icon
التغطية الحية

التركي رقم خيمته 1 والسوري 2.. السوريون في مخيمات الزلزال يواجهون التمييز والقلق

2023.03.06 | 01:18 دمشق

ءئؤر
عائلة سورية في مخيم الإصلاحية (تلفزيون سوريا)
غازي عنتاب - وائل عادل
+A
حجم الخط
-A

"الأتراك عندهم رئيس، يعطيهم بيوت، نحن مين يطلّع علينا؟". هكذا قالت لنا "أم عبد الحكيم" التي التقينا بها في مخيم بلدة "الإصلاحية" جنوبي تركيا، في خيمةٍ أرضيتها تراب، وسقفها قماش مهترئ، دموع أم عبد الحكيم تسبق كلماتها المحسوبة، فهي تخاف أن تخونها الكلمات في التعبير عن قهرها لكيلا تُرحّل بحسب اعتقادها.

لدى وصولنا إلى المخيّم المُقام داخل ملعبٍ لكرة القدم، تهافت إلينا عددٌ من السوريين والسوريات يسألوننا بخوف: "هل سوف نُطرد من خيمتنا مرّةً أُخرى؟"، كان سؤالاً يضمّ جملةً من الأسئلةِ نقلناها لأحد المسؤولين الأتراك عن المخيّم والذي نفى بشكلٍ قاطع هذه الأخبار، وأكّد أنّه قد تمّ نقل العائلات السوريّة من مخيّم الإصلاحية 2 في اليوم السابق بسبب قلّة عدد السوريين هناك، وتجنّباً للاحتكاك السلبيّ وللمشاكل.

عملنا حينها على نقل كلام المسؤول عن المخيم، وحاولنا الإجابة على تساؤلات السوريين بحسب تأكيداته، ولكن الخوف كان مسيطراً، فمعظم النساء والأطفال الذين قابلناهم يخافون العودة للبيوت وإن كانت متضررة بشكل بسيط، فمحيطها لا يخلو من الأبنية الآيلة للسقوط، والفوبيا من المبيت تحت أي سقف إسمنتي تجاوزت جميع الإجابات المنطقية.

واحدة من السيدات السوريات اسمها "فاطمة محمد" (64 عاماً) رَوَت لنا قصّتها مع الزلزال، وقصّة موت ابنتها تحت الأنقاض، كان متطوّع سوريّ قد أخبرنا بأنه ذهب إليها صباح اليوم ليسألها عن احتياجاتها مع حفيديها بعد موت أمهما، وعندما سألها عن مقاس أحذيتهم أجابته: "ابن بنتي مافي داعي، لأنه بعد ما طلع من تحت الأنقاض قطعوله رجليه"، لم تبكِ السيّدة إلّا عندما سألتنا عن إشاعة ترحيلهم من الخيمة، انفجرت دموعها وأنهت حديثها "إن شاء الله هالموتة إلي ولا لبنتي".

بعد أسبوع، وبتاريخ 22-2-2023 زرنا المخيّم ذاته مرّة أخرى، تغيّرت الأوضاع، المسؤول التركي وفريقه غادروا المكان، وحلّ الهلال الأحمر التركي مكانهم. الخيام التي تجاوز عددها 600 خيمة تحمل أرقاماً جديدة، همس لنا "أبو اسماعيل" السوريّ المقيم في المخيم مع عائلته: "رقموا الخيمة برقم إضافي غير المكتوب بقفا الخيمة، التركي رقم خيمته 1 والسوري رقمها 2".

السوريون المتضررون بالزلزال في تركيا

اصطحبنا إلى مكان توزيع الطعام، وأشار إلى طاولتين أمام مبنى صغير مكوّن من طابق واحد، هذه الطاولة رقمها "1" لطابور الأتراك، وهذه "2" لطابور السوريين، يقول المتطوعون بأنّ هذه الطريقة تمنع الاحتكاك والمشاكل، لكننا نشعر بالفرق بين طعامهم وطعامنا، والمساعدات المقدّمة لهم وتلك المقدّمة لنا.

كانت بلدة الإصلاحية التركية (60 ألف نسمة) قد تعرّضت لضرر كبيرٍ جدّاً بسبب زلزال 6-2-2023، وقدّرت "فاطمة شاهين" رئيسة بلدية غازي عنتاب الكبرى الضرر بنسبة 50 بالمئة، وبحسب وكالة الأناضول التركية فقد اكتملت عملية هدم 60 في المئة من المباني في الإصلاحية.

دم شاب سوري على جدار خيمة

"نحاول عدم التحدّث باللغة العربية، وعندما نُضطر لا نرفع أصواتنا كيلا نُعرف بأننا سوريون"، هذا ما قاله لنا السيد "حميد بكار" المقيم في خيمة نصبتها إدارة الكوارث التركية "آفاد" في حديقة المعارض أو"الماسال بارك" وسط غازي عنتتاب.

أما "أنس" فقد قال لنا: "نبيت منذ الليلة الأولى للزلزال في سيارة شحن صغيرة، عددنا كبير يتجاوز 15 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال، بيوتنا متصدّعة لا نستطيع العودة إليها في المدينة القديمة قرب قلعة غازي عنتاب، نحاول عدم الاحتكاك بالأتراك، ليلة أمس عدد من الشبان الأتراك ضربوا شاباً سورياَ ضرباً مبرحاً هنا أمام ابنتيه و زوجته، ولم يستطع أحد التدخّل، لقد كانت ليلة دامية".

وقفنا أمام الخيمة الخاوية، كانت جارتهم السورية التركمانية تخبرنا تفاصيل القصة، وتقول بأن ما حصل ظلم، لقد اجتمعوا وضربوه بقسوة دون رحمة.

في ليلة ما سماه السوريون الزلزال الثاني 20-2-2023 الذي ضرب ولاية هاتاي، الأول بقوة 6.4 على مقياس ريختر في منطقة ديفني، والثاني بقوة 5.8، هرع السوريون والأتراك إلى الشوارع خوفاً من الكارثة، بعد أن كانوا قد اطمأنّوا وعادوا إلى بيوتهم حينها، لكن واجهتهم مشكلة جديدة وهي الخيام التي أزالوها والأماكن التي كانوا يبيتون فيها بعد الزلزال الأول، خاصة من سافر إلى الولايات الغربية كإسطنبول وبورصة وعاد مؤخراً، فازدحمت دور العبادة والعزاء التي افتتحت البلدية أبوابها للباحثين عن الأمان حينها.

أضاف لنا أنس بأن خيمته امتلأت بالنساء والاطفال الذين قدموا هاربين من الخوف، وتجاوز عددهم 10 عائلات، وقال: "يخبرنا القائمون على المخيم بأن نخفض أصواتنا وألا نتحدث باللغة العربية، خلال الفترة الماضية كان عدد من الشبان الأتراك يتهجمون على السوريين ويقولون لهم بأنهم لا يريدون السوريين في المخيم، كل يوم تحدث عدد من المشاكل، حتى فرغ من العائلات السورية وأصبح السوريون يعدّون على أصابع اليد الواحدة، وهاجموا بالسكاكين والعصي عائلة سوريّة وقفت في طابور تطلب خيمة".

 سوريون في كهرمان مرعش لا خيام تكفيهم

في حديقة كبيرة كانت متنزّها تقع في منحدر جبلي قاسٍ وسط مرعش، حديقة 15 تموز أو كما يسميها السوريون حديقة الدرج، بسبب وجود درج خشبي طويل فيها. حذّرنا السوريون لدى دخولنا عدم النزول عبر الدرج بسبب اقتلاع معظم أخشابه واستخدامها للحرق أو لنصب الخيام.

الخيام مقسومة لقسمين؛ البيضاء المنظمة التي كُتب عليها "آفاد" بالتركية، وفيها عائلات من الأتراك وعدد قليل من العوائل السورية، وفي باقي أطراف الحديقة خيمٌ زرقاء وعدد من الألوان الأخرى عشوائية فيها سوريون، منهم مَن أحاط طاولات الحديقة الخشبية بأقمشة وشوادر لتقيه البرد القارس، ومنهم من نصب خيمة كبيرة وكثير من الخيام الصغيرة المنتشرة هنا وهناك.

أم علي سيدة خمسينية أوقفتنا أثناء جولتنا في مخيم مرعش وسألتنا عن السفر، قالت لنا: "لماذا لا قيمة للسوري في كل مكان، هاجر أبنائي إلى ألمانيا وأنتظرهم منذ أكثر من سنتين، لا يستطيعون إرسال كرت زيارة أو لمّ الشمل، أولادي تعبوا كثيراً هنا فغامروا بالسفر عبر البحر إلى أوروبا، حاولت السفر ووصلت إلى حدود اليونان وواجهت الموت، فعدت إلى هنا، الزلزال صدّع منزلي هنا، فجلسنا على هذا الكرسي وغلفناه بالبطانيات وما استطعنا انتشاله من البيت لنبات فيه، لكننا اليوم أنا و ابنتي لا نعرف الدفء خاصة في الليل حيث درجات الحرارة منخفضة جداً، لا أحد يرعى مصالح السوريين هنا، كل شيء عشوائي".

و تضيف أم علي: "عندما نقف في طابور الطعام المجاني، يدفعنا الأتراك إلى خارج الصفّ، ويقولون لنا: ماذا تفعلون هنا، اذهبوا إلى بلدكم".

عبد الرحمن مدير منظمة سوريّة في كهرمان مرعش، قال بأن الوضع يدعو للبكاء، "نحن نبكي كل يوم، ونحاول جهدنا عبر إيصال المساعدات لمستحقيها، لكن الكارثة كبيرة جداً، والاحتياج أكبر من الموجود، ننسق مع الجهات التركية و يبدون تعاوناً كبيراً، أحد الأتراك المسؤولين عن المخيم قال لي بأنه لا يعرف كيف يحلّ الموضوع، فإذا فرزنا السوريين إلى مخيم خاص، سيقولون بأن السوريين في مخيم والأتراك في الشارع، و إذا جمعناهم في مخيم واحد ينتج عن الاحتكاك مشاكل لا نعرف كيف تبدأ ولا متى تنتهي".

أبو عمر أحد سكان المخيم، بنى خيمة عشوائية صغيرة بعد أن تم ترحيله من الخيمة قرب الجامعة هو وكل السوريين هناك، قبل ليلة، بسبب عدم رغبة الأتراك بوجودهم. يقول "اشتهرت كهرمان مرعش بأن الماء فيها عذب وصالح للشرب، لكن حذرّت السلطات منها بعد الزلزال وقالوا بأنها لم تعد كذلك، فنلجأ للمياه الصحية، أحياناً تأتينا العبوات من المنظمات التركية كالهلال و الآفاد، وأحياناً من المتبرعين والمنظمات السورية، غير أن المدة طالت و تطول يوماً وراء يوم، وهو أمر يحتاج حلّاً لعدم الوقوع في مشاكل صحية أكبر".

يذكر أن الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي في 6-2-2023 تأثرت به 11 ولاية تركية، معظم هذه الولايات يقطنها السوريون، ليعود السوريون الناجون بعد الزلزال إلى تغريبة داخل تغريبة، بعد تهدم و تصدّع بيوتهم. مأساة فقد الأحبة إضافةً للمبيت في الشارع والخيمة إما خوفاً أو بسبب ضرر أصاب البيت، تضاف إلى مأساة العشوائية وعدم وجود جهة فاعلة يلجؤون إليها تمثلهم وتدير أمورهم.