التخلص من الدولة الأسدية كشرط للوقاية من كورونا!

2020.04.05 | 00:00 دمشق

download_54.jpg
+A
حجم الخط
-A

تقلق الدولة الإيرانية وسلطتها من نقمة مواطنيها بسبب ما أظهرته مصيبة كورونا من تقصير أو قرارات خاطئة. فهي، أي السلطات، وإن كانت قمعية واستبدادية إلا أنها وبادعاءاتها الإيديولوجية تحاول البرهنة على أنها نظام ناجح، نظام نموذجي للحكم الرشيد. وهذا يشبه نسبياً رغبة الحزب الشيوعي الصيني بإثبات صلاحية استئثاره بالسلطة. وبهذا المعنى، ورغم الميل الإيراني المعتاد إلى إلقاء تبعات بعض الفشل والتقصير على "التآمر الأميركي" وأثر العقوبات على النظام الصحي، فقد كانت السلطات تنتهج سياسة من يتنكب عبء المسؤولية.. 

في الدول الغربية، الديموقراطية، معظم سلطاتها يساورها منذ الآن القلق العميق من الاستحقاقات الانتخابية التي لا بد من حدوثها بعد احتواء أزمة كورونا. وهي لذلك، كأحزاب حاكمة أو معارضة، تخوض معركة الوباء ونصب عينيها المحاسبة التي ستظهر نتائجها في صناديق الاقتراع. ولا شك أن مزاج الناخبين سيكون بالغ الاستياء من جراء الفشل في سياسة احتواء المرض، كما من الأزمة الاقتصادية الناتجة لا بد عن تبعات الشلل الذي أحدثه كورونا.

حتى روسيا، ورغم التكتم والغموض اللذين يكتنفان سلوك السلطة وحقائق الواقع، أظهرت السلطات فيها حساً بالمسؤولية تجاه مجتمعها، وحاولت قدر الإمكان التبجح بقوة نظامها الصحي والإسعافي. الحرص على "السمعة" هاجس بوتين في دأبه على تصوير روسيا القوية المعتدة بنفسها، كما هاجسه عدم التشبه بما كان عليه "الاتحاد السوفياتي" من تعثر فاضح في مجالات الرفاهية الصحية والاجتماعية.

على العموم، تعمل حكومات العالم بدافع تلك "المسؤولية" الوطنية تجاه مواطنيها، على اختلاف أنظمتها أو قدراتها وإمكانياتها. وبالطبع، هناك حكومات فاشلة وأخرى ناجحة، وسياسات متباينة في مواجهة الوباء من ناحية أو في تدارك التبعات الاقتصادية من ناحية أخرى. بل وأيضاً، ثمة سعي دولي إلى تنسيق الجهود وتبادل الخبرة والنصائح والتجارب.

... إلا تلك "الدولة الأسدية"، أو بالأحرى اللادولة التي تحكمها عصابة، تبدو استثناء قميئاً، حتى بالقياس لما كانت عليه أبان حكم الأب. فرغم ضعف الخدمات الاستشفائية ونوعيتها في سوريا حينذاك، إلا أنها اتسمت بوجود شبكة واسعة من المستوصفات والمستشفيات العمومية، بما يتيح القول أن هناك نظاماً صحياً موجوداً في خدمة السكان وإن بدا فقيراً أو متقشفاً ويعتريه الفساد. لكن الحال مع حقبة بشار الأسد، ليس فقط بروز "الاستشفاء" الخاص حكراً على "النخبة"، وإهمال الاستشفاء العام على نحو كارثي، بل تدمير المنظومة الصحية بأكملها. ففي العام 2016، تبين أن حرب النظام على الشعب السوري، أفضت إلى خروج حوالى 20 ألف طبيب من البلاد هرباً من البطش. فيما تكفلت آلة الحرب بقتل الآلاف من الطواقم الطبية والممرضين والممرضات والمسعفين والأطباء.. وتدمير المؤسسات الاستشفائية.

التخريب الشامل الذي أحدثه النظام في البنى التحية والمواصلات والتجهيزات والمؤسسات الطبية، وتسليم معظم المناطق في سوريا إلى ميليشيات وعصابات موالية له، عاثت تعفيشاً ونهباً واستيلاء بكل مقدرات تلك المناطق وأنظمتها الصحية أو الإدارية أو البلدية – الأهلية، ودمرت الروابط والأندية والجمعيات أو حظرتها، وهي التي تلعب الآن في أي دولة بالعالم دوراً حاسماً في مكافحة الوباء وتحصين السكان ومساعدتهم... كل هذا أفقد سكان سوريا أي قدرة أو إمكانية على مواجهة مخاطر المرض.

علاوة على ذلك، أدت سياسة النظام في النهب والتسلط والتدمير والتهجير.. إلى إفقار القسم الأعظم من السكان، بما يجعلهم غير قادرين على تأمين متطلبات الصمود والإجراءات الوقائية.

وفي الشهرين الماضيين، أظهر النظام استهتاراً مريعاً إزاء تفشي كورونا، وإهمالاً مألوفاً واعتيادياً إزاء أمن الناس وصحتهم. وتشير التعاميم الرسمية التي يصدرها النظام، أن هاجسه الأمني والمخابراتي وتوجسه من المواطنين (معرفته الأكيدة بكراهيتهم له)، تفوقا على هواجسه "الصحية"، وجعلاه يتخذ قرارات عسكرية وسياسية وأمنية هي في خلاصتها لحماية نفسه وحماية "جماعاته" لا حماية الشعب السوري. فهذا الأخير هو "العدو"، كما برهن طوال السنوات التسع المنصرمة.

في مثال قريب، بلبنان، تعمل الآن الأجهزة القضائية والأمنية ووزارتا العدل والداخلية على قرارات وخطط للتخفيف من أعداد السجناء والمحكومين والموقوفين بقضائية جزائية أو جنائية، وتتجنب الشرطة عمليات الاعتقال في الجنح الخفيفة.

أما في سوريا، فإن مصدر الرعب الكبير هو المعتقلات المعروفة أو السرية التي تكتظ بعشرات الآلاف من المعتقلين والمسجونين. وهؤلاء أصلاً يعيشون في ظروف لا إنسانية ويتهددهم الموت يومياً.. والتخوف ليس فقط من انتشار كورونا بينهم (وهم في أسوأ حال صحية وغذائية أصلاً)، بل أن يعمد النظام بذريعة كورونا إلى اقتراف مجزرة فيهم. إنه يفضل إعدامهم على إطلاق سراحهم.

أمر آخر، يجعل هذا النظام عدواً وحشياً للشعب السوري. إن كل حكومة في العالم، تعمد إلى تسيير رحلات جوية خاصة، لتأمين عودة مواطنيها العالقين في دول أجنبية، كجزء من مسؤوليتها تجاههم... إلا هذا النظام الذي هرب من وحشيته الملايين، وليس لديه أي رغبة بعودتهم ويفعل كل ما بوسعه لإبقائهم في الخارج.

لا يبعد سهل البقاع اللبناني عن سوريا إلا بضعة كيلومترات، ومع ذلك فإن مخيمات اللاجئين السوريين فيه تضم مئات الآلاف، يعيشون في أسوأ الظروف. ومع ذلك يرتضون بؤسهم قسراً رفضاً لعودة توازي الانتحار. وهذه هي بالضبط حال السوريين مع نظام الأسد.

الأخبار المقلقة عن انتشار كورونا في سوريا، تتحول إلى كابوس حالما نتطلع على ما تفعله الدولة الأسدية وكيف تتصرف. فسلوكها يدل على أنها ترتكب بكورونا جريمة جماعية، كما لو أنها تستكمل حربها لا بالقذائف والبراميل والأسلحة الكيماوية، بل بسلاح بيولوجي.

مأساة السوريين الجديدة والاستثنائية أن عليهم التخلص من هذا النظام، كشرط وقائي لمواجهة كورونا.