التطبيع العربي مع النظام بين الوقائعية والواقعية

2023.03.08 | 07:11 دمشق

التطبيع العربي مع النظام بين الوقائعية والواقعية
+A
حجم الخط
-A

بعد أيام ستدخل الثورة السورية عامها الثالث عشر، حيث ما زال الشعب السوري يتعرض لمختلف صنوف أسلحة نظام الأسد ويلعق جراحه على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

كان الأَولى بالدول العربية التي طردت النظام من جامعة الدول العربية في العام الأول للثورة، بسبب استخدامه المفرط للعنف الذي أدى إلى التدمير والقتل والاعتقال والتهجير بحق الشعب السوري، أن تستمر في السعي لإنهاء مأساة الشعب السوري، ببذل مختلف الجهود وممارسة الضغط اللازم على النظام، لدفعه للانخراط في العملية السياسية الدولية إزاء القضية السورية، والممثَّلة بمؤتمر جنيف / 2012 وملحقاته، وخاصة القرار 2254.

أي حضن عربي هذا الذي سيحتضن مَنْ تَسببَ بكل تلك الفظائع ويتناسى الضحايا! ويترك الشعب السوري المعذب لمصيره

لكن مع الأسف، وعلى العكس، فقد سارعت دول عربية قبل غيرها باتجاه التطبيع مع النظام منذ عدة سنوات، رغم استمرار جميع الأسباب التي دفعتها سابقاً لقطع العلاقات معه، وفي الآونة الأخيرة، أي بعد الزلزال الذي ضرب كلاً من سوريا وتركيا، اتخذ "الاتحاد البرلماني العربي" قراراً بلقاء رأس النظام، تحت مبرر كارثة الزلزال التي أودت بحياة نحو سبعة آلاف سوري، متناسياً مئات الآلاف من السوريين الذي فقدوا حياتهم  بسلاح هذا النظام، من البراميل المتفجرة إلى الكيماوي، مروراً بحفرة حي التضامن الدمشقي وضحايا "قيصر" من المعتقلين الذين قضَوْا تحت التعذيب، ذلك على سبيل المثال وليس الحصر. فأي حضن عربي هذا الذي سيحتضن مَنْ تَسببَ بكل تلك الفظائع ويتناسى الضحايا! ويترك الشعب السوري المعذب لمصيره.

هذا في الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية "بيتر ستانو": إن موقف الاتحاد الأوروبي من النظام "لا يزال كما هو"، مشيراً إلى أن "هذا النظام ليس له شرعية، وهذا ليس الوقت المناسب لتطبيع العلاقات معه".

وقال: إن العقوبات الأوروبية لن تُرفع إلا عندما ينخرط النظام في العملية السياسية، وأكد على أنه يتم استلام وتوزيع المساعدات الأوروبية في مناطق النظام عن طريق وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وليس من خلال النظام ووكلائه.

وبالصدد، كان "أندرو جيه تابلر" المدير السابق لشؤون سوريا في مجلس الأمن القومي الأميركي قد دعا الإدارة الأميركية لاتخاذ التدابير اللازمة للتأكد من أن الإعفاء الأخير للعقوبات الأميركية، لن يفتح منافذ لصالح نظام الأسد أو حلفائه في كل من موسكو وطهران، ودعا إلى إجراء تقييم استخباراتي عبر صور الأقمار الصناعية، لمعرفة الدمار الذي خلّفه الزلزال، وللتفريق بين المنشآت التي دمرها الزلزال والمنشآت التي "أصيبت في الحرب".

كذلك أقرَّ مجلس النواب الأميركي قبل أيام بالأغلبية الساحقة، مشروع قانون يهدف إلى مراقبة آلية إيصال المساعدات للمتضررين من زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي، ومنع نظام الأسد من استغلالها.

من المعروف بأن مقاطعة الدول العربية لنظام الأسد جاءت احتجاجاً على الجرائم التي ارتكبها ضدّ الشعب السوري، الذي امتشق أغصان الزيتون على امتداد قرى وبلدات ومدن سوريا مطالباً باسترداد حريته وكرامته، تلك الجرائم التي بلغت حدّ استعمال الأسلحة الكيماوية، فما هي المبررات التي تنطلق منها الدول العربية للانفتاح على النظام الآن، حيث تستمر كل أسباب وموجبات المقاطعة؟

وجدير بالذكر أن الدول العربيّة تشكو من مخاطر الدور الإيراني في سوريا على مختلف الأصعدة، منها دور ميليشياتها في تهريب المخدّرات إلى المحيط العربي خاصةً، الأمر الذي عانت منه المملكة الأردنية، لدرجة اندلاع صِدام بين الجيش الأردني وعصابات تهريب المخدرات الإيرانية على الحدود المشتركة بين البلدين.

حيث انطلقت المملكة من اعتقادها بأنّ تمكين النظام للعودة إلى الجنوب السوري، قد يضع نهاية لهذا الصدام المكلف، الأمر الذي كانت موسكو قد أوصتها به للانفتاح على نظام الأسد، لمساعدتها في مجال المخدرات واللاجئين، ولكن عبثاً، فمن الصعوبة بمكان إن لم يكن من المحال، فصل الميليشيات الإيرانية عن ميليشيات النظام، والأصعب هو التزامهما بأي عهود ومواثيق.

فما الذي يدفع دولاً عربية للتطبيع مع النظام؟

من المعروف أن معظم الدول العربيّة تقف إلى جانب أوكرانيا في الحرب الروسية عليها، فهل يكون أحد دوافع إقدامها على التطبيع مع النظام هو تحقيق نوع من التوازن في علاقاتها مع روسيا العاملة باستمرار على تعويم النظام؟

هناك من يعتقد بأن انفكاك العقدة السورية مع الدول العربية قد تكون بداية لفك العقد الأخرى، من اليمن إلى لبنان

ذلك في الوقت الذي ترى فيه هذه الدول بأنّ الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي اللذيْن يتحفظان على الانفتاح على نظام الأسد، مشغولان بالحرب الروسية على أوكرانيا، وبالتالي قد ترى الدول الساعية للتطبيع، أن الوقت مناسب للسير بخطوات هادئة وثابتة نحو التطبيع، حيث هناك من يعتقد بأن انفكاك العقدة السورية مع الدول العربية قد تكون بداية لفك العقد الأخرى، من اليمن إلى لبنان.

وخلاصة القول، إذا ما عومل مصير الشعب السوري كمادّة تُستثمر لترميم علاقات خارجية فإن تلك العلاقات ستكون خاسرة قطعاً، لأن المصلحة الاستراتيجية المستدامة للدول العربية هي قطعاً مع الشعب السوري، وليس مع النظام الذي يرفضه الشعب، ومن الخطأ أن تتذرع الدول الساعية للتطبيع "بالواقعيّة السياسيّة" فهذه الواقعية لا تعني البتّة ترك الوقائع السياسية والإنسانية المأساوية المتحركة على الأرض السورية لمصيرها، والذهاب للتطبيع مع نظام تسبب في إحداث تلك الوقائع المأساوية.