ترجم العرب العديد من الثقافات إلى لغتهم ومن بينها الثقافة التركية، إلا أنَّ الترجمة عن اللغة التركية مع ما لها من خصوصية بسبب الروابط التاريخية والدينية والجغرافية التي تجمع بين الشعبين العربي والتركي لم ترق إلى المستوى المطلوب كمَّاً ونوعاً، ولم تلق الدعم اللازم من المؤسَّسات العربية، وتكاد تقتصر على جهود المترجمين الفرديَّة، رغم وجود العديد من المؤسَّسات العربية التي تعنى بالترجمة من أهمها: المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق (1991)، التابع لجامعة الدول العربية، والذي أصدر حتى سنة 2022 نحو 184 كتاباً مترجماً جلها في الطب والهندسة والاقتصاد والفيزياء والكيمياء وبعض الدراسات في مجال الترجمة والتعليم؛ والمركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية (1996)، والمنظمة العربية للترجمة في لبنان (1999) والمعهد العالي العربي للترجمة في الجزائر (2005)، الذي يتبع للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة (2010)، الذي يصدر سلسلة "ترجمان"، وأخيراً منتدى العلاقات العربية والدولية في الدوحة (2011)، ومؤسسة "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" 2015.
وعلى الرغم من أنَّ هذه المؤسسات تشترك في العديد من الأهداف منها مثلاً: متابعة الجديد مما ينشر في ميادين المعرفة العلمية والأدبية والفنية في العالم، وترجمة الملائم منه، وتنسيق جهود الترجمة والتأليف التي تتم في الوطن العربي. إلا أنَّ ما ترجمته أو نشرته هذه المراكز من الكتب المترجمة عن التركية بحسب المعطيات لا يتجاوز بضع عشرات، بل إن بعض هذه المراكز لا يملك أي ترجمة أو إصدار عن اللغة التركية.
وهنا لابد من الإشارة إلى الدور الإيجابي لجائزة الشيخ حمد للترجمة، في تشجيع الترجمة بين العربية والتركية من خلال إدخال اللغة التركية لغةً رئيسية في المسابقة في دورتها الأولى سنة 2015م، ودورتها الثامنة سنة 2022م، وكذلك في هذه السنة 2025 ما شجع العديد من المترجمين والمؤسَّسات على الترجمة من التركية إلى العربية وبالعكس، إضافة إلى أنها حفزت المترجمين على إنجاز ترجمات ذات جودة.
إن وجود مشاريع للترجمة سواء في العالم العربي أو في تركيا هو حاجة حضارية لتقوية جسور التواصل والتفاهم بين الشعبين، من خلال التعاون بين المؤسسات التي تعنى بالترجمة
وقد يكون من أسباب قلة الاهتمام بالترجمة عن التركية هو الضعف بشكل عام في حركة الترجمة في العالم العربي، الذي يترجم سنوياً حوالي 450 عنواناً، في حين تترجم اليابان 35 ألف عنوان، وإسبانيا أكثر من 10000 آلاف عنوان، والسويد 2500 عنوان سنوياً، وكذلك هيمنة لغات معينة على ساحة الترجمة أدَّت إلى إهمال الترجمة عن اللغات الأخرى التي تربط شعوبها علاقات وثيقة بالعالم العربي، سواء علاقات دينية أو تاريخية أو ثقافية، من هذه اللغات مثلا: اللغة التركية، واللغة البوسنية، ولغات شرق أسيا كاللغة الفارسية، والملايو، والأوردية، واللغة الصينية وغيرها.
أما عن الجهود التركية الرسمية في ميدان الترجمة ومحاولة ترجمة نتاجهم الفكري والثقافي إلى اللغات الأخرى وتحديداً إلى اللغة العربية، فقد قامت بعض المؤسسات التركية في العقدين الأخيرين بتقديم الدعم للترجمة من التركية إلى لغات العالم ومنها اللغة العربية وهي: وزارة الثقافة والسياحة ومشروعها المسمى اختصاراً "TEDA" الذي انطلق سنة 2005، ويهدف إلى دعم ترجمة النتاج الفكري والأدبي التركي إلى لغات العالم ومنها اللغة العربية، وذلك من خلال الدعم المالي لدور النشر خارج تركيا لنشر الأعمال المترجمة عن التركية. ومجموع اللغات التي تمت الترجمة إليها بلغ 60 لغة، وقد احتلت اللغة العربية المركز الأول في عدد الترجمات. والمؤسسة الثانية هي رئاسة الشؤون الدينية، التي أنشأت سنة 2010 دائرة خاصة للترجمة إلى اللغات الأجنبية، ومنها اللغة العربية لكن جهودها تعد متواضعة بالنسبة لمشروع "تيدا".
وهناك مؤسسات تركية أخرى قامت بطباعة بعض الكتب المهمة المترجمة إلى العربية منها مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية "إرسيكا" ومركز البحوث الإسلامية "إيسام" وغيرهما. إلا أنَّ ما طبعته هذه المراكز قليل جداً، كما أن هذه المراكز ليس لديها مشروع في مجال الترجمة، وإنما تقوم بطباعة بعض الكتب المترجمة ونشرها، أي تقوم بدَور دار النشر فحسب. من أهم هذه الكتب مجموعة "البلاد العربية في الوثائق العثمانية" للباحث والمترجم فاضل بيات. وقد حصل المترجم عن هذا العمل على المرتبة الأولى في جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في دورتها الأولى سنة 2015. وكتاب الدولة العثمانية تاريخ وحضارة" لمجموعة من الباحثين، و"الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي" تأليف أكمل الدين إحسان أوغلو، والكتابين من ترجمة صالح سعداوي الحاصل أيضاً على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في دورة 2022.
إن وجود مشاريع للترجمة سواء في العالم العربي أو في تركيا هو حاجة حضارية لتقوية جسور التواصل والتفاهم بين الشعبين، من خلال التعاون بين المؤسسات التي تعنى بالترجمة، والعمل على إيجاد هيئات علمية متخصصة مشتركة تراجع وتجيز الأعمال المترجمة المميزة للمترجمين الأفراد، وذلك لتفادي الأخطاء التي تقع في العديد من الترجمات، سواء اللغوية أو الأسلوبية أو الأخطاء في نقل المعنى الصحيح، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى تحريف بعض معاني النص الأصلي.
وأخيراً الترجمة ليست حاجة ثقافية فحسب وإنما هي حاجة سياسية واقتصادية أيضاً، لأن تقوية العلاقات الثقافية بين الشعوب ينتج عنه بالضرورة علاقات سياسية واقتصادية أيضاً.