التاريخ الأميركي الذي يجب ألا يتكرّر

2022.10.13 | 06:30 دمشق

التاريخ الأميركي الذي يجب ألا يتكرّر
+A
حجم الخط
-A

كتب جورج سانتايانا، الفيلسوف والشاعر الأميركي من أصل إسباني، في كتابه الشهير الذي يحمل عنوان "حياة العقل": "أولئك الذين لا يستطيعون تذكُّر الماضي محكوم عليهم بتكراره". وقد يكون من المتاح لنا أيضاً قراءة العلاقة بين الماضي والحاضر بطريقة مغايرة كأن نقول إن الذين لا يستطيعون التوقف عن رؤية العالم من منظور الماضي محكوم عليهم بعدم الاستعداد للتغيير.

تفيد تراكمات التجربة السياسية الأميركية على مدار عشرات السنين، وانعكاسها المباشر على صناديق الانتخابات، أن عرفاً سياسياً تشكّل في واشنطن مفاده أن أحد الحزبين الكبيرين المتنافسين (الديمقراطي والجمهوري)، حين يكون أحدهما خارج البيت الأبيض، عادة ما يفوز بأغلبية مقاعد الكونغرس في الانتخابات النصفية.

وإذا صح التقليد الأميركي وأيضاً نظرية سانتايانا، ففي حالتنا الراهنة من المرجّح أن يكون للحزب الجمهوري الأغلبية في الانتخابات النصفية القادمة، بينما سيتراجع حزب الرئيس بايدن الديمقراطي إلى موقع الأقلية الحزبية في مجلسي الشيوخ والنواب.

المؤشرات كلها تتّجه نحو تحوّل في السلطة قريب لجهة الجمهوريين، بينما سيتعرّض الرئيس بايدن في العامين القادمين من عمر رئاسته للعديد من المتاعب

فبالرغم من تقدّم حظوظ الديمقراطيين في الفوز بالانتخابات وذلك كمكافأة شعبية لحزب بايدن الذي قام بتخفيض أسعار الغاز في فترة الصيف، وضبط تسارع موجة التضخّم في الولايات المتحدة، إلا أن المؤشرات كلها تتّجه نحو تحوّل في السلطة قريب لجهة الجمهوريين، بينما سيتعرّض الرئيس بايدن في العامين القادمين من عمر رئاسته للعديد من المتاعب.

الجمهوريون يتابعون تمسّكهم بترشيح المؤيدين لحركة الرئيس السابق، دونالد ترامب، والتي تدعى اختصاراً MAGA، رغم كل ما حدث ويحدث نتيجة هجوم لبعض عناصرها من المتشدّدين على مبنى الكونغرس في واقعة 6 يناير الشهيرة، التي تلت خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية في العام 2020.

فالبيانات الأساسية واستطلاعات الرأي لا تزال تشير إلى تقدّم الجمهوريين نحو استعادة السيطرة على مجلس النواب من جهة، واحتمالات عالية لشغلهم المقعد الوحيد الضروري لاستعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ أيضاً، بالرغم من أن المرشحين في الولايات المتأرجحة – والتي تحدد عادة نتيجة الانتخابات مثل بنسلفانيا وأريزونا ونيو هامشير – ينتمون بأغلبيتهم إلى اليمين المتشدّد.

مُنيَ الرئيس بايدن بهزائم شعبية خلال العام الثاني من ولايته، وكانت نسبة الاستفتاء الشعبي في قبول سياساته لا تتجاوز 37% في شهر يوليو الفائت، وهي نسبة منخفضة نسبياً وضعيفة لحزب حاكم يشغل البيت الأبيض. ورغم ارتفاع هذه النسبة في شهر سبتمبر بـ 5 نقاط ووصولها إلى ما يعادل 42%، إلا أنها ما زالت غير متكافئة.

وبينما يروّج الديمقراطيون للعوائد العظيمة للشعب الأميركي من مشروع قانون بايدن لإعادة تأهيل البنية التحتية وكذا حزمة الإنفاق التي اعتمدتها إدارته لتمكين قطاع الرعاية الصحية، وسعيهم للعب دور دولي فاعل في قضية تغيّر المناخ التي مرت على أسس حزبية، يقومون في الوقت عينه بالضغط في الاتجاه المعاكس من خلال تشويه سمعة الجمهوريين الذين وقفوا ضد قضية أساسية في المجتمع الأميركي وهي حق الإجهاض، وذلك لقناعتهم أن هذا الأمر سيكون قادراً على إقناع المستقلين في الولايات المتأرجحة (وبخاصة النساء) في الالتزام بالتصويت لمرشحي الحزب الديمقراطي.

من الجلي اليوم أن الطريق أصبح ممهداً أمام الجمهوريين لاستعادة الأغلبية في مجلس الشيوخ، فهم يحتاجون لمقعد واحد لاستعادة القبضة عليه. بينما لن يحتاج الأمر إلى "موجة حمراء" لاستعادة مجلس النواب، فزعيم الأقلية الجمهورية، كيفن مكارثي، سيحتاج فقط إلى خمسة مقاعد للحصول على الأغلبية.

أما ترامب، الغائب الحاضر، فيكفيه أنه أسس لحركة لافتة في الحياة السياسية الأميركية أصبح لها أتباعها ومؤيدوها

فصل المقال يكمن في مدى قدرة الجمهوريين على حصد المزيد من المقاعد في مجلس النواب بما يتجاوز الخمسة مقاعد حتى يتمكنوا من الإدارة بأغلبية مريحة سترجّح الكفة لصالحهم خلال العامين المقبلين، ما يمهّد لانتصارهم المتوقّع في الانتخابات الرئاسية للعام 2024 في حال توصلوا إلى ترشيح شخصية جمهورية توافقية لا خلافية، أرجّح أن تكون من الشباب الجمهوري الذي يخطو بقوة نحو المقدّمة هذه الأيام.

أما ترامب، الغائب الحاضر، فيكفيه أنه أسس لحركة لافتة في الحياة السياسية الأميركية أصبح لها أتباعها ومؤيدوها، وقد تتحول في المستقبل إلى حالة حزبية متكاملة.

أما عن نفسي كأميركية من أصل سوري تنتمي إلى الحزب الجمهوري منذ 25 عاماً، فلا أشجّع مطلقاً ترشيح دونالد ترامب من جديد لانتخابات الرئاسة في العام 2024، اعتقد أن هناك حاجة حقيقية لتجاوز مرحلة ترامب كفرد، مع التأكيد على منافع الحقبة الترامبية وإيجابياتها - رغم كل ما اعتراها من اضطرابات - على أقل تقدير في "عدم تكرارها للتاريخ".