icon
التغطية الحية

"التجنيد القسري".. كيف تسوق"قسد" الشباب إلى الخدمة؟

2021.11.26 | 05:10 دمشق

khbr_aldfa_aldhaty_mwwwq_0.jpg
جنود في صفوف "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) (صورة أرشيفية)
تلفزيون سوريا - إياد أبو اليمان
+A
حجم الخط
-A

تشكل حملات التجنيد المستمرة التي تنفذها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) هاجساً للشباب السوريين في مناطق سيطرتها، والتي تعمد إلى اعتقالهم من الحواجز العسكرية وسحبهم إلى الخدمة العسكرية ومن ثم اقتيادهم إلى جبهات قتالها بشكل إجباري.

وتلزم قسد الشباب من مواليد 1998 إلى 2003 بالخدمة العسكرية تحت مسمى "خدمة الدفاع الذاتي" لمدة تصل إلى سنة تقريباً يتلقون فيها التدريبات ودروس عقائدية من "فكر القائد أوجلان" وعلى يد ضباط من "جبال قنديل"، ومن ثم زجهم في الجبهات العسكرية.

وفرضت "الإدارة الذاتية" قانون التجنيد الإجباري أو ما أطلقت عليه اسم "واجب الدفاع الذاتي" في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، على الشباب ذكوراً وإناثا في مناطق سيطرة شمال شرقي سوريا.

عبد السلام، مدرس مادة الرياضيات في إحدى ثانويات مدينة منبج بريف حلب الشرقي، أوقفوه عناصر "قسد" على الحاجز قرب جسر قره قوزاق، القريب من مدينة عين العرب (كوباني)، رغم إثباته لهم بأنه مدرس بإحدى الثانويات إلا أنهم اقتادوه إلى التجنيد الإجباري.

يروي عبد السلام (23 سنة)، اسم مستعار، قصته مع التجنيد الإجباري في صفوف "قسد"، ويقول لموقع تلفزيون سوريا، بعد اعتقالي على الحاجز في شباط/فبراير من العام الماضي، خضعت لدورة تدريبة لمدة أربعة أسابيع في منطقة خالد، القريبة من سد تشرين بريف حلب، ومن ثم تم فرزي إلى إحدى الجبهات لإكمال "خدمة الدفاع الذاتي".

الدورة ونشر الأفكار

في اليوم الأول لي بالمعسكر استيقظت صباحاً على صوت طرقات باب المهجع الذي قضيت فيه ليلتي الأولى، سمعت صوت أحدهم يصرخ باسمي، الأمر الذي أصابني بالفزع، وعلمت من أحد زملائي المجندين "أن الضابط ينادي باسمك لتتسلّم أغراضك وتستعد للتدريب".

تسلّم عبد السلام، الذي سبق له أن خدم سبعة أشهر لدى جيش النظام قبل انشقاقه، بدلة عسكرية صحراوية اللون وبندقية وبطانية ووسادة نوم.

وبحسب عبد السلام الذي جرب الخدمة العسكرية لدى كل منهما، لا تختلف تفاصيل المعسكر والتدريبات وأسلوب الخدمة لدى جيش النظام و"قسد".

ويضيف الشاب العشريني، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أعلام وحدات حماية الشعب " YPG" في كل الأرجاء وصور عبد الله أوجلان والمقاتلين الذين قتلوا على الجبهات ضد تنظيم داعش وتركيا تملأ المعسكرات.

نستيقظ في الصباح الباكر قرابة الساعة السادسة على صوت صفارات تصدر صوتاً مرتفعاً لنبدأ يومنا باجتماع صباحي يحضره نحو 300 شخص متذمر، تتلى فيها أقوال القائد عبد الله أوجلان.

يبدأ برنامج التدريب الصباحي بتدريبات اللياقة البدنية، أولها الجري لمسافة 6 كيلومترات، إضافة لتمارين رياضية، ومن بعدها تدريبات على السلاح والرمي وكيفية صيانة البندقية وفكها وتركيبها.

تستمر التدريبات إلى الساعة الثانية عشرة ظهراً، ثم يبدأ موعد وجبة الغداء والتي تكون عادة عبارة عن أطعمة سائلة (شوربة عدس – بطاطا – وفي بعض الأحيان دجاج).

بعد استراحة الغداء تبدأ الدروس الثقافية التوعوية، من الساعة الواحدة ظهراً إلى الساعة الرابعة عصراً، تكون الدروس عن فكر القائد أوجلان وعن العقيدة التي يجب أن يتمسك بها المقاتل ليدافع عن أرضه ضد "الاحتلال التركي ومرتزقة أردوغان الجيش الحر والإرهابيين الدواعش"، على حد وصف حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD".

يذكر عبد السلام أن المدربين الذين يشرفون على المعسكرات هم ضباط من جبال قنديل، معظمهم لا يتحدثون العربية، ويستعينون بمترجمين خاصين لا سيما في حالة إعطاء التعليمات الخاصة بالتدريب.

 

رواتب قليلة ولا أماكن للعبادة

وبالنسبة لرواتب المجندين يقول عبد السلام: يتقاضى المجند 75 ألف ليرة سورية (نحو 20 دولارا أميركيا) لا يقتطع منها شيء، حتى علب السجائر توزع مجاناً في المعسكرات، بينما يتقاضى المتطوعون رواتب أعلى تصل إلى أكثر من 250 ألف ليرة سورية (نحو 70 دولارا أميركيا).

ونظراً لاتساع المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، تضطر الأخيرة لتجنيد أعداد كبيرة من المجندين تحسبا لأي هجوم من قبل الجيش الوطني والجيش التركي من جهة ومن النظام السوري من جهة أخرى، هذا فضلاً عن هجمات يشنها تنظيم داعش بين الفينة والأخرى.

وبحسب ما يرويه عبد السلام، لا توجد صلاة جمعة ومن يريد أن يصلي يستطيع الصلاة في المهجع، لكن معظم المجندين لا يصلون والذي يصلي يترك الصلاة بسبب قذارة المكان.

كما يمنع اختلاط الجنسين في المعسكرات، وتخصص للنساء أماكن تدريب.

نظام الإجازات ومدة التدريب

مدة الدورة التدريبة التي يخضع لها المجندون إجباريا خمسة أسابيع، يسمح بعد الانتهاء منها بزيارة الأهل لمدة لا تتجاوز الأسبوعين.

يشير عبد السلام إلى تكرار حالات الهروب خلال الإجازة الأولى ويعمدون إلى تغير مناطق إقامتهم، لكن من يتأخر عن موعد الالتحاق يعاقب بزيادة الخدمة شهرا عن كل يوم.

وبعد العودة من زيارة الأهل يتم فرز المجندين على الجبهات، وبعد الانتهاء من الخدمة التي تستمر 12 شهراً، كامل الخدمة، تمنح وثيقة لكل من خضع لخدمة الدفاع الذاتي.

أما الذين يعفون من قانون التجنيد الإجباري، حسب قانون واجب الدفاع الذاتي الذي أقرته "الإدارة الذاتية"، والمؤلف من 35 مادة، هم:

  • أبناء وإخوة الشهداء لأم واحدة المسجلون رسميا في سجلات هيئة عوائل الشهداء والحاصلون على وثيقة الشهادة.
  • ذوو الاحتياجات الخاصة والمرضى المصابون بأمراض تمنعهم من أداء الواجب ويتم ذلك وفقاً للتقارير الطبية من قبل المركز الطبي العسكري وتصديق مكتب الدفاع في الإدارات الذاتية والمدنية.
  • الوحيد الدائم لوالديه أو لأحدهما سواء كان كلاهما حياً أو ميتاً.
  •  يعامل معاملة الوحيد كل مكلف يكون إخوته الذكور من ذوي الاحتياجات الخاصة استنادا إلى تقارير مركز الطب العسكري.
  • اللقيط الذي لا يعرف له نسب.

تهديد وقرارات عشوائية

موسى (22 سنة)، شاب سوري من مدينة الحسكة، هو أحد الشباب الذين أنهوا مؤخراً الخدمة الإجبارية في صفوف "قسد"، يروي كيف تعرض للتهديد نتيجة تخلفه عن اللحاق بالخدمة بعد الإجازة الأولى التي تعقب الدورة.

ويقول موسى، الذي رفض كشف اسمه الكامل لدواعٍ أمنية، وصلتني رسالة تهديد عن طريق أحد مندوبي قسد؛ قال فيها: إذا لم تأت وتكمل خدمة الدفاع الذاتي خلال ثلاثة أيام سنأخذ أختك تكملها.

وأضاف موسى، صدمت وعائلتي مما قاله لنا المندوب فاضطررت إلى الرجوع وإكمال الخدمة وتعرضت لعقوبة على تأخري، وبعدها توظفت في البلدية لكي أعيل أسرتي.

وعن كيفية إصدار قرار التجنيد الإجباري يقول مصدر أمني مطلع، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، من مدينة الحسكة إن التعليمات تأتي من القامشلي بعدد الأشخاص المطلوبين للتجنيد الإجباري،

ويضيف المصدر في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا"، تبدأ حملة التجنيد في كل مدن وأرياف شمال شرقي سوريا (دير الزور – الحسكة- الرقة- منبج- عين العرب) والشخص الذي يساق للخدمة تحتجز هويته الشخصية طوال فترة الخدمة، ويتم سحب الأعمار المطلوبة عن طريق حواجز العسكرية.

ويشير المصدر إلى أنه لا تتم عمليات مداهمة للبيوت لأن "قسد" تحسب حساب العشائر وتخاف من ردة فعلهم.

وفي ظل عدم وجود إحصائيات رسمية، يشير المصدر المطلع إلى أن 90% من المجندين إجباريا هم من العرب لأن الأكراد يتطوعون والمتطوعون ينتسبون للأجهزة الأمنية والاستخبارية والفرق العسكرية الأخرى ويخضعون لدورات خاصة ويتقاضون رواتب أعلى.

 وتحرص "قسد" على استمالة الحاضنة الشعبية في مناطق سيطرتها، وبحسب المصدر تتفهم "قسد" البعد العشائري في المناطق لذلك تكتفي بسحب مجند أو مجندة من كل عائلة أو موظفا في إحدى القطاعات التابعة لها، ولا تريد تكرار ما حدث من مظاهرات في مدينة منبج خشية من تعميم الاحتجاج الشعبي.

مظاهرات منبج نقطة تحول

استطاع أهالي مدينة منبج بعد المظاهرات الرافضة للتجنيد الإجباري، في 31 من أيار/مايو، والتي قتل على إثرها  ثمانية أشخاص وأصيب العشرات، إرضاخ قسد لمطالبهم،  فأصدرت بيانا بإيقاف التجنيد الإجباري وإحالته للدراسة، وأجرت مصالحة كما دفعت دية للأشخاص الذين قتلوا.

 

أعادت الرئاسة المشتركة لمكتب الدفاع الذاتي التابع للإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا إصدار التعديل الأخير في قانون خدمة "الدفاع الذاتي"، وحددت فيه مواليد الأشخاص المطلوبين للخدمة العسكرية في مناطق سيطرتها.

وبحسب التعميم الصادر عن مكتب الدفاع، الإثنين 23 من تشرين الأول/أكتوبر، تحدد المواليد المطلوبة لأداء “خدمة الدفاع الذاتي” من 1998 إلى 31.12.2003 حسب التعميم رقم 12. ويعتقل كل من لا ينصاع لهذه القرارات.

وأعفى مكتب الدفاع في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الشبان الذين تكون مواليدهم من 1990 حتى 1997، من أداء خدمة واجب الدفاع الذاتي.

وأكد البيان أن" هذا القرار لا يشمل من هم على رأس عملهم والفارين من "قسد" وقوى الأمن الداخلي والانضباط العسكري".

التجنيد الإجباري في سوريا

التجنيد الإجباري هو قانون يلزم الأفراد في مناطق “الإدارة الذاتية” بالالتحاق في صفوف قواتها العسكرية والأمنية للدفاع عن مناطق سيطرتها وحدودها، على غرار الخدمة الإلزامية في صفوف جيش النظام السوري

وطُبق التجنيد الإجباري من قبل “وحدات حماية الشعب” (الكردية) لأول مرة عقب اتفاق “دهوك” في عام 2014، إثر صعود تنظيم "داعش" وسيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق.

2222_0.jpg

 

ويذكر أن كل الأطراف في سوريا عمدت إلى "التجنيد الإجباري" لتغذي صفوفها، كما يفعل النظام وقوات قسد، وكما فعلت داعش سابقاً، ويبقى الاستثناء من القاعدة هي القوات التي ترفع علم الثورة على امتداد العقد المنصرم.

حيث لم تعمد أي من كتائب وتشكيلات "الجيش الحر" أو حتى الفصائل السلفية إلى التجنيد الإجباري، وبقيت معتمدة حتى اليوم (الجيش الوطني - هيئة تحرير الشام) على المتطوعين.