التطبيع العربي مع نظام الأسد.. وإيران

2023.03.12 | 06:09 دمشق

التطبيع العربي مع نظام الأسد.. وإيران
+A
حجم الخط
-A

في أعقاب يوم الإثنين الدامي، بعدما ضرب زلزال كبير مناطق عدة في جنوبي تركيا وشمالي سوريا، حيث يعيش نحو خمسة ملايين إنسان نصفهم فارّون من بطش نظام الأسد، ودمّرَ مئات آلاف المنازل، وقُتل فيه عشرات الآلاف، وتشرّد نحو مئتي ألف إنسان لجؤوا إلى الخيام أو إلى العراء في هذه الظروف القاسية؛ اتخّذ بعض الرؤساء والملوك تلك المأساة ذريعةً لفتح قنوات الاتصال مع رأس النظام الأسدي المجرم، في مسعى لإعادته إلى حظيرة الأنظمة العربية "المستقرة"، بهدف "إبعاد" هذا النظام عن إيران، التي تشكل تهديداً جدّياً لسوريا وعموم المنطقة، حيث كانت إيران على مدار تاريخ الجمهورية الإسلامية عامل عدم استقرار، ومصدر تهديد لتلك الكيانات، بل ذهبت حتى تفتيت الجماعة العربية.

لم يكن ما لجأ إليه الرؤساء والملوك والسلاطين، من تدافع نحو رأس النظام الأسدي، بدافع الحرص على حياة واستقرار السوريين الذين عانوا طيلة اثني عشر عاماً من إجرام نظام الأسد، وأضعاف ما يعانونه اليوم من كارثة الزلزال، فعدد من قتلهم النظام يعادل أكثر من عشرة أضعاف من ماتوا نتيجة الزلزال، وأعداد من شردهم بلغت الملايين، فضلاً عن المعتقلين الذين يصل عددهم إلى مئة ألف معتقل، وإنما كان بسبب أن هذه الأنظمة تسعى إلى الحفاظ على سلطاتها، وتبحث عن دور جديد لها وسط التغيرات التي تعصف بالمنطقة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وسط القلق بخصوص الاتفاق النووي مع إيران والغزو الروسي لأوكرانيا.

ومن حيث قراءة ما يجري من صراعات وتقلبات في النظام الدولي والإقليمي، وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ودور إسرائيل وإيران ضمن هذه الصراعات، يعود اليوم اهتمام أميركا إلى المنطقة وخاصة العسكري، بعد أن تراجع في فترة سابقة نتيجة لحسابات المصالح الأميركية، والانتقادات التي وجهتها لتلك الدول بما يخص قضايا حقوق الإنسان، وهو ما دفع بعض الأنظمة العربية إلى التقارب مع روسيا بوتين، التي عرضت تقديم الدعم الكامل لأشد أشكال الأنظمة قمعاً وفساداً، وهي الفكرة التي راقت لتلك الأنظمة الفاسدة، حيث تباعدت قليلاً عن السياسة الأميركية، لكن ليس ضدّها، إذ تدانت من حليف أساسي لأميركا: إسرائيل.

أقامت روسيا علاقات جيدة مع إسرائيل، منافس إيران في النفوذ على البلاد العربية، حيث تسمح للطائرات الإسرائيلية بضرب أهداف إيرانية ومقار حزب الله في سوريا

وعن دور روسيا في المنطقة، فقد انتهجت روسيا طريقاً حرجاً للغاية. فمن جهة، تعاونت مع إيران في سوريا، لكن علاقتها بها لم ترق إلى شراكة استراتيجية قائمة على فهم مشترك طويل الأمد للأهداف والتهديدات والمصالح، بل ثمة خلافات بينهما حول الترتيبات في سوريا. ومن جهة أخرى، أقامت روسيا علاقات جيدة مع إسرائيل، منافس إيران في النفوذ على البلاد العربية، حيث تسمح للطائرات الإسرائيلية بضرب أهداف إيرانية ومقار حزب الله في سوريا. هذا التوازن في خطر اليوم، خاصة عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل ودول الخليج. حيث يسعى بوتين إلى الحفاظ على علاقته مع إيران، وفي نفس الوقت يجب عليه تطوير العلاقة مع الدول العربية التي تعدّ إيران تهديدًا.

يضيف هذا التعقيد في خريطة التصارع على المنطقة بُعداً أكبر لما يجري في سوريا، خاصة مع سعي الدول العربية نحو التطبيع مع نظام الأسد، المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع نظام ولي الفقيه في إيران، المتوغل بشدة في سوريا على مستويات عديدة. ويبقى ما تسعى إليه الدول العربية نحو إعادة نظام الأسد مرهوناً بفكّ ارتباطه مع النظام الإيراني الذي تتقاطع مصالح دولية عديدة في الخلاص منه في المنطقة، حيث هو نقطة اتفاق بين دول الخليج وأميركا وإسرائيل وغيرها، ولربما يكون الخلاص من النفوذ الإيراني مقدّمة لتغييرٍ ما في سوريا، حيث لا يمكن لموقف روسيا، التي وضعت نفسها في الوسط، إلا أن يكون هامشياً، أمام التوافق الخليجي الإسرائيلي الأميركي.

رغم الدعم الهائل الذي قدمته روسيا وإيران إلى نظام الأسد، فإن سلطته على المنطقة الواقعة تحت سيطرته تتراجع، نتيجة لانهيار اقتصاده الوطني، حيث تعاني البلاد من غياب شبه كامل للخدمات، ومن ارتفاع صاروخي في الأسعار، وانخفاض مستمر في العملة، وهو ما يشير إلى أن داعميه لا يمكنهما إنقاذه في النهاية من الانهيار، وهذا ما يُشجعه على الانخراط مع المسعى العربي، والانضمام إلى الحلف الجديد، الذي يمكنه أن يوفر له المال والاستقرار، لكن هذا المسعى مرهونٌ بما ستقوم به إسرائيل خلال الفترة المقبلة تجاه إيران، التي تغلغلت بقوة في سوريا لدرجة حوّلتها إلى مركز للميليشيات ومستودع للأسلحة.

ما تشهده المنطقة هذه الأيام -بالترافق مع الطروحات العربية نحو التقارب مع نظام الأسد- وخاصة بعد زيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال ميلي، لدول المنطقة بما فيها مناطق من سوريا، والزيارة اللاحقة لوزير الدفاع الأميركي، أوستن، وفتح المجال السعودي أمام الطيران الإسرائيلي، وأيضاً الأذربيجاني بعد التوترات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، يشير إلى احتمالية توجيه ضربة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة ودول الخليج، لإيران، يمكن أن تشكل البداية لإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة سوريا، وهو ما يعطي معنى لهذا التقارب الذي ترهنه تلك الدول بفكّ ارتباط نظام الأسد عن إيران. 

على الرغم من كلّ هذه الأحداث المتسارعة والمترابطة والمتداخلة، يظلّ مستقبل السوريين خارجَ جميع هذه المساعي، وبعيدًا عن كل تلك الحسابات

لا شك أن روسيا، بعد تورطها بغزو أوكرانيا والخسائر التي تتكبدها، باتت مُرهقةً، ولا يمكنها الدفاع عن إيران في سوريا، إن لم نقل أن لها مصلحة في تقليص نفوذها، مقابل فرص جديدة في المنطقة، ويبقى الرهان قائمًا: هل ستكون غاية تلك التقلّبات إجبار إيران على العودة للاتفاق النووي بشروط جديدة، وهو ما يُفقِد مسعى التطبيع العربي معناه، أم ستسمح روسيا لإسرائيل و"تؤيدها" في توجيه الضربة لإيران، ابتداء من سوريا، وهو الاحتمال الأرجح. وعلى الرغم من كلّ هذه الأحداث المتسارعة والمترابطة والمتداخلة، يظلّ مستقبل السوريين خارجَ جميع هذه المساعي، وبعيدًا عن كل تلك الحسابات، حيث باتوا موضوعًا بين يدي القوى الفاعلة والمؤثرة. وما ذلك إلا لضعف القوى المعارضة، الرسمية وغير الرسمية، التي لم تنجح في تحقيق أهداف الثورة، لأسباب يطول سردها وشرحها. ومن هنا يبقى علينا -السوريين- انتظار ما سيأتي به المستقبل الذي يصنعه غيرُنا.