظام الأسد في "أبو ظبي"، أيضاً في "كاراكاس-فنزويلا" دعت سفارة الطاغية  المواطنين السوريين المقيمين هناك، إلى المشاركة بما سمته "استحقاقاً انتخابياً"، وممارسة حقّهم الانتخابي، إما عن طريق الحضور شخصياً إلى مقرّ السفارة، أو التسجيل في الرابط المرفق بالمنشور!

من ناحية أخرى، فبفضل الدعم السياسي لنظام الأسد من قبل دول خليجية، منها الإمارات، وعُمان، والبحرين، والحضور الدبلوماسي المكثّف في الآونة الأخيرة، مع الروس وبعض زعماء الخليج، فقد استعاد الأسد القليل من ماء وجهه إن صح التعبير، عربياً. وقد أضاء الأخير (مختار حي المهاجرين) "غمّاز" مركبته مبتسماً، نحو تحالف  الجنرال "حفتر"  معه في ليبيا، وتصريحات وزيرة الخارجية الليبية "نجلاء المنقوش" حول افتتاح سفارات وقنصليات دول العالم مقراتها في ليبيا!

أما سلطنة "عُمان" –البراغماتية، التي وقّعت اتفاقية  مع نظام الأسد في أواخر آذار الشهر الماضي، تنصّ على "الإعفاء المتبادل من متطلبات التأشيرة لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية والخاصة والخدمة".. هي في ركب الدول التي حملت خناجر لطعن الشعب السوري، وتقويض ثورته الوطنية وسحق أهدافها السامية، التي بالضرورة إن نجحت، سوف تشكل خطراً داهماً على عروش الوصاية الغربية في الأنظمة العربية!

شرعية الأسد مفضوضة قانونياً

  • خلال سؤالي للمحامي والمحلل السياسي ورئيس تجمّع "مصير" أيمن فهمي أبو هاشم، حول الانتخابات المزعومة، التي سوف يجريها نظام الأسد بدعم روسي وإيراني؛ قال: هذه الانتخابات التي يحاول من خلالها نظام الأسد تجديد شرعيته، مع أنه فعلياً فاقد للشرعية القانونية والوطنية والأخلاقية، بسبب حجم الجرائم الفظيعة التي ارتكبها ضد الشعب السوري خلال سنوات الثورة السورية، هي باطلة، إن لم تتم في أجواء من القبول الشعبي.
  • و هذه الانتخابات تفتقد لأي مستند شرعي أو قانوني. هي عبارة عن تصرف سياسي الهدف منه إعادة فرض هذا النظام بطريقة غير قانونية. بالتالي دور السفارات السورية الآن إن كان في الإمارات أو فنزويلا، هو محاولة الالتزام بتعليمات النظام السوري بإشاعة مناخات وكأن هناك إجراءات يتم التحضير لها لعقد الانتخابات التي من المؤكد أنها ستكون إجراءات صورية لا تقوم أيضاً على إجراءات قانونية سليمة.
  • ومن اللافت للانتباه أن نشاط سفارة النظام في الإمارات يعكس خللا في موقف الإمارات التي أعادت سفارتها أيضاً إلى دمشق. وكان من المفترض على دولة الإمارات أن لا تقبل هذه الانتخابات باعتبار أنها تخالف بذلك موقف الجامعة العربية الذي جمّد عضوية سوريا بسبب مواقف النظام من الجامعة العربية. وأي مساعدة أو حراك لأي دولة بهذه الانتخابات تتحمل مسؤولية قانونية وسياسية أمام الشعب السوري.

واشنطن .. إيران والأسد

أما بالنسبة للشفافية السياسية، فقد حذّرت واشنطن منذ شهر تقريباً بشار الأسد، أنها لن تعترف بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما لم تكن تحت إشراف الأمم المتحدة؛ وهذا مستحيل.. لأن نظام الأسد بإيعاز روسي وإيراني يرفض أي وجود أممي أو لجان حقوقية تشرف على أي عملية سياسية في سوريا، ويتعنّت، ويهدر الوقت كعادته. إضافة إلى كثير من الملفات المهمّة التي يحاول التهرّب منها، ويحاول نسفها على طاولة المفاوضات. أهمّها ملف المعتقلين، وتطبيق قرارات بيان "جنيف1"  30 حزيران 2012، التي انتزعها بشقّ الأنفس "كوفي عنان"؛  "الفاشل كما غيره من المبعوثين الأمميين إلى سوريا".

طهران، رغم انشغالها بالملف النووي، والعقوبات المفروضة عليها، لديها من الشراهة أن تبتلعَ كل الوطن العربي والإسلامي

  إيران الآن تحاول أن تتمسّك بــ "خريطة الطريق"؛ الخاصة بالاتفاق النووي، إبّان عهد الرئيس أوباما، بعد أن رفضها وريث الأخير في البيت الأبيض "دونالد ترامب". حيث شكّل الملف النووي الإيراني إرباكاً لواشنطن وإسرائيل، وتحدياً كبيراً للاتحاد الأوروبي لإيصال المفاوضات "النووية" إلى حل يقبله الجميع ! لكن طهران، رغم انشغالها بالملف النووي، والعقوبات المفروضة عليها، لديها من الشراهة أن تبتلعَ كل الوطن العربي والإسلامي عبر "ولاية الفقيه" متجاهلةً – حبّاً وكرامة- غضب "إسرائيل" وصواريخها التي تدك قواتها المساندة للأسد وقواعدها في سوريا؟! وبهذا، سوف يتلاشى الدور الإيراني في سوريا على مدى طويل؛ يكون هذا إن اتخذت إدارة "جو بايدن" قرارات سياسية فعّالة تجاه الملف السوري، أو تحرّكات "عسكرية" وهي مرجّحة ضد الوجود العسكري الإيراني الداعم للأسد المتمثل في الميليشيات الطائفية بشكل كبير.

أخيراً، مع كل هذه العوامل، الداخلية والخارجية، وتضارب مصالح الدول الكبرى في سوريا، نرى أن الطاغية الأسد باقٍ، مع (انتخابات) صورية، أو من دونها؛ على الأقل حتى يتم ترتيب البيت الداخلي للإدراة الأميركية الجديدة، وهذه ليست نظرة استشرافية، بل واقع مرير، أراده نظام الأسد، وقبلت به الأنظمة العربية قبل الغربية عندما تخلّت عن ثورة السوريين، وتركتنا نواجه مصيراً دموياً، ووحشية تنظيمات إرهابية تمت صناعة معظمها في غرف الاستخبارات العربية والعالمية.