التحالف المضاد للدولار.. بين واقعية الطرح ومعوقات التنفيذ

2022.04.20 | 02:48 دمشق

62-171518-russia-seeks-to-give-up-dollar_700x400.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تقترب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من إنهاء شهرها الثاني دون أفق واضح لدى كل الأطراف حول كيفية إنهاء النزاع، والذي تسبب حتى الآن بأكبر كارثة إنسانية في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأزمة اقتصادية وغذائية طالت نتائجها كل دول العالم دون استثناء.

استمرت ردود الفعل الغربية على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا على نفس النهج من خلال تقديم مساعدات عسكرية دفاعية لأوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا لكن حتى الآن، فشلت هذه الإجراءات في إجبار روسيا على قبول وقف إطلاق النار أو الانسحاب من أوكرانيا.

بانتظار ظهور أثر هذه العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الروسي بشكل حقيقي، بدأت هذه الآلية تأتي بنتائج عكسية في اتجاه آخر، حيث أن استعراض بايدن للقوة الاقتصادية الأميركية شجع المنافسين، ولا سيما الصين وأطرافاً أخرى للانضمام إلى روسيا، لحرمان الولايات المتحدة من قوتها الاقتصادية المتمثلة في قوة الدولار. حيث سرعت روسيا والصين من مبادراتهما "لإزالة الدَولرة" من اقتصاداتهما، وبناء مؤسسات وهياكل مالية بديلة تحمي نفسها من العقوبات مما يهدد مكانة الدولار كعملة مهيمنة في العالم.

تاريخيا سيطر الدولار على النظام المالي العالمي، بدعم من الاقتصاد والقوة العسكرية الأميركية ولم تستطع أي عملات أخرى، بما في ذلك اليورو واليوان، إبعادَ الدولار عن موقعه الأساسي في الاقتصاد العالمي والأسواق المالية الدولية. فالدولار هو العملة الاحتياطية الأكثر انتشارًا في العالم. إنه عملة الدفع الرئيسية في التجارة الدولية والعملة الرائدة عبر المؤسسات المالية العالمية. بالإضافة إلى الهيمنة على أسواق الأسهم العالمية، وأسواق السلع، وتمويل عمليات التنمية، والودائع المصرفية، واقتراض الشركات العالمية.

في أوقات الأزمات، يلجأ الناس في جميع أرجاء العالم إلى الدولار كخيار أول وكملاذ آمن، الأمر الذي جعل العقوبات التي تفرضها واشنطن تقطع بشكل فعال الاقتصاد المستهدف عن أسواق المال العالمية، وتمنعه من جمع رأس المال من الأسواق العالمية لتمويل أنشطته.

في هذه المقالة سوف نناقش فكرة نشوء تحالف يقلّص من سيطرة الدولار على النظام المالي العالمي والعقبات التي تواجه هذه الفكرة وردود الفعل الأميركية المتوقعة على تحالف كهذا.

1- استبعاد الدولار:

  بعد ضم جزيرة القرم في عام 2014، وسّعت إدارة أوباما العقوبات المفروضة على روسيا والتي استهدفت عدداً من البنوك الروسية الكبيرة، وكذلك شركات الطاقة، وشركات الدفاع، والأثرياء من أنصار بوتين، فقامت روسيا بإجراءين مهمين لمواجهة العقوبات من خلال تطوير بنية تحتية مالية والحفاظ على استقلاليتها المالية في حال فصلها من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، المعروف باسم SWIFT، والذي يعدّ أداة التراسل الرئيسية بين البنوك على مستوى العالم.

حيث أطلقت روسيا نظام (SPFS) والذي يعدّ النسخة الروسية من نظام سويفت، حتى نهاية مارس الماضي كان النظام مستخدماً من قبل 399 بنكاً فقط على مستوى العالم بما في ذلك أكثر من 20 مصرفاً في بيلاروسيا. كما تتفاوض روسيا حاليًا مع الصين للانضمام إلى النظام.

الإجراء الثاني تمثل في تخفيض حيازات البنك المركزي الروسي من الدولار لصالح عملات أخرى مثل اليورو واليوان الصيني وزيادة الاحتياطيات من الذهب، بالإضافة إلى سحب احتياطات المصرف المركزي من البنوك الأميركية وتخفيف الحيازات من سندات الخزينة الأميركية.

مع استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا نتيجة العملية العسكرية الحالية، قررت شركة غاز برووم الروسية قبض ثمن النفط والغاز بالروبل الروسي بدل الدولار واليورو، وتشير البيانات إلى أن الشركة حوّلت جميع عقود التصدير من الولايات المتحدة.  من دولار إلى يورو منذ عام 2019. كما أن اليورو حلّ بالفعل محلّ الدولار كأداة أساسية للتجارة بين الصين وروسيا، حيث تكشف بيانات من البنك المركزي الروسي أنه بحلول نهاية عام 2020، أكثر من 83 في المئة من الصادرات الروسية إلى الصين تمّت تسويتها باليورو، كما وقعت روسيا والصين في يناير الماضي 30 عقدا اتفقتا فيها على استخدام اليوان الصيني في مبيعات الغاز.

التحالف الواعد:

قد تكون الإجراءات الروسية السابقة أحادية الجانب للهروب من قبضة الدولار ذات صبغة دفاعية، لكنها أدت إلى ظهور رغبة لدى دول أخرى لتحدي الولايات المتحدة والعمل على تقويض هيمنة الدولار.

فالرغبة المشتركة في تقليل الاعتماد على الدولار عززت العلاقة بين روسيا والصين حيث ساعدت مقايضات العملات الثنائية بين البنكين المركزيين روسيا على تجاوز العقوبات في عام 2014، وتسهيل التجارة الثنائية والاستثمار.

 في عام 2019 رفعت الصين علاقاتها مع روسيا إلى شراكة إستراتيجية شاملة، وهو أعلى مستوى للعلاقات الثنائية للصين. بعد ذلك استبدل البنك المركزي الروسي 44 مليار دولار من احتياطياته باليوان الصيني، وهو ما يمثل ربع الاحتياطيات العالمية باليوان الصيني، كما سمحت الحكومة الروسية لصناديق الثروة السيادية للاستثمار في اليوان وسندات الخزينة الصينية.

يأمل صناع السياسة الصينيون في أن الشراكة مع روسيا ستساعد في توسيع البنية التحتية المالية القائمة على اليوان، بما في ذلك منافس صيني لـ SWIFT ونظام دفع ببطاقة مصرفية منافسة، وبالتالي تعزيز وضع اليوان كعملة احتياطية وتعزيز الاستقلال المالي للصين.

كما ناقشت روسيا وتركيا استخدام الروبل والليرة التركية في التجارة عبر الحدود. وقدمت روسيا نسختها من نظام SWIFT للبنوك في العديد من الدول منها البرازيل والصين والهند وجنوب إفريقيا، وشددت أيضا على أهمية استخدام العملات الوطنية في التجارة البينية.

3- رد الفعل الأميركي:

يمكن لإدارة بايدن الحفاظ على تفوق الدولار العالمي من خلال تخفيف التوترات مع الصين من خلال تشجيع مزيد من الشركات الصينية على الإدراج في السوق المالية الأميركية، الأمر الذي من شأنه أن يحفز الصين على دعم استقرار الأسواق المالية العالمية القائمة على الدولار.

كما يمكن للولايات المتحدة أن تعمل على توفير إمدادات الطاقة البديلة لحلفائها في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. على المدى المتوسط والطويل، الأمر الذي سيضعف القوة المالية الأساسية لروسيا المتمثلة في الإيرادات التي تدرّها مبيعات النفط والغاز الناتجة عن اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية.

يجب على الكونغرس أيضًا تمكين مؤسسة تمويل التنمية الأميركية الحكومية لتصبح مصدرًا موثوقًا به للتمويل في الأسواق الناشئة والبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

تمويل التنمية هو أداة مهمة في السيطرة الاقتصادية. حيث حاولت روسيا التقدم في جهود إزالة الدولرة من خلال مؤسسات التنمية متعددة الأطراف في العديد من الدول.

الخلاصة:

إن عملية استبدال الدولار كعملة احتياطية عالمية سيستغرق وقتا طويلا، وأمامه عقبات كثيرة، فالعملة البديلة له يجب أن تتميز بثلاث خصائص رئيسية تتمثل في توفر السيولة الكبيرة والقبول من أطراف عمليات التبادل التجاري والاستقرار النسبي في سعر الصرف أمام سلة العملات الرئيسية لفترة طويلة من الزمن، وهذا لا يتوفر حتى الآن إلا في الدولار الأميركي، لكن في المقابل يبدو التحالف الجديد وكأنه يستقطب اهتمام العديد من الدول التي لطالما اعتبرت في ركب الاستراتيجية الأميركية سياسيا واقتصاديا مثل السعودية والهند، فهل ستقبل الولايات المتحدة الأميركية بخلع عباءة القيادة العالمية؟