"عندما يرفع جندي أميركي إبهامه هنا فهو يهين من حوله دون أن يدري، وعندها لابد أن يعتقد الأهالي بأن الأميركيين هم حفنة من قليلي الأدب"، هذا ما يقوله الجندي فادي ملوحي الذي يخدم في الجيش الأميركي بسوريا.
كان والد فادي جندياً خدم لدى القوات الخاصة السورية ولهذا تردد عندما عرض ابنه عليه قراره بالانضمام إلى الجيش الأميركي، وكذلك فعل سائر أفراد أسرته، إلا أن فادي كان يرغب بالانضمام إلى الجيش منذ أن كان طفلاً، وحول ذلك يقول: "شاهدت الكثير من الأفلام والوثائقيات حول الجيش، ثم أتتني فرصة أخيراً في الثانوية لأتحدث إلى مجند في الجيش ولأبدأ رحلتي في هذا المضمار".
وبالرغم من تردد والده إلا أنه كان يعرف مزايا خدمة المرء لبلاده، أما أمه فقد سعدت بذلك إلا أنها لم تعجبها فكرة ابتعاده عن البيت لفترة طويلة، وهذا ما حدث بالفعل عندما أتى إلى هنا، حيث تم إرساله إلى الشرق الأوسط ليقوم بإصلاح وصيانة نظم الحاسوب والتفتيش برفقة شركة الدعم والكتيبة 628 لدعم الطيران ولواء حملة الطيران والاشتباك الـ 28.
إلا أنه اعترف بأنه يحس في بعض الأحيان بصراع يتصل بنشأته بالنسبة لتحديد هويته، ولهذا يقول: "لقد أربكت نفسي عندما كنت طفلاً لأني كنت دوماً أفكر هل أنا أميركي أم سوري، لكني أتمتع بمنزلة أفضل بالنسبة للثقافة التي أمتلكها اليوم مقارنة بما كنت عليه من قبل، لدرجة يمكنني معها أن أعبر عن افتخاري بها".
إذ بالرغم من أنه نشأ في ألينتاون ببنسلفانيا، إلا أن فادي أمضى ردحاً طويلاً من طفولته في قرية تابعة لمحافظة حمص بسوريا، ولهذا فهو يتذكر بلهفة وشوق البيت المؤلف من ثلاثة طوابق والمدعم بالحديد المسلح المحاط بحفرة من الرمل وحديقة، كما يتذكر كيف كان يلعب كرة القدم مع أصدقائه، والمطبخ الذي لا يمكنه أن يجده إلا في ذلك المكان من العالم، حيث كان الصباح مشرقاً وحاراً لكنه من الرائع أن تستيقظ، أما الأماسي والليالي فكانت باردة ومظلمة، إلا أنه من الرائع أن تسير تحت جنح الظلام هناك. وقتها تعلم الزراعة والصيد كما تعلم الرقص وعاش نمط الحياة الذي يعيشه ناسه وأهله وتشرّب ثقافتهم.
واليوم يستخدم هذا الشاب معارفه التي اكتسبها حول تلك الثقافة واللغة التي تعلمها في تلك البلاد لتخدمه في كثير من الأمور، بل حتى في مساعدة زملائه من الجنود الذين نصبوا مواقع ساخنة للواي-فاي إلا أن اللغة الافتراضية لعملية التنصيب هي العربية هنا، ولهذا يقوم بمساعدتهم حتى يتمكنوا من التواصل مع أهاليهم في الوطن. كما يستعين بمعرفته بثقافات الشرق الأوسط لخدمة المصالح الأميركية ولإبقاء زملائه الجنود بأمان.
وحول هذه التجربة يخبرنا قائلاً: "بما أني من سوريا لذا فقد خدمني ذلك في كثير من الأمور، ويشمل ذلك التنوع ضمن القطعة التي أخدم فيها، وحصولي على أجر أعلى بما أني أتقن لغة أخرى، كما أني تحولت إلى عنصر ذي قيمة ضمن القطعة كوني أتواصل مع الأهالي وأقوم بترجمة المعلومات، وهذا بحد ذاته قد ينقذ حياة الناس ويبعد عناصر القطعة عن إبداء أي مظهر من مظاهر عدم الاحترام تجاه المدنيين الموجودين هنا".
وأكد هذا الشاب أنه عندما ينتقل أحدهم إلى بلد آخر، مثلما حدث للواء الثامن والعشرين، عندها يتعين عليه أن يحترم قيم وأسلوب الحياة المتبع هنا. وبالمقابل، سينال احترام الأهالي عند حفاظه على ذلك.
ثم إن الثقافة السائدة في ألينتاون مختلفة تمام الاختلاف عن الثقافة السائدة في الشرق الأوسط، إلا أنه يخصص الوقت الكافي لتعليم زملائه من الجنود كيف يبدون احترامهم للأهالي، لذا فإنه يتمنى من أعماق قلبه أن تثمر جهوده في خلق تغيير داخل الجيش على المدى البعيد، إذ لديه بعض الجنود الذين يتفقون معه ويشعرون بالحاجة الماسة لإظهار الاحترام تجاه الأهالي، غير أنه ذكر لنا أن هنالك بعض الأشخاص الذين يصعب إقناعهم بذلك مقارنة بغيرهم، كونهم يبدون الكثير من الصد والرفض في بعض الأحيان.
وهنا يخبرنا المجند كريستيان باربيزات زميل فادي في السكن وفي قسم الاتصالات ضمن الكتيبة 628 لدعم الطيران بأن الدروس التي تعلمها بالنسبة للغة والثقافة المحلية أنارت دربه، إذ يقول: "لقد علمني بضع كلمات، وشرح لي بعض الأمور التي تتصل باللغة، مثل طريقة القراءة من اليمين إلى اليسار بدلاً من اليسار إلى اليمين كما هي الحال مع اللغة الإنكليزية. ثم إنه جندي طيب، إلا أن خلفيته وما تعلمه يضيف عنصراً لطيفاً على القطعة".
ويعلق فادي على ذلك بالقول: "أرى أنني هنا في موقف يحتم علي أن أقوم بتعليم وتشجيع الآخرين بشكل كبير على احترام وتعلم نمط الحياة السائد هنا، وهذا بحد ذاته قد يرفد الجيش بعناصر قادرين على أداء مهامهم بصورة أفضل، ويقلل من الحوادث التي قد نخسر فيها أرواح مواطنين أميركيين".
ويعبر فادي عن سعادته لعودته إلى الشرق الأوسط، إذ بالرغم من فرزه ضمن منشأة تابعة للجيش الأميركي، إلى أن بعض الأمور تجعله يحس أنه في وطنه مثل رؤية أمور بسيطة بينها الكتابة بالعربية التي تظهر على غلاف قارورة ماء. أما بالنسبة لعودته إلى سوريا يوماً ما، فقد ذكر أنه يتمنى ذلك ولكن كزيارة خلال فترة عطلة لا أكثر، ويعلق على هذا بالقول: "في الوقت الذي أعتبر هذه البلاد أرض أهلي وأراها جميلة، إلا أني لا أعتقد أنها ستكون مكاناً آمناً يسوده السلام في المستقبل، كما أني لا أرى مستقبلاً ناجحاً مفعماً بالفرص التي أجدها في الولايات المتحدة".
المصدر: أوبريشن إنهيرنت ريزولف