البلطجة التشريعية والقضائية الإسرائيلية

2021.07.24 | 06:21 دمشق

1028948886_0_168_3500_2136_1200x0_80_0_1_0edfc65e76a3b2479678af20d9a491fb.jpg
+A
حجم الخط
-A

ضمن إطار توظيف مؤسسات الدولة اليهودية من أجل هندسة وشرعنة نظام الفصل العنصري الذي يقوم على الرؤية الفوقية للآخر، صوت الكنيست الإسرائيلي يوم الثلاثاء ٦ تموز/يوليو على تمديد قانون المواطنة حول بند منع لم الشمل، والذي يمنع لم شمل عائلات فلسطينية، بعد مداولات طويلة ومفاوضات بين أحزاب الحكومة الإسرائيلية  بقيادة نفتالي بينيت وشريكته إييليت شاكيد، تمخض عن تلك المفاوضات عقد تسوية مع القائمة العربية الموحدة التي وافقت على تمديد القانون لمدة ستة أشهر مما أدى إلى سقوط هذه التسوية بسبب التعادل في التصويت على هذا القانون.

تحت الأضواء من جديد، ظهر منصور عباس وهو نائب قائد الحركة الإسلامية الشق الجنوبي ورئيس القائمة الموحدة بفعل عقد تلك التسوية بينه وبين وزيرة الداخلية إييليت شاكيد، بمظهر المحارب في صف اليمين الصهيوني المتطرف ضد أبسط الحقوق للفلسطينيين، رغم سقوط قانون المواطنة العنصري بفعل تعادل الأصوات حيث صوت ٥٩ عضوا مع وعارض ٥٩ عضوا من الكنيست، في حين امتنع مازن غنايم وسعيد الخروني من القائمة الموحدة عن التصويت.

ساندت المحكمة الإسرائيلية العليا إلى جانب الكنيست في إرساء نظام الفوقية اليهودية حيث قررت رفض التماس قدمته جمعيات حقوقية لإلغاء قانون القومية الإسرائيلي

ليس منصور عباس هو النائب الوحيد من أصل فلسطيني الذي صوت مع قانون منع لم الشمل قام وليد طه من القائمة الموحدة بالتصويت مع كذلك عيساوي فريج من حزب ميريتس وغيداء ريناوي صوتا مع قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية، كذلك ابتسام مراعنة من حزب العمل صوتت مع القانون الذي يوصف بأنه من أشد القوانين العنصرية في العالم بجانب قانون القومية الإسرائيلي.

في الفترة نفسها ساندت المحكمة الإسرائيلية العليا إلى جانب الكنيست في إرساء نظام الفوقية اليهودية حيث قررت رفض التماس قدمته جمعيات حقوقية لإلغاء قانون القومية الإسرائيلي أو تعديل أي بند فيه، واتخذ هذا القرار بأغلبية عشرة قضاة ضد قاضٍ واحد، وهو القاضي العربي الوحيد في هذه المحكمة، بذلك تكون مؤسسات الدولة اليهودية من تنفيذية وتشريعية وقضائية تعمل على إرساء قانون أساس دستوري يشرعن الفوقية اليهودية والنظرة العنصرية إلى فلسطينيي الداخل.

هذه القرارات ليست القرارات الوحيدة التي تدل على ماهية النظام السياسي في إسرائيل،  فالجهاز القضائي يقف وراء عمليات نهب الممتلكات الفلسطينية والأراضي في القدس كما في الأراضي المحتلة لعام ١٩٦٧، حيث تفننت مؤسسات دولة الاحتلال بأشكال التهويد في القدس الشرقية، ضمن خطة ممنهجة تمنح الجمعيات الاستيطانية دعماً مباشراً من الحكومة الإسرائيلية مثل جمعية (عطيرت كوهانيم)، هذا دفع أستاذ في جامعة بن غوريون في بئر السبع يدعى عيدان لاندو بتسمية ظاهرة سرقة الأرض الفلسطينية بظاهرة "البلطجة السلطوية المخصصة للمهمات القذرة"، وأشار إلى أنها ازدهرت مؤخراً بسبب تواطؤ المؤسسات التشريعية والقضائية في سن القوانين العنصرية.

عملياً عند النظر للإجراءات الاستيطانية المتبعة في القدس الشرقية وفي الأراضي المحتلة لعام ١٩٦٧، يحضر دور القضاء الإسرائيلي في المشاركة بعمليات نهب الأراضي عبر المحاكم، ولطالما كان الحال مع القضاء الإسرائيلي كذلك قبل سن "قانون القومية" الإسرائيلي العنصري، والذي يمنح الشعب اليهودي امتيازات حصرية في الدولة تحت غطاء شرعي برعاية المحكمة العليا.

عند الوقوف على تصويت الأطراف العربية التي شاركت في حكومة نفتالي بينيت لصالح قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية، نلاحظ أنه مثّل مع سابقاته من الدلائل والمؤشرات على جاهزية الأطراف العربية للتخلي عن كل مشتركات إنسانية وأخلاقية تربطهم بمن يمثلونهم من فلسطينيي ٤٨ بفعل التنازلات الفادحة التي قدمها من صوت مع هذا القرار في سبيل استمرارية الحكومة المتطرفة الحالية وحفظ تماسكها، مما يدفع للتساؤل عن ماهية دور الأحزاب العربية والأحزاب اليسارية في ظل حكومة يمينية متطرفة فيها تناقضات هائلة، فهل نحن أمام حالة من الأحادية الإيديولوجية بفعل خضوع تلك الأحزاب لرؤية اليمين المتطرف بالكامل؟

يسيطر على المشهد السياسي الإسرائيلي هيمنة اليمين الإسرائيلي بكل مكوناته على اليسار الإسرائيلي المأزوم بسبب تخلي الأخير عن خطابه تدريجياً، ففي الانتخابات الأخيرة مثلاً أصبح التنافس يدور حول شخص بنيامين نتنياهو وليس حول الخطاب اليميني العنصري الذي يمثله، اندماج أحزاب اليسار في عملية إفراغ المؤسسات الديمقراطية من مضمونها كما حصل في الكنيست الإسرائيلي من تصويت لصالح القوانين العنصرية جعل الخطاب اليميني الشعبوي الفاشي هو الخطاب الدارج في مؤسسات الدولة، مما أدى إلى غياب المنافسة الحقيقية في العملية الديمقراطية.

هذا التشابه الحاد بين اليمين واليسار الإسرائيلي حين يتعلق الأمر بفرض القوانين العنصرية أفرز حالة من غياب النقاشات الحقيقية، مما أدى لحالة من شبه التطابق في البرامج السياسية، في ظل نظام فصل عنصري تخشى فيه الأحزاب اليسارية من تهمة أنها ليست إسرائيلية بما يكفي، أو أن يقيمها الجمهور المتعصب بأنها أحزاب ليست ذات هوية إسرائيلية حقيقية، خاصة أن أي برامج قد تقوم عليها الأحزاب اليسارية ستصب لصالح حقوق الإنسان وهذا ما لا يتفق مع الرؤية العنصرية لفوقية الدولة اليهودية على باقي المكونات على الأرض.

بالمحصلة يمثل تصويت شخصيات عربية على قانون عنصري مؤشر على نقلة حادة في الحياة الديمقراطية داخل الكنيست، حيث ستستمر حالة الاندماج الإيديولوجي تلك بين الأحزاب المتناقضة تحت تهديد فشل الحكومة الائتلافية في حال تشبثت تلك الأطراف ببرامجها التي انتخبها الجمهور على أساسها، هذا دفع المراقبين لاعتبار عملية التصويت ضد قانون منع شمل العائلات الفلسطينية مؤشر قوي على تماسك الحكومة رغم تناقضاتها، في الوقت الذي ساد استياء واسع من قبل العائلات الفلسطينية على الأطراف العربية التي صوتت لصالح القانون، وهذا بحد ذاته مؤشر على خضوع أحزاب اليسار والأحزاب العربية بالتحديد لنفس رؤية الأحزاب اليمينية في ميزان قضايا الأمن والسلام والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، حيث تم تبرير القانون بالمخاطر الأمنية والاجتماعية التي قد تترتب على لم شمل العائلات الفلسطينية.

يمثل إخفاق اليسار الإسرائيلي في إنتاج خطاب للداخل الإسرائيلي أهم معالم فشله الداخلي وجنوحه للتموضع تحت مظلة الخطاب اليميني المتطرف

في استعراض آري شفيط للتنازلات التي قدمتها كتلة ميريتس على سبيل المثال في الأسابيع الأولى لعمل الحكومة الحالية من قانون الحرمان من لم الشمل إلى السكوت عن تثبيت البؤرة الاستيطانية المسماة إسرائيليا "أفيتار" على جبل صبيح جنوبي نابلس فإنه يقول: "إن العار السياسي والإيديولوجي الذي ألقته كتلة ميريتس على نفسها، مثل تأييد وامتناع النواب الأربعة في كتلة القائمة العربية الموحدة، يؤكد قوة الأطواق التي تفرضها الحكومة على شركائها، وفي ساعة اختبار فإن هاتين الكتلتين اللتين تعدان ضعيفتين في الائتلاف خرجتا عن طورهما لمساعدة الحكومة، وفي الانتخابات التي قد تجري في شتاء 2022، في حال لم يقر الكنيست الموازنة العامة، فإن هاتين الكتلتين قد تجدان نفسيهما على مزبلة التاريخ في انتخابات كهذه".

بالإضافة إلى ما سبق من ملامح انحسار برامج اليسار الإسرائيلي، يمثل إخفاق اليسار الإسرائيلي في إنتاج خطاب للداخل الإسرائيلي أهم معالم فشله الداخلي وجنوحه للتموضع تحت مظلة الخطاب اليميني المتطرف، حيث شكل تبني أكاديميين وباحثين ومفكرين لرؤية الدولة الواحدة حالة فهم حقوقي وأخلاقي للصراع على طبيعة الدولة اليهودية الواحدة، مما أدى إلى تلاشي الرؤية الأمنية التي أسس عليها رابين مشروع اليسار الإسرائيلي، في الوقت الذي راحت الأحزاب اليمينية تتهم اليسار بانفصاله عن واقع الأمن والسياسة الذي يحكم وجود الدولة اليهودية وانشغاله برؤية حقوقية طوباوية.

هذا كله أفرز الحالة السياسية بين اليمين واليسار الإسرائيلي الحالي حيث لا فرق بينهما حين يتعلق الأمر في قضايا أمن ومصالح إسرائيل ضمن حيز الوجود الدائم، حيث الغياب الكامل للحديث عن السلام إلا في حالات نادرة وبشكل غير جدي، فغياب حياة ديمقراطية حقيقية وغياب تنافس مشروعات جدي بين الأحزاب الإسرائيلية، وبسبب تراجع اليسار الإسرائيلي والأحادية الإيديولوجية في المشهد السياسي الديمقراطي لصالح اليمين سوف يفرز كثيرا من التحيزات للقوانين العنصرية التي تغازل المستوطنين والتوسع الاستيطاني وتحارب الوجود العربي بكل الطرق الممكنة والتي كانت تبدو محالة كاستغلال أصوات عربية في الكنيست ضد مصالح العرب التي من أجلها سوغوا دخولهم للكنيست الإسرائيلي.